ميزان القوى الدولية على الأراضي السورية

2022.06.06 | 07:00 دمشق

dwryt-amrykyt-ttrd-akhry-rwsyt.jpg
+A
حجم الخط
-A

رغم أن تدخل ميليشيا الحرس الثوري الإيراني وفصيلها اللبناني (حزب الله)، قد سبق السيطرة الروسية على سوريا، فإن التدخل الروسي هو ما حوّل الأراضي السورية إلى ساحة وعقدة للتوازنات الدولية، بصورة ظاهرة.

وبغض النظر عما إذا كان التدخل الأميركي (اللاحق) في سوريا، قد جاء بدفع إسرائيلي مباشر أم لا، فإن تدخل روسيا والولايات المتحدة قد أخرج الوضع السوري (الذي أعقب ثورة الشعب السوري على نظام بشار الأسد القمعي) من دائرة النزاع الداخلي إلى ساحة التوازنات الدولية في منطقة الشرق الأوسط.

فاستنجاد بشار الأسد بميليشيا الحرس الثوري وفصائله الطائفية، العراقية واللبنانية، ورغم خطورة هذه الميليشيات، أبقى ميزان الصراع محلياً – إقليمياً (نسبياً) وتحت سيطرة ثورة الشعب السوري، وهذا ما دفع بشار الأسد للاستنجاد بروسيا لتتدخل بقوتها العسكرية من أجل أن تحميه وتبقي له على ما تبقى في حوزته من الأراضي السورية، وهو التدخل الذي فتح شهية الولايات المتحدة للتدخل وتحويل سوريا وثورة شعبها إلى أحد مواقع التوازنات الدولية وحساباتها السياسية والأمنية.

تدخل الولايات المتحدة المتأخر في سوريا، والذي أجبرها تدخل روسيا عليه، كان وفق حسابات أنها كانت تريد أن تبقي الثورة السورية كصراع داخلي (يبدو في صورة أنه صراع سوري – سوري)، تحت هيمنة القوة الإيرانية، وهو السلوك ذاته الذي تنتهجه في العراق، والذي هدفه (وهو ما يحدث في العراق تماماً) أن يقتتل السوريون فيما بينهم حدَّ الإنهاك وإحالة سوريا إلى ركام وبلد فاشل وخارج عجلة التاريخ، سواء باتفاق مع إيران أو بسكوت عن تدخلها، وخاصة أن التدخل الإيراني يفرغ الثورة السورية من محتواها وهدفها التحرري ويحيلها إلى مجرد صراع طائفي – مذهبي بين قطبين متناحرين على الهوية الدينية أو المذهبية، وهذا ما يحرم ثورة الشعب السوري من تدخل ودعم الأمم المتحدة ومجلس الأمن وواجبهما في حمايته وحماية حقوقه الإنسانية والمدنية.

التدخل الروسي، وهو يرقى إلى درجة احتلال تام المواصفات، حول سوريا إلى موقع توازن دولي وهو ما أجبر الولايات المتحدة على التدخل في سوريا

الولايات المتحدة كقطب عالمي أوحد وكمهيمن على ميزان القوى الدولية والأمم المتحدة، كان بمقدورها التدخل وحشد الطاقات والدعم الدوليين، بل وحتى التدخل العسكري، لحماية الشعب السوري من جلاده، ولكن لا مصلحة لها ولا لإسرائيل في ذلك. لذا فإنها لم تسكت على بطش ووحشية بشار الأسد وهو يشن حرب إبادة ضد الشعب السوري، بل سكتت على التدخل الإيراني وميليشياته، ما دام هو لا يتخذ شكل الحرب الرسمية المعلنة ويخدم إسرائيل في تفتيت سوريا وتقطيعها إلى أوصال ويقتل شعبها.

إذاً التدخل الروسي، وهو يرقى إلى درجة احتلال تام المواصفات، حول سوريا إلى موقع توازن دولي وهو ما أجبر الولايات المتحدة على التدخل في سوريا، رغم أنه ما زال يبدو تدخلاً عشوائياً وغير واضح الأهداف، بل وليس له دور في لعبة التوازن على الأرض وميزان قواها، لا مع الوجود الروسي ولا مع رأس النظام وقواته، وكأنها تقول: نحن هنا لأن روسيا تحتل جزءاً من هذا المكان الحيوي المجاور لإسرائيل، أما ما يجري على الأرض من حرب إبادة يمارسها بشار وحلفاؤه الروس والإيرانيون ضد الشعب السوري فلا شأن لنا بها، بل ولتستمر حتى سقوط آخر حجر ومقتل آخر مواطن سوري.

إذن التدخل الأميركي في سوريا ليس الغاية منه سوى إيجاد توازن قوى دولي مع روسيا في هذه البقعة المهمة والمجاورة لإسرائيل، من المشرق العربي. أما الوجود الإيراني وميليشياته وما يمارس من أعمال القتل والتغيير الديمغرافي ضد سوريا وشعبها، فهذا لا يعني أميركا ولا روسيا، بل ويصب في مصلحتهما أيضاً، من حيث كونه يمنحهما المبرر لبقاء قواتهما العسكرية على الأراضي السورية على الأقل.

اقتسام الأراضي السورية القائم الآن بين القوات العسكرية الروسية والأميركية ليس سوى عملية توازن بينهما كقطبين

وإذا كان التدخل الروسي سابقاً لكل هذه الحسابات وتوازناتها، وكان نفعياً في مبتداه، فإن التدخل الأميركي وزجه لقوات مسلحة في شرق الفرات السوري، حول هذا التدخل إلى لعبة توازنات أممية، بين روسيا والولايات المتحدة وحليفاتها الأوروبية في حلف الناتو، وهذا ما دفع روسيا إلى الإمعان في نصرة بشار الأسد، بشنها لحربها الخاصة ضد الشعب السوري، لأن بقاء الأسد في السلطة يمنح وجودها ما تحتاج من شرعية، ولو كانت صورية ولذرّ الرماد في العيون، رغم أن الولايات المتحدة، كقطب يمثل لعبة التوازن الدولية، لم تعترض ولم تحاججها على احتلالها للوسط والساحل السوريين. وهذا ما يعني في المحصلة النهائية أن اقتسام الأراضي السورية القائم الآن بين القوات العسكرية الروسية والأميركية ليس سوى عملية توازن بينهما كقطبين، وإن ما يعانيه الشعب السوري من قتل وتهجير وتهديم لمدنه وتغيير ديمغرافي لهويات مناطقه، على أيدي إيران وميليشياتها، فهو شأن آخر لا يدخل ضمن حسابات القوتين، بل ويخدمهما تماماً، لأن نتائجه وأخطاره يدفعها الشعب السوري وحده، من تفتيت وحدة أراضيه ونسيجه الاجتماعي وأرواح أبنائه وثرواته المنهوبة، من قبل تلك القوات ورأس النظام القابع خلف حماية الدبابات الروسية وبنادق الميليشيات الإيرانية.