تطرقت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في كتاب مذكراتها إلى العلاقات مع تركيا وكواليس اتفاق اللاجئين.
وتحدثت ميركل في كتابها "الحرية"، بإيجابية عن اتفاق اللاجئين الذي أبرم بين الاتحاد الأوروبي وتركيا في عام 2016 وعن رئيس الوزراء التركي آنذاك أحمد داود أوغلو. ذلك بحسب ما نقل موقع (BBC) التركية.
وأكدت ميركل، التي استقبلت مئات الآلاف من السوريين الفارين من الحرب في ألمانيا عام 2015 وتعرضت لانتقادات داخلية شديدة بسبب ذلك، أنها لا تزال متمسكة بقرارها لدوافع إنسانية.
"كان لا بد من تأمين مستقبل للسوريين داخل تركيا"
وقالت ميركل إن تركيا استقبلت ملايين اللاجئين السوريين منذ بداية الحرب في سوريا عام 2011، لكن الدول الأوروبية لم تقدر جهود تركيا لفترة طويلة، مما دفعها إلى اتخاذ خطوات لتغيير هذا الوضع.
وأوضحت ميركل أن هدفهم كان تقليل موجات الهجرة إلى أوروبا من خلال تحسين أوضاع السوريين في تركيا، وإزالة الأسباب التي تدفعهم للهجرة إلى أوروبا.
وأضافت: "كنا كاتحاد أوروبي بحاجة إلى تقديم الدعم المالي لمشاريع محلية للاجئين في تركيا، وتحسين الخدمات الصحية لهم، وإقناع تركيا بمنحهم تصاريح عمل، وتوفير فرص تعليمية، لضمان مستقبلهم داخل تركيا".
وذكرت ميركل أنها عملت بشكل وثيق خلال مفاوضات اتفاق اللاجئين مع رئيس الوزراء آنذاك أحمد داود أوغلو أكثر من أردوغان.
وأثارت إشادة ميركل بداوود أوغلو في كتابها اهتماماً لافتاً، حيث وصفته بأنه "سياسي عالمي واسع المعرفة، ذو خلفية تاريخية عميقة، يتحدث الإنجليزية بطلاقة وبعض الألمانية، وكان يشغل منصب وزير الخارجية قبل توليه رئاسة الوزراء عام 2014".
كيف ردت على انتقادات "العرش الذهبي"؟
تطرقت ميركل إلى الاتهامات التي وُجهت إليها خلال مفاوضات اتفاق اللاجئين، حيث اتهمتها المعارضة ووسائل الإعلام بالخضوع لضغوط أردوغان السياسية.
وأكدت أن التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتركيا ساهم في السيطرة على الهجرة غير النظامية، ومنع وقوع العديد من الوفيات في بحر إيجة.
وتناولت ميركل أيضاً زيارتها إلى إسطنبول في 18 تشرين الأول 2015، التي أثارت جدلاً واسعاً. وقالت إنها تعرضت لانتقادات بسبب جلوسها بجانب أردوغان على "عرشين ذهبيين"، لكنها علقت: "في تلك اللحظة فكرت فقط: هذا رائع! ولكنني كنت مركزة على مضمون الاجتماع وما أردت تحقيقه، وليس على ما كان يدور حولي".
ورفضت ميركل الانتقادات التي وُجهت لها بسبب توقيت زيارتها، الذي كان قبل أسبوعين من الانتخابات التركية، حيث اتُهمت بدعم حزب العدالة والتنمية. وأوضحت أن هذه الانتقادات كانت "غير شريفة، وفي بعض الأحيان مخادعة".
واختتمت ميركل ردها على الانتقادات بقولها: "النظر إلى الخريطة والواقع في بحر إيجة كان كافياً لفهم أننا لن نستطيع إدارة التطورات إلا بالتعاون مع تركيا. كل ما عدا ذلك كان وهماً، وأنا لم أستسلم للوهم".
عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي
وأكدت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في مذكراتها معارضتها لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، لكنها أوضحت أنها لم تتخذ خطوات لإلغاء العملية بسبب الالتزامات السابقة.
