icon
التغطية الحية

موت سليماني هيأ الفرصة لتثبيت السياسة الأمريكية في سوريا

2020.01.10 | 21:31 دمشق

assad_suleimani.jpg
تلفزيون سوريا - ترجمة وتحرير ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

لم تكن مصادفة أن تكون دمشق هي المحطة الأخيرة التي زارها قاسم سليماني قبل وصوله إلى بغداد، فقد لعب هناك دوراً محورياً في الإشراف على حرب نظام الأسد التي شنها على المدنيين. وقد خلف موت سليماني فراغاً كبيراً في السلطة في سوريا مما يقدم فرصة سانحة للولايات الأمريكية لتقوم بتثبيت سياستها التي فشلت في سوريا، هذا إذا كانت إدارة ترمب تتمتع بما يكفي من الذكاء لاقتناص تلك الفرصة.

وهنا لا نبالغ إذا تحدثنا عن دور سليماني الكبير في سوريا، خاصة فيما يتصل بتشديد وحشية نظام الأسد على الأبرياء، فهو من هندس ونسق الحملة التي تعمل على محاربة الثوار وذلك عبر شن هجمات على المدنيين، عبر الاستعانة بأساليب تشمل جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية. ثم إنه استدعى سائر الميليشيات التي تعتبر وكيلة ومرتبطة بفيلق القدس الذي يترأسه ضمن الحرس الثوري الإيراني وذلك لتنضم القتال. كما سهل عملية تدفق السلاح والأموال إلى تلك الميليشيات من إيران.

وقد قامت الولايات المتحدة في البداية بمعاقبة سليماني "لتقديمه الدعم للنظام ليقوم بقمع المعارضين بشكل عنيف" وذلك في عام 2012. وهنا يعقب أحد قادة الثوار العسكريين بالقول: "قاسم سليماني هو من يحكم سوريا الآن، أما بشار الأسد فهو مجرد محافظ" وذلك في مقابلة أجراها مع صحيفة وول ستريت جورنال عام 2013.

وإيران تعتبر سوريا جزءاً من "محور المقاومة" ضد الغرب. وسبق وأن قام مسؤول مقرب من المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي وهو مهدي طيب بوصف سوريا بأنها: "المحافظة الخامسة والثلاثين" بالنسبة لإيران، وأضاف: "إذا خسرنا سوريا فلن نتمكن من الاحتفاظ بطهران".

لذا لا عجب أن يحتفل بموت سليماني من نجا من السوريين المحظوظين الذين عاشوا طيلة تلك المدة في محافظة إدلب التي بقيت كل تلك الفترة خارج سيطرة بشار الأسد، بل وأن يقوموا بتقديم الحلوى احتفاء بهذه المناسبة. وفي تلك الأثناء ردت الميليشيات التي تدعمها إيران الموجودة في شمال شرق سوريا على الضربة التي قتل فيها سليماني بإعدام 21 راعياً أعزل بالقرب من مدينة الرقة بحسب ما أورده ناشطون ميدانيون.

وبخصوص مقتل سليماني يعلق معاذ مصطفى وهو المدير التنفيذي لقوات الطوارئ السورية بالقول: "لقد نسق سليماني عملية التطهير العرقي التي جرت على نطاق واسع واستهدفت المدن والقرى السنية في عموم سوريا. وقد أذكت هذه الجرائم حالة التطرف ما أدى لظهور تنظيم الدولة الذي واصل استهداف الناس في المنطقة. بيد أن قتل المدنيين الذي ساعد سليماني على تسهيله في سوريا لن ينتهي بموته".

والسؤال الآن هو: هل بوسع الحكومة الأمريكية وشركائها الاستفادة من هذه اللحظة الهامة والعابرة في الوقت الذي خسر فيه نظام الأسد أهم عراب دولي له كما خسرت القوات الوكيلة لإيران في سوريا قائدها. بيد أننا نرى المسؤولين والنواب في إدارة ترمب يفكرون فقط بمدى تأثير مقتل سليماني على سوريا وما يمكن لسياسة الولايات المتحدة أن تبديه من رد فعل حيال ذلك.

