icon
التغطية الحية

ميكروفونات الشارع التركي.. استثمار في "الترند" يثير قلق السوريين

2022.09.09 | 06:47 دمشق

يب
لقطة شاشة من فيديو يستطلع آراء الشارع التركي بقضايا السوريين تظهر اشتباكاً بالأيادي
إسطنبول - ماريا عكيدي
+A
حجم الخط
-A

تعكس محتويات قنوات اليوتيوب التي تبث من الشوارع التركية مدى الاستقطاب السياسي والتباعد في الآراء حول القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذا ما وضع قضية السوريين في البلاد على رأس هذه المواضيع للنقاش لكونها خليطاً كاملاً من القضايا الثلاث السابقة، لكن نظراً لعدم انضباط هذه النقاشات كونها تحولت لمنصات حوار مفتوح وشعبي، باتت مقاطع الفيديو هذه سبباً يدعو السوريين للقلق من تنامي خطاب الكراهية الذي بدأ يأخذ أبعاداً جديدة، وسبباً يدعو للخوف من التعرض لاشتباك كلامي مع مجموعة من الأتراك أو مواقف عنصرية قد تتطور لمرحلة العنف الجسدي، ووصلت احتياطات البعض حد إخفاء هويته السورية لتجنب ما يؤذيهم، أو حتى مغادرتهم ضمن دفعة الهجرة الجديدة إلى أوروبا رغم المخاطر الجمّة.

وهو ما دفع الشاب السوري أحمد حج سليمان إلى اتخاذ قرار مغادرة إسطنبول بعد ست سنوات من العمل فيها بجهد، حيث وصل إلى صربيا حالياً بعد أن واجه مصاعب عديدة في طرق التهريب المحفوفة بالمخاطر، بداية مع خطر الموت غرقاً عند الحدود اليونانية، ومن ثم التعذيب على يد حرس الحدود البلغاري، وأخيراً وليس آخراً إلى مطاردته من قبل سيارة أمن صربية الأمر الذي كاد أن يتسبب بحادث مرور قاتل، على حد قول أحمد.

وفي إجابته على سؤال موقع تلفزيون سوريا عن دوافع قراره بمغادرة تركيا، قال أحمد "إن فيديوهات الشارع التركي كانت السبب الثاني بعد الفقر والمعيشة القاسية، لأنها خلقت لديه قناعة أنه مرفوض من الجميع بسبب معلومات مغلوطة لم يتحرك أحد لوقفها أو ضبطها".

في عصر الإعلام الجديد بات الوصول إلى المحتوى المنشور عبر الإنترنت أكثر سهولة وأوسع انتشاراً، وأصبح المحتوى غير المنضبط مثل ذلك الذي يحض على خطاب الكراهية قابلاً للإنتاج في أي مكان ومن قبل أي شخص.

وما يفاقم الحالة سوءاً هو عدم موثوقية قنوات اليوتيوب والقائمين عليها، وما إذا كانوا يتقنون مهمة الإعلام بمهنية، أو يحافظون على الحيادية وعدم الانجرار وراء الشعبوية التي يمارسها السياسيون، وبالتالي لا يمكن ضمان التلاعب والتضليل الذي يمكن أن يمارسوه في محتويات فيديوهاتهم، مثل الاقتطاع الذي لا يعكس الحقيقة، وعرض الآراء المتناغمة مع توجهات أصحاب القناة السياسية والإيديولوجية فقط.

"اعتزل ما يؤذيك"

وأوضح الطبيب النفسي ورئيس المجلس الإداري للجمعية السورية للصحة النفسية (سمح) المقيم في إسطنبول ملهم الحراكي أن "طريقة تفاعل المشاهدين مع محتويات السوشيال ميديا المماثلة، تختلف من شخص لآخر بحسب طريقة تفسيره للمواقف، حيث يعمل البعض على إسقاط الموقف على نفسه وتخيّل أنه يتعرض للموقف ذاته شخصياً، وهؤلاء ربما مصابون بفرط التفكير والقلق والوسواسية وبالتالي تضخيم الحدث". وينصح الحراكي أولئك الذين يتفاعلون مع المحتوى المزعج بالتوقف، والتعرف على مواطنين أتراك لا ينظرون للأجانب بالكراهية.

