ينتظر السوريون في نهاية كل موسم صيفي موسم التخفيضات السنوي، الذي يُعد مناسبة تسويقية هامة للمحلات التجارية وللمستهلكين على حد سواء. يهدف موسم التخفيضات المعروف محليا باسم (التصفيات) إلى تصريف المخزون القديم من الألبسة والسلع الصيفية قبيل حلول الموسم الشتوي، إلا أن فعاليتها الحقيقية تتأثر بالوضع الاقتصادي العام، وارتفاع أسعار المواد الأساسية، وتراجع القدرة الشرائية للأسر السورية.
ورغم الحملات الإعلانية الجاذبة التي تعد بتخفيض يصل أحيانا لنسبة 50 في المئة أو أكثر، إلا أن المفاجآت تبقى غير سارة، لمحدودية العروض وتركيزها على البضاعة القديمة في الغالب، بالتزامن مع زيادة أولية في الأسعار قبل الإعلان عن التخفيض.
يشكل موسم التخفيضات الصيفية مؤشرا اقتصاديا مهما، ويعكس حركة السوق ومستوى القدرة الشرائية للمستهلكين، كما يتيح للخبراء الاقتصاديين تقييم سلوك التجار ومدى التزامهم بالقوانين الناظمة للتصفية الصيفية.
ضوابط حكومية صارمة للموسم الصيفي
سابقا، أوجدت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حكومة نظام الأسد المخلوع ضوابط للتصفية الصيفية وتنزيلات الأسعار وفق القرار رقم 1135، الذي ينظم عمليات التخفيضات والتصفية على البضائع الصيفية.
وبحسب القرار، تحدد الفترة الرسمية للتصفية تمتد من تاريخ 15 تموز/يوليو حتى 15 أيلول/يوليو، لإجراء التخفيضات، ومع تجاوز هذه المدة، يتم تقديم طلب رسمي والحصول على موافقة الوزارة، على أن لا تقل نسب التخفيض عن 20 في المئة كحد أدنى، وأن يتم فرز السلع وفق نسب التخفيض المعلنة.
وتضمن القرار شروط التصفية التي تشمل حصول البائع على سجل تجاري ساري، والاحتفاظ بصورة مصدقة لا يتجاوز تاريخها ثلاثة أشهر من تاريخ التصفية، بالإضافة إلى الطلب من المحال التجارية وضع لافتة على واجهة المحل، توضح نوع التصفية والحد الأدنى للتخفيضات، إلى جانب بطاقة سعرية لكل صنف، توضح السعر الجديد بعد شطب القديم.
وأضاف القرار: يتم الإعلان عن التخفيضات عبر وسائل الإعلام أو مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات المحلات، بالتزامن مع وجود فرق الرقابة بشكل مستمر ومقارنة الصكوك السعرية ببيانات الكلفة قبل وفي أثناء التصفية، والتحذير من أن المخالفات ستعرض المحل لإجراءات قانونية تصل إلى الإغلاق.
بين الترقب والشك
تتنافس المحلات لجذب الزبائن بعروض مغرية على الألبسة الصيفية والسلع المتنوعة، وسط ترقب من المواطن السوري لهذا الموسم على أمل الحصول على منتجات بأسعار أقل.
يرى محمود المصري (45 عاما) أحد أصحاب المحال التجارية في سوق الصالحية بدمشق أن المستهلك لا يزال حائرا أمام العروض التسويقية من قبل المحال التجارية، مرجعا الأمر لصعوبة التوفيق بين الأساسيات والكماليات في ظل ارتفاع الأسعار المستمر، خاصة في المواد التموينية، وتفصيل لقمة العيش على الكماليات.
ويستدرك المصري شارحا في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أهمية العروض المطروحة بقوله: "نبرر مخاوف المواطن، وبالمقابل نجد بأن شريحة لا بأس منها من السوريين تنتظر موسم التخفيضات بفارغ الصبر لعدم قدرتها على شراء الملابس في بداية الموسم الصيفي".
يشاطر علي عبد العال (60 عاما) صاحب محل ألبسة في سوق الصالحية الرأي لمحمود، مبينا في حديثه لموقع تلفزيون سوريا أن المواطن بات يبحث عن الأرخص والأكثر جودة، ما جعل من سوق البالة منافسا قويا للأسواق المحلية في جميع المواسم الصيفية والشتوية.
وفي رصد لأسعار الألبسة الصيفية في أسواق دمشق - صيف 2025، سجلت الملابس الرجالية والنسائية تفاوتا ملحوظا بالسعر حسب الجودة والماركة مثل: بنطال جينز الذي يتراوح سعره بين 125 ألف ليرة سورية ( ما يعادل قيمة 11 دولار أميركي) 400 ألف ليرة (ما يعادل قيمة 40 دولار أميركي) سورية.
أما القميص القطني والبلوزات الخفيفة سجلت ما بين 150ألف ليرة 300 ألف ليرة ليرة، في حين سجل سعر جاكيت متوسط الجودة بين 350 ألف 800 ألف ليرة.
أسواق دمشق.. أسعار مرتفعة وتخفيضات محدودة
رغم الحملات الإعلانية التي تعد باحداث انخفاضات قد تصل إلى 50 في المئة، يجد كثير من المستهلكين أن الفروقات في الأسعار ضئيلة مقارنة بالعام الماضي.
تجد المعلمة وربة المنزل سعاد الحموي (45 عاما) من دمشق أن ارتفاع الاسعار يحد من فعالية التخفيضات، ما يجعلها غالبا بعيدة عن متناول الأسر ذات الدخل المحدود.
