لا يزال معظم نازحي ريف اللاذقية الشمالي عالقين في مخيماتهم قرب الحدود السورية – التركية، رغم مرور أكثر من ثمانية أشهر على إسقاط النظام السابق، حيث يصطدم حلم العودة إلى القرى بالدمار الكبير وتكاليف الترميم الباهظة، في حين زادت الحرائق الأخيرة من معاناة الأهالي بعد أن التهمت أرزاقهم وأراضيهم.
وفي وقت تعود فيه الحياة تدريجياً إلى بعض قرى جبلي الأكراد والتركمان، إلا أن آثار الدمار ما تزال حاضرة بقوة؛ إذ تغيب الكهرباء والمياه والمدارس والمراكز الصحية شبه كلياً، ويجاهد من عاد لتأمين أبسط مقومات العيش.
يقف الحاج محمود خليلو (54 عاماً) في قرية طعوما بجبل الأكراد على أطلال منزله الذي لم يبقَ منه سوى أعمدة متآكلة بلا سقف، وقد غزته الأعشاب والحشائش الطويلة.
يستعيد خليلو ذكريات البيت الذي كان قبل سنوات مقصداً للعائلة والأصدقاء، قبل أن يتحول إلى خراب، ويشير بيديه إلى بستان التفاح الذي غطته الأدغال، موضحاً حجم الأموال والجهد المطلوبين لإعادة إعمار منزله وأرضه، وينهي جولته التفقدية ليعود مجدداً إلى خيمته التي يسكنها منذ عشر سنوات على أمل تأمين الأموال اللازمة للإصلاح.
نازحون بلا قدرة على الترميم
يؤكد إياد الحردان، مدير مخيم صلاح الدين في ريف اللاذقية، أن أكثر من نصف النازحين لا يزالون في المخيمات بسبب الفقر. تقيم في المخيم الذي يشرف عليه 270 عائلة من أصل 525، في حين يضم مخيم الأنصار المجاور 400 عائلة من أصل نحو 600، كما تنتشر عشرات العائلات في مخيمات عشوائية على طول الحدود.
يشير الحردان، في حديث لموقع "تلفزيون سوريا"، إلى أن معظم العائدين وجدوا منازلهم مدمرة كلياً أو بحاجة إلى ترميم مكلف، موضحاً أن كلفة صهريج مياه يكفي لعدة أيام فقط تصل إلى 400 ليرة تركية، وهو مبلغ يعجز كثير من الأهالي عن دفعه. تتطلب إعادة ترميم المنازل ما بين ثلاثة إلى أربعة آلاف دولار أميركي، وهو مبلغ يفوق قدرة أي نازح.
يعيش أحمد شيخاني (36 عاماً) في مخيم الأنصار مع زوجته وطفليه داخل خيمة سقفها قطعة قماشية، وسط حرارة خانقة. يعمل أحمد ببيع القهوة على الطريق، ويجيب على أسئلة المارة المتكررة عن موعد عودته إلى قريته قائلاً: "حتى تفرج الحال".
يرى شيخاني أن الحكومة لا تقدم الدعم اللازم لعودة النازحين، مضيفاً: "نسمع يومياً عن مشاريع، لكن لم يأتِ أي مسؤول ليطّلع على معاناتنا (…) تحملنا المطر والثلج والحر، وأطفالي لا يعرفون من الحياة سوى هذا المخيم. من يملك 5 أو 6 آلاف دولار ليصلح منزله؟ أليس من الأولى أن تتكفل الحكومة بدعمنا ولو جزئياً؟".
حرائق تضاعف المأساة
اندلعت حرائق غير مسبوقة في ريف اللاذقية الشمالي خلال الشهر الفائت، وأتت على غابات وقرى بكاملها، وزادت من صعوبة عودة النازحين. أعلن محافظ اللاذقية محمد عثمان أن الحرائق دمّرت 2200 هكتار من الأراضي الزراعية وتضررت منها 45 قرية، في حين بلغ عدد العائلات المتضررة نحو 1200.
بدأ أيمن حاج علي، من بلدة قسطل معاف، بترميم منزله استعداداً للعودة، لكن النيران التهمت منزله وبستانه المزروع بالتفاح والدراق والخوخ. عاد حاج علي إلى حياة النزوح داخل خيمة، ويقول: "منزلي يمكن ترميمه من جديد، لكن الأراضي الزراعية والغابات تحتاج سنوات طويلة لتعود كما كانت، وربما لا تعود أبداً".
تسببت هذه الحرائق في موجة نزوح جديدة بعد أن كان بعض الأهالي قد عادوا إلى قراهم لأول مرة منذ سنوات. يؤكد شادي عجوز، من بلدة ربيعة، أن الحريق أخّر عودة كثير من السكان، موضحاً أن "القرى هنا تعتمد على الزراعة، ومن دون دعم حقيقي لن يتمكن الأهالي من الاستقرار مجدداً".
وكانت منظمة الزراعة والتنمية الريفية (SARD) قد كشفت في تقرير الشهر الماضي أنّ الحرائق الواسعة التي اجتاحت ريف محافظة اللاذقية أسفرت عن تدمير أكثر من 10 آلاف هكتار من الأراضي الحرجية والزراعية، أي ما يعادل نحو 100 كيلومتر مربع، أي ما يعادل أكثر من 3 في المئة من إجمالي الغطاء الحراجي في سوريا.
واضطر أكثر من 1120 شخصاً إلى مغادرة منازلهم، في حين يُقدّر عدد المتضررين بنحو 5 آلاف شخص، بينهم أطفال ومرضى ومسنون يعانون من أمراض تنفسية زادها الدخان الكثيف الذي وصل إلى مدينة حماة وريفها وجنوبي إدلب سوءاً، وفقاً للتقرير.
