icon
التغطية الحية

موجات جديدة من اللاجئين السوريين تفر من المآسي التي ظهرت بعد الحرب

2021.12.23 | 05:52 دمشق

escapesyria_cut.jpg
الهروب من سوريا: قصة مصورة عن اللاجئين- المصدر: الإنترنت
إن بي آر نقلاً عن أسوشيتد برس - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

كانت قد سارت لمدة 60 ساعة في غابات بولندا الرطبة والمظلمة، في محاولة منها للوصول إلى ألمانيا، عندما التوت ركبة تلك الفتاة الكردية السورية البالغة من العمر 29 عاماً. لم تكن تلك أول نكسة تواجهها بشرى خلال هذه الرحلة، فقد أغمي على رفيقة دربها وأعز صديقة لديها بسبب الخوف الذي تملكها عند مطاردة خفر الحدود البولندي لهما، ما دفعهما للاختباء في الخنادق وخلف الأشجار، وفي تلك الأثناء كانت صديقتها تحاول أن تستعيد أنفاسها، بيد أن الأمر لم يتوقف على ذلك، ولذلك سلم الجميع نفسه، ليعيدهم حرس الحدود إلى بيلاروسيا.

غير أنهم سرعان ما عادوا من الطريق ذاته يعلوهم الشعث والبلل والقذارة، وقد ثابرت بشرى على المضي قدماً حتى بعد تعرضت ركبتها للالتواء، حيث أخذت تجر قدمها اليمنى خلفها تحت المطر وفي ظل درجات حرارة أقرب للتجمد في تلك الغابات على مدار يومين. وأخيراً وصل الجميع إلى قرية بولندية حيث نقلتهم سيارة عبر الحدود إلى ألمانيا، لتنتقل بشرى بذلك إلى حياة ستنعم فيها بالحرية.

تتحدث بشرى من مركز مدينة غيسين الألمانية حيث قدمت طلب لجوء فتقول: "لقد تحملت آلاماً لا تطاق، لأن الهرب من شيء هو أسهل سبيل في بعض الأحيان، إذ لم يعد لنا أي مستقبل في سوريا".

المهاجر السوري الجديد

تمثل بشرى التي طلبت عدم ذكر اسم عائلتها لدواع أمنية، وجهاً جديداً للاجئ السوري، بعدما زاد عدد السوريين الذين يرحلون عن بلدهم، حتى بعدما تم تجميد خطوط النزاع في سوريا منذ سنوات.

لا يهرب هؤلاء من أهوال الحرب التي دفعت الآلاف المؤلفة غيرهم للمضي إلى أوروبا في أكبر موجة لجوء خلال عام 2015، بل إنهم يهربون من ويلات ما بعد الحرب ومآسيها، فقد فقدوا الأمل في بناء مستقبل لهم في بلادهم وسط الفقر المدقع الذي يعتريها والفساد المتفشي فيها، وبنيتها التحتية المدمرة، بالإضافة إلى استمرار الأعمال العدائية، وقمع الدولة والهجمات التي تشنها العديد من الجماعات المسلحة بدافع الانتقام.

يتجاوز عدد السوريين الذين قدموا طلبات لجوء في الاتحاد الأوروبي حتى هذا العام 78 ألف شخص، وذلك بحسب ما ورد في سجلات الاتحاد الأوروبي، حيث تمثل الجنسية السورية بعد الأفغانية أكثر جنسية يحملها طالبو اللجوء الذين وصل عددهم خلال هذا العام فقط لنحو 500 ألف شخص، وذلك لأن تسعة من بين كل عشر أشخاص يعيشون في فقر في سوريا، ونحو 13 مليون نسمة أصبحوا بحاجة لمساعدات إنسانية، أي بزيادة بنسبة 20% عما كان العدد عليه خلال السنة الماضية، ولم تعد الدولة قادرة على تأمين الاحتياجات الأساسية، بوجود 7 ملايين نسمة مصنفين كنازحين في الداخل.

