موسكو – طهران: نار تحت رماد الشراكة السورية

2018.06.12 | 01:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

المشهد السوري في تغير مستمر منذ عدة سنوات، إلا أنه في الأشهر القليلة الأخيرة الماضية تراجعت إلى حد ما سرعة تغير المشهد العسكري، ترافق ذلك مع هدوء نسبي و انخفاض في وتيرة الأعمال العسكرية.

يمكن اعتبار الهدوء النسبي في إدلب مرحلياً و مؤقتاً، فالظروف المحيطة بها عسكريا،وسياسيا، والمشهد الذي يرسم داخل تلك المدينة، هو الذي يكشف إلى حد كبير ما ينتظرها من مصير لا مفر منه .

لكن الشيء الأبرز اليوم،المحادثات الروسية الإسرائيلية،وطلب الأخيرة إبعاد الميليشيات الإيرانية و الموالية لها عن الحدود السورية، وقبل أيام صرح وزير الخارجية الروسي بأن "الجيش السوري فقط ينبغي أن يحمي جنوب البلاد"،وكأنه يقول لإيران التي وقف معها إلى جانب النظام طوال سنوات، أن تغادر الجنوب، وفي أعقاب ذلك مباشرة، وردت أنباء عن اتفاق بين إسرائيل وروسيا، تنسحب بموجبه إيران من جنوب سورية، ويسيطر النظام على المنطقة.

سبق و ذكرت تقارير إعلامية إسرائيلية ، أن "إسرائيل" وافقت على نشر قوات النظام السوري عند المنطقة الحدودية جنوب سورية حال سحب الميليشيات الإيرانية منها.

وأكد سفير "إسرائيل" لدى موسكو، هاري كورين، في حديث لوكالة "تاس"، أن "اسرائيل" راضية من موقف روسيا إزاء الوجود العسكري الإيراني على الحدود الإسرائيلية السورية.وأشار كورين إلى أن "إسرائيل" وروسيا تخوضان مباحثات مكثفة حول هذه القضية، فيما شدد على أن وجود القوات الإيرانية في المنطقة "يستهدف إسرائيل".

يعتقد كثيرون أن العلاقة بين روسيا وإيران قد ترتقي إلى ما يمكن تسميته تحالفاً،لكن، بالتحليل المفصل، يظهر أن ذلك ليس دقيقاً،فروسيا تعتبر نفسها قوة عظمى في العالم، بينما تعتبر إيران نفسها قوة إقليمية، ويحاول كل من روسيا وإيران إخفاء خلافاتهما في ملفاتٍ كثيرة قدر الإمكان، إلا أن بعضها يطفو على السطح بين حين وآخر.

وبدر أول إنذار جدي من الجانب الإيراني، عندما قررت السلطات الإيرانية رفع دعوى قضائية في محكمة التحكيم الدولية ضد روسيا، متهمة موسكو برفض تزويد إيران بأنظمة صواريخ مضادة للطائرات (أس - 300)، ونشر منذ فترة طويلة هذا الموضوع في وسائل الإعلام الروسية، حيث أعرب الجانب الروسي حينها عن استيائه من الخطوة الإيرانية «غير الودية»، وتم حل المشكلة لاحقاً بعد رفع العقوبات عن إيران.

يعتقد كثيرون أن العلاقة بين روسيا وإيران قد ترتقي إلى ما يمكن تسميته تحالفاً،لكن، بالتحليل المفصل، يظهر أن ذلك ليس دقيقاً

وبدأت جولة جديدة من المواجهة مع إيران في أيلول (سبتمبر) 2015، عندما قررت روسيا البدء بعملية عسكرية في سورية، لدعم النظام هناك، فعلى رغم أن الأسد حليف لإيران أيضاً، لكن وجهات النظر في موسكو وفي طهران مختلفة حول ترتيبات ما بعد الحرب في سورية،كما أن التدخل العسكري الروسي المباشر في سورية،جعل إيران تنتقل إلى موقع خلفي.

وخلافاً لتوقعات الجانب الروسي، لم تشترِ إيران بعد رفع العقوبات عنها، الطائرات الروسية، وفضلت طائرات آرباص الأوروبية، (بصفقة وصلت قيمتها إلى 25 بليون دولار)، ويماطل الجانب الإيراني ويعيق تنفيذ مشاريع المحطة الكهرومائية في بندر عباس، ومحطة كهرباء السكك الحديد في غرمسار، والتي تتم في إطار مشاريع مشتركة مع روسيا.

كما أن رغبة إيران في تحقيق زيادة كبيرة في صادرات النفط، بعد رفع العقوبات، كان لها تأثير سلبي في روسيا، وفي الواقع، تصب هذه الخطوة من إيران في مصلحة الولايات المتحدة، وتجد روسيا نفسها مضطرة للتماشي مع حليفتها، بسبب طبيعة التطورات الإقليمية والدولية، ويدفع ثمن تنازل موسكو الروبل الروسي الذي يتراجع في شكل حاد أمام الدولار الأميركي.

وتلقت روسيا طعنة بالظهر قبل قرابة عامين، خلال زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى تركيا، وإعلانه هناك أن إيران مستعدة لتصبح الضامن لأمن الطاقة في تركيا، ويعتقد خبراء كثيرون أن هذه الكلمات كانت موجهة إلى موسكو، أكثر منها إلى أنقرة، وأن إيران مستعدة لضرب سوق كبيرة للغاز الطبيعي ومهمة جداً لحليفتها.

فمجرد عرض كهذا لأنقرة من طهران يمكن فهمه وسيلة للتباهي بأن إيران قادرة على الحلول محل الغاز الروسي في السوق التركية، ومن شأن هذا الأمر أن يحرم روسيا من التدفقات المالية الهائلة التي تحتاجها كثيراً لاسيما خلال فترة انخفاض أسعار النفط، ويفقد موسكو الأداة الوحيدة للضغط على تركيا التي تعتبر ثاني أكبر مستهلك للغاز الروسي بعد ألمانيا، ما يدفع دور روسيا في المنطقة إلى التراجع.