نائب أوروبي في دمشق

2019.09.03 | 00:09 دمشق

+A
حجم الخط
-A

للمرة السابعة خلال سنوات المقتلة السورية المستمرة منذ 2011، زار النائب في البرلمان الأوروبي عن حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف الفرنسي تييري مارياني دمشق الأسبوع الماضي للقاء مسؤوليها. وكان قد سبق لهذا النائب أن شغل منصب وزير المواصلات في حكومة اليمين الديغولي أثناء رئاسة نيكولا ساركوزي بين عامي 2010 و2012.

ولقد تميّز أداء هذا السياسي المولود في جنوب فرنسا لأبوين إيطاليين، بتطرف شديد خصوصاً فيما يتعلق بالمسألة الأمنية ومسألة الهجرة. وكان دائم الحضور لمحاولة فرض قوانين متشددة تحكم هذين الملفين الشعبويين. ملفان يمكن لهما أن يجذبا أصوات الناخبين البسطاء من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار. ومن "إنجازاته"، سعيه لفرض فحص الحمض النووي على طالبي التأشيرات، وإلى تشريع الإحصاءات الإثنية والدينية الممنوعة قانوناً في فرنسا، وأخيراً، فقد عمل على منع الاستقبال في حالات الطوارئ لمن لا يحمل أوراق إقامة قانونية. كل هذه المساعي باءت بالفشل ولكنها قرّبته أكثر من اليمين الفاشي المتطرف ومن قيصر الكرملين راعي هذه الأحزاب أوروبياً.

ورب صدفة خير من ألف ميعاد، فيبدو أن علاقات النائب الأوروبي مع موسكو تمزج العائلي بالمنفعي، فقد تزوج من مذيعة روسية سنة 2005 ومن ثم أيَّد احتلال روسيا لجزيرة القرم الأوكرانية وقيام المحتل الروسي بضم الجزيرة. وقد قام بتنظيم زيارة للجزيرة في تموز سنة 2015 مع نواب آخرين للتضامن مع فلاديمير بوتين في هذا الاعتداء، وقد نددت وزارة الخارجية الفرنسية

العلاقة مع دمشق ترتبط أكثر بأوامر عليا يُضاف إليها ميول دينية متطرفة تجمعه مع منظمة "إنقاذ مسيحيي الشرق"

حينها بهذه الزيارة معتبرة أنها تحمل "خرقاً للقوانين الدولية". ومن الجانب النفعي، فقد تم اختياره عضواً رئيسياً في مجلس إدارة محطة روسيا اليوم الفرنسية قبل أن يفضل استخدامها كمنبر إعلامي له، وبالتالي استقال من عضوية الهيئة، وهو منصب كان يحرمه من الظهور على شاشتها واستخدامها كأداة انتخابية فاعلة.

أما علاقته بالنظام السوري، فهي مستوحاه من قربه المنفعي والسياسي من موسكو، وعلى الرغم من ميوله اليمينية المتطرفة حتى عند وجوده في اليمين الوسطي، وعلى الرغم من زيارته بغداد سنة 2002 في محاولة رمزية للتضامن مع طاغيتها صدام حسين، فإن العلاقة مع دمشق ترتبط أكثر بأوامر عليا يُضاف إليها ميول دينية متطرفة تجمعه مع منظمة "إنقاذ مسيحيي الشرق" التي تعمل في كنف اليمين الفاشي والتي تستقبلها منظمة "كرامة" السورية برئاسة السيدة هالة الشاوي في كل نشاطاتها الداعمة لبقاء المقتلة بحجة أن من يموت هم إرهابيون ومتطرفون حريٌ بالمجتمع الدولي أن يدعم زوالهم حتى لو احتاج الأمر إلى استخدام السلاح الكيماوي.

وفي هذا الملف، اشتهر النائب تييري مارياني في فرنسا إعلامياً في نفيه المتكرر والمسرحي لأي مسؤولية للنظام أو قواته الحليفة في مجازر الغوطة وخان شيخون الكيماوية على الرغم من نتائج التحقيقات الدولية المستقلة التي أكدت هذه المسؤولية. وقد "بارك" سقوط مدينة حلب وأداء قوات النظام وحليفها الروسي في هذه المدينة عبر التدمير الممنهج. وفي هذا، فهو يلتقي مع زعيم اليسار المتطرف الفرنسي جان لوك ميلونشون الذي تجمعه أيضاً بالكرملين علاقة بافلوفية تتناسى أن موسكو لم تعد عاصمة الاتحاد السوفييتي المندثر.  

يُعتبر مارياني من "رجال دمشق" في فرنسا بالنسبة للعديد من الباحثين والمراقبين للساحة السياسية والإعلامية الفرنسية، وهو نادٍ يضم بعض الصحفيين والباحثين الذين إما تربطهم مصالح نفعية مباشرة مع دمشق أو أنهم مقربون من اليمين المتطرف الفاشي الفرنسي أو من الكنيسة الكاثوليكية التقليدية التي ينبذها حتى الفاتيكان.

وفي زيارته الأخيرة، وبانتظار أن يستقبله المسؤولون السوريون، غرّد تييري مارياني قائلاً بأنه يشرب النبيذ الفرنسي في مطعم في صيدنايا، مرفقاً تغريدته السمجة هذه

هل كان أجداد مارياني أعضاء في الحزب الفاشي الإيطالي وكانوا يتذوقون النبيذ جوار محرقة أوشفيتز في أربعينيات القرن الماضي، وهو في استعادة هذا التقليد، يسعى إلى إدامة الإرث العائلي؟

بصورة تحمل ابتسامته إلى جانب ابتسامة يميني متطرف آخر. فهل هو جاهل أو متجاهل لحقيقة وجوده على بعد عدة أمتار من قرب أسوأ معسكرات الاعتقال السياسية في القرن؟ ففي معتقل صيدنايا، جرى توثيق اختفاء عشرات الآلاف من السوريين والسوريات قتلاً بدم بارد أو تعذيباً. معتقل تم توثيق جرائمه من قبل عشرات المنظمات الإنسانية والحقوقية الدولية، وحيث يقبع عشرات الآلاف من السوريين بانتظار مصيرهم. هل كان أجداد مارياني أعضاء في الحزب الفاشي الإيطالي وكانوا يتذوقون النبيذ جوار محرقة أوشفيتز في أربعينيات القرن الماضي، وهو في استعادة هذا التقليد، يسعى إلى إدامة الإرث العائلي؟

السوريون والسوريات أصحاب الياقات البيضاء والقفازات المخملية، من كل الطوائف والأديان، المنتفعون والمتمجّدون، والذين ما فَتِئوا ينافقون لكل نظام قاتل أو مأجور أو مستعمر أو منتدب منذ فجر التاريخ، يُسعدون بمثل هذه الشخصيات "الفرنجية". وهم في أحاديثهم المتهافتة يعتبرون أن قيامها هو انتصار لخطِّ الذين اختاروا منفعةً. هم بذلك يستعيدون ما ورد في كتاب الكولونيل بيير لامازيير تحت عنوان "ذاهب إلى سوريا" سنة 1926 والذي تحدث فيه عن نفاق النخب الاجتماعية في المدن السورية واللبنانية لقادة الانتداب الفرنسي الذي وصل حينها إلى درجة تقديم خدمات أقل ما يقال عنها، وهو ما ذكره الكاتب الكولونيل، إنها عديمة الأخلاق.