وتضيف سعاد في حديثها مع موقع تلفزيون سوريا: "لا تزال الأسر السورية تواجه موجة الغلاء الأخيرة التي لحقت المواد الاساسية، عدا عن تزامن تخفيضات الألبسة مع موسم المؤونة وقدوم المدارس، الذي بدوره يحدد الأولويات ويرجح كفة الطعام واللباس المدرسي على حساب الألبسة العادية".
بالمقابل، تصف الطالبة الجامعية سهير ديوب (22 عاما) في أثناء تجوالها في سوق الصالحية العروض بالوهمية، وخارج نطاق أي تخفيض يحتسب للمحلات، وبـأنها وسيلة لتصريف البضائع القديمة أو غير المرغوبة، ما يجعل كثيراً من الزبائن حذرين في اختيار المحلات، بالاستناد الى تجارب سابقة والثقة القائمة بمدى الواقعية في العروض المقدمة من قبل المحل ذاته كل عام.
المنافسة بين المنتج السوري والمستورد
يعد الاستيراد من أبرز العوامل التي تؤثر على موسم التخفيضات في سوريا، بهذه العبارة افتتح محمود الخياط وهو تاجر جملة من دمشق حديثه لموقع تلفزيون سوريا، مبينا أن الواردات الأجنبية غالبا ما تتميز بجودة عالية وتصاميم عصرية، ما يجعلها منافسا قويا للمنتج المحلي، خاصة في سوق الألبسة الصيفية.
ويضيف الخياط: "هذا الأمر، دفع العديد من المستهلكين إلى المقارنة بين المنتج المحلي والمستورد، ما شكل ضغطا على التجار المحليين لتحسين الجودة أو خفض الأسعار ضمن التخفيضات".
وعن حال المنتجات المستوردة، يقول التاجر الدمشقي: "عادة ما تكون أغلى ثمنا، بسبب تكاليف الشحن والضرائب ورسوم الاستيراد، وهو ما ينعكس على أسعار التخفيضات في المحال التجارية، كما أن التجار الذين يعتمدون على المنتج المستورد يجدون صعوبة في تقديم تخفيضات كبيرة من دون التأثير على أرباحهم، وبالتالي تقل نسبة الفائدة الحقيقية للمستهلك".
انتعاش مؤقت أم روتين سنوي؟
اعتبر الخبير الاقتصادي وأمين سر جمعية حماية المستهلك المهندس عبد الرزاق حبزة في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، أن موسم التخفيضات الصيفية الحالي لا يعكس بالضرورة قدرة المواطن الشرائية ولا يسهم في تحريك رأس المال بشكل فعال، مشيرا إلى أن التجار كان يفترض بهم تخفيض الأسعار تلقائيا في ظل انخفاض سعر الصرف بنسبة 30 في المئة، نتيجة للركود وانخفاض القدرة الشرائية للمواطن.
وأضاف حبزة شارحا التحديات الكبيرة التي تواجه المنتج المحلي في منافسته للمنتجات الأجنبية: "تتميز معظم هذه المنتجات بالنوعية العالية والجودة، ما يفرض علينا تحسين نوعية الإنتاج والأقمشة والصباغ بشكل جذري، كما أن ذلك شرط أساسي لجعل السوق المحلية قادرة على المنافسة".
وأوضح الخبير الاقتصادي أن المواطن بات يقارن بين المنتجات المحلية والأجنبية خلال الأشهر الماضية، ما يجعل جودة المنتج المحلي عاملا حاسما قبل النظر إلى السعر، مشيرا إلى أن الإقبال على موسم التخفيضات لن يكون كبيرا، لعدم وجود مواسم شراء كما في السابق، وتزامن طرح التخفيضات مع موسم المؤونة وقدوم المدارس ووجود البالة كبديل قوي في السوق المحلية.
ولفت أمين سر الجمعية إلى أن "توقيت التخفيضات الحالي وأسعارها غير متناسبة مع الجودة، ما يدفع المواطن إلى التفكير مليا قبل الشراء، وبأن حركة البيع والشراء تبقى ضعيفة في بداية التحضير للشتاء، مع انشغال المواطنين بمواضيع التدفئة، وبأن التنزيلات تبقى "أفضل مما لا شيء".
واختتم حبزة حديثه بدعوة التجار والصناعيين إلى تخفيض الأرباح وتحسين الجودة لضمان استمرار العملية الإنتاجية، منوها إلى أن الدعم الحكومي، ومنع استيراد البالة، والإجراءات لحماية المنتج الوطني، ساعدت في إبقاء المنتجين ضمن العملية الإنتاجية، وإلا كانوا خارجها بالكامل.
الأسواق السورية.. تأثير محدود للتخفيضات وسيناريو مكرر
رغم الحملات الإعلانية للتخفيضات الصيفية، يبقى تأثيرها محدودا على القدرة الشرائية للمواطنين بسبب ارتفاع الأسعار وانشغال الأسر بتلبية الاحتياجات الأساسية.
ويشير الخبراء إلى أن تحسين جودة المنتجات المحلية وخفض الأرباح بشكل معقول هما المفتاح لنجاح الموسم وجذب المستهلكين.
وفي النهاية، يظل موسم التخفيضات فرصة للمواطن لتجديد بعض احتياجاته، لكنه يعكس أيضا التحديات الاقتصادية الكبيرة للسوق السورية، ويؤكد أن السعر وحده لا يكفي من دون جودة ومصداقية حقيقية.