كما أن الطرقات والاتصالات والمشافي والمدارس كلها تعرضت للدمار بسبب الحرب، فضلاً عن العقوبات الاقتصادية التي زادت فجعلت من عملية إعادة الإعمار ضرباً من المستحيل

ومما زاد الأزمة الاقتصادية سوءاً تفشي جائحة فيروس كورونا، حيث انهارت العملة السورية، وأصبح الحد الأدنى للأجور بالكاد يكفي لشراء خمسة أرطال من اللحم بالشهر، هذا في حال توفر اللحم أصلاً. كما زادت الجريمة وارتفعت نسبة إنتاج المخدرات في الوقت الذي تقوم فيه ميليشيات تدعمها قوى أجنبية بإدارة عمليات التهريب وتسيطر على مدن وقرى بأكملها.

وبالرغم من أن أعداد السوريين الذين يتهافتون على الخروج من سوريا أقل من عدد من خرجوا منها في عام 2015 بكثير، إلا أن هنالك مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي مخصصة لمساعدة هؤلاء على إيجاد مخرج لهم، وفيها يسأل المستخدمون عن المكان الذي بوسعهم أن يقدموا فيه ليحصلوا على سمة دخول من أجل العمل أو الدراسة، فيما يطلب آخرون النصيحة حول أحدث طرق الهجرة، وأجور المهربين، ومدى خطورة انتحال شخصيات أخرى للخروج من سوريا أو لدخول دول أخرى.

وفي الوقت ذاته، وبسبب الأزمات الاقتصادية التي نزلت بالدول المجاورة لسوريا، أصبحت تلك الدول تطالب بترحيل اللاجئين الموجودين على أراضيها، ولهذا نجد بين المهاجرين الجدد إلى الاتحاد الأوروبي سوريين فروا من تركيا أو لبنان بعد أن أقاموا فيها كلاجئين طوال سنين.

يذكر أن بيلاروسيا فتحت حدودها مع بولندا بشكل مؤقت أمام المهاجرين خلال صيف هذا العام، مما خلق حالة صدام مع الاتحاد الأوروبي الذي يتهم الرئيس البيلاروسي ألكساندر لوكاشينكو بتنظيم الأمور للهجرة غير الشرعية انتقاماً من العقوبات الأوروبية التي فرضت عليه.

كانت بشرى من بين الآلاف التي تدبرت أمرها للوصول إلى بيلاروسيا التي فارق فيها 15 شخصاً الحياة في أثناء محاولتهم العبور في تلك الرحلة، فقد سافرت بشرى من أربيل في العراق إلى مينسك في أواخر شهر أيلول الماضي، وهنا بدأت تلك الرحلة المرعبة، إذ تروي لنا بشرى كيف عاشوا على البسكويت والماء طوال أيام وكيف نام ستة أشخاص وقوفاً فوق حصيرة جافة واحدة، وكيف كسرت صديقتها سنها وهي ترتجف برداً.

كيف أضحى شكل الحياة في سوريا؟

وبعد المحنة التي تعرضوا لها في الغابة، تعين عليهم الاختباء في خندق في إحدى المرات عندما أتت دورية للشرطة برفقة كلاب شمامة لتفتيش سيارتهم. ثم خلعت بشرى حجابها لئلا تثير الشكوك على حواجز التفتيش في أثناء ركوبها في السيارة على الطريق السريع، بعد ذلك تمكنت من الوصول إلى غيسين في 12 تشرين الأول، وتعلق على ذلك بقولها: "استغربت من نفسي كيف تحملت كل هذا".

بيد أن الأمر يستحق، ولهذا تقول: "عندما تفقد الأمل فإنك ستسلك مساراً أخطر بكثير من المسار الذي بدأت منه".

ساد الاضطراب والتوتر في حياة بشرى داخل سوريا على مدار سنين، فقد كانت في الجامعة في مدينة دير الزور شرقي البلاد عندما اندلعت الحرب في عام 2011، وعمت المظاهرات المناهضة للنظام أنحاد مدينتها، فانتقلت بسرعة إلى جامعة أخرى في أقصى شرقي البلاد، ولكن سرعان ما سيطر تنظيم الدولة على مدينتها دير الزور وكل المنطقة الشرقية في سوريا.