وحول ذلك يعلق السيناتور ليندسي غراهام بالقول: "إضعاف إيران يعني إضعاف الأسد، وهذا يفيد المعارضة السورية. كان اغتيال سليماني حركة جريئة، فالأمر يتطلب سلسلة من الحركات الجريئة حتى يكلل بالنجاح".

ولهذا يتعين على الولايات المتحدة وشركائها الآن أن يستغلوا الاختلافات بين موسكو وطهران فيما يتعلق بسوريا، وأن يمارسوا قوة أكبر على روسيا لتضغط على الأسد ليقدم تنازلات سياسية بحسب رأي غراهام. فلقد سارع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لزيارة الأسد بدمشق بعد أيام من الضربة التي قتل فيها سليماني.

لقد تحملت روسيا نصيبها من الانتقادات بسبب جرائم الحرب التي ترتكبها في إدلب وبسبب الجهود التي تبذلها لمنع وصول المساعدات الإنسانية للمدنيين في المناطق المحررة. أما سليماني فكان هو من أقنع بوتين بالتدخل في سوريا عام 2015، وبخروجه من اللعبة، قد يبحث بوتين على حل سياسي يسمح لروسيا بالانسحاب.

كما يمكن أن توسع إدارة ترمب من نفوذها في سوريا في الوقت الراهن وذلك عبر فرض عقوبات رادعة جديدة على الأسد وروسيا وإيران بموجب القانون الذي وقعه الرئيس ترمب لتوه والذي يعرف باسم "قانون قيصر"، وتعتبر هذه الخطوة حاسمة للإبقاء على حالة العزلة الدبلوماسية بالنسبة للأسد مع حرمان روسيا من تنفيذ خطتها القائمة على جني الفوائد المالية عبر عملية إعادة إعمار سوريا.

ويمكن لترمب نفسه أن يسهم بسهولة بالكثير وذلك في حال أعلن وبكل وضوح عن التزام الولايات المتحدة بإبقاء قواتها في سوريا، إذ ثمة ما يقرب من 600 جندي أمريكي يوجد بالقرب من حقول النفط في محافظة دير الزور بالإضافة لبضعة مئات في قاعدة التنف العسكرية بالقرب من الحدود العراقية، وتلك هي المناطق التي كان سليماني يسعى للسيطرة عليها لتسهيل مرور الأسلحة والمقاتلين من إيران إلى مختلف أنحاء المنطقة.

لقد كانت سوريا على الدوام الثغرة الواضحة في استراتيجية إدارة ترمب الرامية لوقف نشاط إيران الخبيث في المنطقة. فلقد تخلى ترمب عن سوريا بوصفها مكاناً مليئاً بالرمال والموت وأعلن مرتين (ثم تراجع) عن سحب القوات الأمريكية منها، مما مكن نظام الأسد والميليشيات الإيرانية بشكل غير مباشر من بسط سيطرتهم وتوسيعها.

فلو أدرك ترمب بأن سوريا هي المكان الذي حقق فيه النظام الإيراني أقصى توسعاته وبأنها المكان الأكثر عطباً وضعفاً، عندها سيغدو قادراً على تنفيذ سياسة "الضغط لأقصى حد" على طهران والتي تباهى بها المسؤولون لديه مراراً وتكراراً. ولا يمكن لأي جهود تبذل لاحتواء أذى إيران في المنطقة أن تفلح دون مواجهة إيران في سوريا.

ثم إن ضربة سليماني كان بوسعها أن تحد من قدرة إيران على استعراض قوتها ونفوذها في المنطقة ومن ثم قيامها بتهديد إسرائيل لو رافقها المزيد من الضغط على الصعيد الاقتصادي على إيران ووكلائها وشركائها، بل كان بوسعها أن تخلق نفوذاً جديداً للولايات المتحدة يدفع باتجاه حل سياسي في سوريا لوقف المذبحة المستمرة.

رابط المادة الأصلي: صحيفة الواشنطن بوست