وأشار الحراكي إلى أنه يتابع عدداً من الحالات لسوريين من هذه الفئة، ويعاني هؤلاء من اضطراب في النوم وأرق وقلق شديد، لافتاً أن بعضهم حاصلون على الجنسية التركية، وهو ما يفترض أن يمنحهم مزيداً من الاستقرار ويخفف عنهم القلق.

أما القسم الآخر الذين يتابعون المحتوى للحصول على معلومات وفهم أوسع للمجتمع، كالباحثين والصحفيين والمختصين الاجتماعيين، فهؤلاء بحسب الحراكي يتسمون بالعقلانية ويتعاملون مع الحدث دون تضخيم ومبالغة، فلا مانع من متابعة عملهم ما لم يتسبب لهم بقلق.

حالة مريم مثال مطابق للنوع الأول الذي يعاني من القلق المفرط، كما وصفت حالتها في حديثها لموقع تلفزيون سوريا.

وقالت السيدة السورية الحاصلة على الجنسية التركية والمقيمة في مدينة إسطنبول إنها لا تتابع أي منصة من منصات ميكروفونات الشارع، لكن محتوياتها تظهر لها بشكل متكرر وهي تتصفح موقع فيسبوك. ولم تقتصر مريم على مشاهدة الفيديوهات، بل راحت تقرأ التعليقات وتزور صفحات المعلقين لإيجاد أسباب وراء حديثهم وتعليقاتهم السلبية والهجومية ضد السوريين.

 

 

وأضافت مريم وهي أم لثلاثة أطفال: "عندما أخرج من المنزل أوصي أولادي أن يتحدثوا باللغة التركية فقط، وأنا منذ سنوات أحاول إخفاء هويتي السورية والتشبه بالسيدات التركيات، في طريقة لباسهن على الأقل، خوفاً من أن أكون ضحية للعنصرية".

حيث فسّرت بيان خانجي مشرفة قسم الديجيتال في تلفزيون سوريا، ظهور محتويات ميكروفونات الشارع لمريم بأن خوارزمية فيسبوك صنّفت مريم على أنها مهتمة بهذا النوع من المحتوى لأنها تابعت في المرات الأولى هذه الفيديوهات أو تفاعلت معها بإعجاب أو تعليق وأمضت وقتاً طويلاً في مشاهدتها.

وأشارت خانجي إلى جزء مهم من عملية إظهار المحتوى المشابه على منصات السوشيال ميديا وتحديداً فيسبوك، وهو عملية الترويج والإعلانات المدفوعة، حيث يضع صاحب المحتوى الممول معايير محددة للمستهدَفين، وبالتالي سيظهر هذا المحتوى المموّل على التأكيد لمن تنطبق عليهم هذه المعايير.

أحمد كنجو.. قصة نجاح في الحوار والتفاعل الإيجابي

في استطلاع رأي أجرته إحدى القنوات التركية في إسطنبول، كان النقاش مطروحاً حول الاقتصاد والانتخابات المقبلة في تركيا، لكن مواطنين أتراكاً حرّفوا الموضوع للحديث عن وجود اللاجئين السوريين في تركيا، ما استدعى الشاب السوري أحمد كنجو (17 عاماً) للتدخل بهدف توضيح المعلومات المغلوطة المتناقلة على ألسنة الكثيرين، وهذا ما جعل كنجو أيقونة التف حولها سوريون وأتراك رافضون لخطاب الكراهية والعنصرية.

 

 

ويؤكد أحمد كنجو في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أنه ما كان ليتدخل في الحوار المحتدم لولا تمكنه من اللغة التركية واطلاعه الجيد على المعلومات الصحيحة عن واقع السوريين في تركيا، ومعرفته المسبقة بالمعلومات المغلوطة المتكررة في مثل هذه اللقاءات في الشارع، وتميز شخصيته بالصبر والهدوء، ولهذا ينصح كنجو السوريين بعدم الدخول في مثل هذه الجدالات في حال لم تتوافر لديهم هذه الشروط.

الجدير بالذكر أن عشرة أيام مضت على كنجو بين تسجيل الحلقة وانطلاق حملة تعاطف واسعة معه حملت عنوان "أنا إنسان" تحت وسم (BenBirİnsanım#)، وفي رده على سؤال ماهية شعوره في تلك الفترة قال إنها كانت فترة قاسية، لكن هدفه من دخول النقاش بمد جسور المعرفة والتواصل بين السوريين والأتراك ونجاحه في هدفه خفف عنه قساوة الشعور، فأحمد واجه في الحلقة المصورة رجالاً ونساء وشباناً ألقوا عليه دفعة كبيرة من المعلومات المغلوطة والاتهامات الجائرة بحق السوريين، مع إيحاءات ونبرة صوت مستفزة من البعض.