وأشارت ميركل إلى مبدأ "الوفاء بالعهد" (pacta sunt servanda) وأهمية الالتزام بالاتفاقيات قائلة: "رغم أن الالتزام بالاتفاقيات لا يسهل الأمور دائماً في السياسة، إلا أنه أثبت أهميته. عايشت هذا عندما تسلمت قرار سلفي بدعم بدء مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد الأوروبي عام 2005. لكنني كنت دائماً أرى أن هذا كان خطأً".
وبدأ الاتحاد الأوروبي مفاوضات العضوية الكاملة مع تركيا في 3 تشرين الأول 2005، بعد 15 يوماً فقط من تولي ميركل السلطة. وخلافاً لتحالف الاشتراكيين والخضر الذي حكم ألمانيا قبلها (1998-2005)، صرحت ميركل بأنها لا تدعم انضمام تركيا، مفضلة ما أسمته "شراكة متميزة".
لقاءات متوترة مع بوتين
كشفت ميركل في مذكراتها عن تفاصيل مثيرة حول لقاءاتها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
وأوضحت أنها تخاف من الكلاب منذ تعرضها لعضة كلب عام 1995، وأن الدبلوماسيين الألمان أبلغوا نظرائهم الروس قبل لقائها مع بوتين عام 2006، طالبين منه عدم إحضار كلبه.
إلا أن ميركل ذكرت أن بوتين استغل ذلك خلال اللقاء. ففي أول اجتماع لهما في موسكو، أهدى بوتين لميركل كلباً محشواً وقال لها بابتسامة ساخرة: "هذا لا يعض".
وفي لقاء آخر عام 2007 في سوتشي، أحضر بوتين كلبه "كوني" عن قصد إلى الاجتماع، مما وضع ميركل في موقف صعب أمام الكاميرات.
وعلّقت ميركل على تلك اللحظات بقولها: "بينما كنا جالسين أمام المصورين، حاولت تجاهل الكلب الذي بدأ يتحرك بالقرب مني. لاحظت من تعابير وجه بوتين أنه كان مستمتعاً بالموقف. هل كان يحاول معرفة كيف سأتفاعل تحت الضغط؟ أم أنها كانت مجرد استعراض بسيط للقوة؟".
ميركل: "التزمي الهدوء.. هذا الموقف سيمر"
ذكرت المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في مذكراتها تفاصيل تعاملها مع مواقف غير مريحة، ومنها لقاؤها مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما أحضر كلبه عن قصد. علقت ميركل على تلك اللحظة قائلة:
"قلت لنفسي: التزمي الهدوء، ركزي على المصورين، هذا الموقف سيمر. وعندما انتهى الجزء الخاص بالتصوير، لم أفتح الموضوع مع بوتين. وكما أفعل غالباً في حياتي، اتبعت قاعدة الأرستقراطية الإنجليزية: لا تبرير، لا شكوى".
ما اقتراح بوتين لتركيا؟
روت ميركل في مذكراتها عن اقتراح غير عادي قدمه بوتين خلال قمة مجموعة الثماني في حزيران 2007، حيث أثار موضوع خطط الدرع الصاروخي الأمريكي واعتراضاته عليها.
قالت ميركل: "اقترح بوتين أن يتخلى الأمريكيون عن خطط نشر نظام الدفاع الصاروخي في بولندا وجمهورية التشيك، وأن يتعاونوا مع روسيا بدلاً من ذلك. كما عرض استخدام محطة رادار في أذربيجان بشكل مشترك، أو نشر الأنظمة الدفاعية في تركيا أو العراق، أو على متن سفن بحرية".
وأوضحت ميركل أن بوتين ربط اقتناعه بأن النظام الدفاعي موجه ضد "دول مارقة" في الشرق الأوسط وليس ضد روسيا بتنفيذ هذه الاقتراحات.
وعن التطورات اللاحقة، أضافت: "قال الرئيس الأمريكي آنذاك جورج بوش إنه سينظر في هذه الاقتراحات. وبعد نحو عامين، غير خليفته باراك أوباما البرنامج بأكمله، حيث أُلغي نظام الدفاع الصاروخي المخطط له في بولندا، وتم استبداله بأنظمة تُنشر في البحر، كما أُلغيت محطة الرادار المخطط لها في جمهورية التشيك".