إلا أن بشرى وأهلها لم يخضعوا لحكم تنظيم الدولة بل عاشوا في شمال شرقي سوريا تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، غير أنهم ظلوا يعيشون في خوف من العنف، ولهذا بقيت حبيسة البيت لا تغادره إلا نادراً طوال سنتين.

وفي نهاية المطاف وجدت لنفسها عملاً لدى منظمة إغاثية دولية، ومنذ ذلك الحين وهي تدخر المال حتى تسافر، وتبحث عن طرق تحملها خارج سوريا.

لقد تعرضت المنطقة الواقعة شمال شرقي سوريا الغنية بالنفط، والتي عانت في السابق من الإهمال لسنوات طويلة، للتدمير بسبب الحرب، كما دمر الجفاف أرزاق الفلاحين، وأجهز انهيار العملة على ما تبقى من الدخل، حيث أصبح راتب والد بشرى بما أنه موظف حكومي يعادل اليوم 15 دولاراً بالشهر، بعدما كان 100 دولار عند بداية الحرب.

والأنكى من ذلك أن المنطقة لم تعد آمنة، إذ بالرغم من هزيمة تنظيم الدولة في عام 2019، ماتزال الخلايا النائمة تواصل استهداف قوات الأمن التابعة للإدارة الذاتية.

ناهيك عن حوادث الخطف، حيث سجلت ثماني حالات اختطاف خلال هذا الصيف في المدينة القريبة من مدينتها.

تعرضت بشرى للتهديد بعد فضحها لحالة فساد تورط فيها مسؤولون محليون من أصحاب النفوذ، ما جعلها تخشى على حياتها، ولهذا رفضت أن تدلي بأية تفاصيل عن الموضوع لأن أسرتها ماتزال تعيش في سوريا.

ولذلك عجلت تلك المضايقات في تخطيطها للمغادرة، حيث أقنعت والديها بذلك، بالرغم من أنهما قلقا على ابنتهما كونها امرأة عازبة تسافر بمفردها.

كما أن الانسحاب الأميركي من أفغانستان زاد من مخاوف بشرى حول احتمال انسحاب القوات الأميركية البالغ عددها 900 جندي من شمال شرقي سوريا أي من مناطق الإدارة الذاتية، وذلك لأن القوات الأميركية تنفذ عمليات لمكافحة الإرهاب بمساعدة القوات المحلية، وبقاؤها هناك يبقي الأعداء بعيدين عن تلك المنطقة.

ولكن تخشى من انسحاب تلك القوات، لأن تركيا تعتبر قوات سوريا الديمقراطية عناصر إرهابية، ولهذا من المحتمل أن تشن حملة عسكرية جديدة ضد "قسد". كما قد تتقدم القوات التابعة للنظام وهذا أكبر خطر بالنسبة لبشرى وذلك لأن النظام يعتبر كل من يتعامل مع المنظمات الإغاثية الدولية غير المسجلة في دمشق خائناً، ولهذا تقول بشرى: "إن بقيت في سوريا فسأتعرض للملاحقة من قبل الأمن طوال حياتي"، لذا فإن حصولها على لجوء وإقامة في ألمانيا هو سبيلها الوحيد إلى الحرية.

"سأمضي إلى حيث يمكنني أن أعيش"

كما أنها تحلم بدراسة العلوم السياسية لتفهم الأخبار التي قاطعتها منذ أن بدأت الحرب وذلك لئلا تشاهد مناظر القتل والدماء التي سبق لها أن عاشتها، كما تحلم بشرى بحرية السفر والتنقل ولهذا تقول: "سئمت من القيود".

تخبرنا بشرى بأن عودتها إلى سوريا مستحيلة، وفي حال تم رفض لجوئها في ألمانيا فستعيد الكرة إلى أن تنجح في ذلك، حيث تقول: "إن لم أتمكن من الوصول إلى حيث أريد أن أمضي، فسأمضي إلى حيث يمكنني أن أعيش".

المصدر: إن بي آر نقلاً عن أسوشيتد برس