 

 

قواعد التواصل

وأوضح المدرب وخبير التواصل هيثم الغرسي أن من عوائق الاتصال والحوار، تصنيف أفراد المجتمع أو القولبة النمطية، ووجود خلفيات وأفكار متعددة لدى المستقبلين قد تؤدي إلى إدراكات متناقضة.

وشدد الغرسي في حديثه مع موقع تلفزيون سوريا على ضرورة المعرفة العلمية في الموضوع الذي يدور حوله الحوار، موضحاً أن من بين معوقات الاتصال: اللغة والمهارة اللغوية والانحياز والأحكام المسبقة وزيادة أو قلة الاهتمام والمقاطعة.

ومن بين السمات الشخصية التي يمتاز بها المتحدث الجيد، بحسب الغرسي: الموضوعية والصدق والوضوح والدقة والاتزان الانفعالي والمظهر.

 

 

من منظور قانوني

أوضحت المحامية التركية سميحة يننجي شاكماك أن "الجريمة لا تقتصر على الفعل الجسدي، وأن دولة القانون التي تحمي الحقوق الشخصية يكون هدف القضاء فيها ضبط حرية التعبير بحيث لا تعتدي على حرية الآخرين".

وأشارت المحامية في حديثها لموقع تلفزيون سوريا إلى أن قانون العقوبات التركي يحتوي على عدد من المواد في هذا السياق، حيث تتانول المادة 125 من قانون العقوبات التركي رقم 5237 جريمة الإهانة، وتتناول المادة 122 جريمة الكراهية والتمييز، وتتناول المادة 106 جريمة التهديد.

وتتناول المادة 10 من دستور جمهورية تركيا مبدأ المساواة. بالإضافة إلى ذلك، يُحظر خطاب الكراهية من خلال التأكيد على مبدأ المساواة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان والعديد من الاتفاقيات الدولية.

أما العقوبات، فتتراوح بين فرض غرامات والسجن، ويمكن رفع دعوى قضائية وطلب تعويض عن الضرر المادي والمعنوي.

وبحسب دراسة لغوزدي تورك رئيسة قسم الإعلام الجديد في جامعة "بيي كنت"، تعد المادة 216 والمادة 122 من قانون العقوبات التركي من بين المواد التي يتم تنظيمها فيما يتعلق بتقييد حرية التعبير في سياق خطاب الكراهية.

وفي الدراسة التي حملت عنوان "خطاب الكراهية ضد اللاجئين السوريين في الإعلام الجديد"، قدّمت غوزدي تورك توصياتها حيث يجب أن يؤخذ خطاب الكراهية على محمل الجد ويجب أن يتم قمعه واتخاذ التدابير بينما لا يزال عند مستوى الموقف والسلوك والخطاب، وزيادة وعي المجتمع ومحو الأمية الإعلامية لمستخدمي الإنترنت، كما أوصت بإنشاء خطابات جديدة وإيجابية ضد الكلام الذي يحض على الكراهية.

وتشجّع تورك المستخدمين في توصياتها على الإبلاغ عن مقاطع الفيديو التي تحتوي على كلام يحض على الكراهية، وتوعية مستخدمي الإنترنت بخطاب الكراهية وجرائم الكراهية وإنشاء آلية للشكوى في المنصات الإعلام الجديد.

ويؤكد يوتيوب في دليل سياسة النشر أنه لا يُسمَح بنشر الكلام الذي يحضّ على الكراهية، وأنه يزيل المحتوى الذي يروّج للعنف أو الكراهية ضد الأفراد أو الجماعات استنادًا إلى عدد من السمات من بينها الجنسية والعرق وحالة الهجرة وضحايا عمل عنف ضخم وأقاربهم.

وأشارت خبيرة السوشيال ميديا بيان خانجي إلى أن عملية التبليغ على فيسبوك عملية معقدة، وأن التبليغ الجماعي في فيسبوك هو أفضل الحلول، لكن يجب تقديم أسباب واضحة ودقيقة ومتطابقة في التبليغ الجماعي، أما يوتيوب فيتجاوب بشكل أسرع وأقل تعقيداً مع عمليات التبليغ.

 

 

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من "JHR" صحفيون من أجل حقوق الإنسان