مهرجون وكومبارس

2020.08.30 | 00:06 دمشق

still_16405761_127180.322_still.jpg
+A
حجم الخط
-A

قبل عدة أيام قام وزير الخارجية الأميركية "مايك بومبيو" بزيارة مفاجئة إلى عدة دول في منطقة الشرق الأوسط، شملت "إسرائيل" والسودان والبحرين والإمارات، وكما أجمع معظم المحللين ووسائل الإعلام فإن هذه الزيارة تأتي في إطار تسويق عملية التطبيع مع إسرائيل، خاصة بعد معاهدة السلام بينها وبين الإمارات، التي أعلن عنها الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" في الثالث عشر من آب.

بحسب ما صرحت به جهات أميركية فإن "بومبيو" يحمل في حقيبته ثلاثة ملفات أساسية، أولها ما أشرنا إليه حول توسيع دائرة التطبيع ليشمل عدة دول عربية مع إسرائيل، مع ما يشكله هذا التطبيع من مقدمات ضرورية لمشروع صفقة القرن، وثانيها المواجهة مع إيران، وثالثها الحد من خطر الاجتياح الصيني الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط.

لكن الهدف الأهم وغير المعلن لهذه الزيارة يبقى السعي لتحقيق المزيد من المكاسب لـ "ترامب ونتنياهو" في معركتهما الانتخابية القادمة، حيث يواجه "ترامب" انتخابات رئاسية تبدو صعبة بعد شهرين، لاسيما وأن استبيانات عديدة أشارت إلى تدني شعبيته، خصوصاً بعد السياسة التي انتهجتها الحكومة الأميركية لمواجهة فيروس كورونا، وبسبب تدهور الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة الأميركية، ولا تقل الصعوبات التي يواجهها "نتنياهو" حليف "ترامب"، فهو ملاحق أمام القضاء الإسرائيلي بتهم فساد، ولا يُستبعد أن يوصله هذا الملف إلى السجن.

سيتابع الإعلام ووكالات الأخبار زيارات المسؤولين الأميركيين وغيرهم إلى منطقة الشرق الأوسط، وسيتابع التحركات العسكرية التي تتسارع في الخليج العربي وشرق المتوسط، وربما يحتفل الساسة في "إسرائيل" والإمارات وأميركا ودول عربية أخرى قريباً بمسرحية إعلان التطبيع بين "إسرائيل" ومجموعة من الدول العربية، وسوف يطل علينا مثقفون ومفكرون وباحثون عرب ليتحدثوا عن الآفاق الجديدة وعن السلام والحقوق المصانة لوجود "إسرائيل"، إلى آخر هذه المعزوفات الناشزة، لكن أحداً من هذه الجوقة لن يتوقف عند المهزلة - الفضيحة التي يقوم بها النظام العربي.

لن يتوقف الساسة العرب كثيراً – وربما سيتجاهلون تماماً – حقوق الشعب الفلسطيني المعترف بها دولياً، وسينسون ما قام به "ترامب" في مطلع هذه السنة، عندما قام بالتوقيع على قرار أميركي يقضي باعتبار القدس عاصمة لـ "إسرائيل"، وسيتجاهلون أنه قبل ذلك وتحديداً في آذار 2019، قام أيضاً بتوقيع إعلان تعترف بموجبه الولايات المتحدة الأميركية بسيادة "إسرائيل" الكاملة على الجولان السوري المحتل، رغم تعارض هذا الإعلان مع الاجماع الدولي، والذي يعترف بكون الجولان هو أرضاً سورية محتلة.

بهذه الصفاقة الفاجعة، يتحول العرب وأرضهم وحقوقهم ومستقبلهم إلى مجرد أدوات في حملات انتخابية يستعملها قادة "إسرائيل" وأميركا لشراء أصوات الناخبين، لكن الفاجعة الأشد ليست في هذا الاستعمال، إنما في تعاطي الأنظمة العربية مع هذا الاستعمال الصفيق.

كالصفعة المدوية يباغتك السؤال: على ماذا يحصل القادة العرب مقابل ما يقدمونه لـ "إسرائيل" وأميركا؟ ولماذا يهدرون حقوقا مقرّة ومعترف بها دولياً، ولماذا يقبلون هذا الإذلال لهم، ولشعوبهم...؟!

تبجّحت القيادة الإماراتية بأنها استطاعت الحصول على قرار بإيقاف ضم الأراضي الفلسطينية، لكنها لم تكد تعلن عن إنجازها الكبير حتى سارع "نتنياهو" للإعلان عن تعليق الضم وليس إيقافه، حتى أنه لم يعلن عن المدة الزمنية للتعليق، ببساطة شديدة سيُعيد "نتنياهو" ضم الأراضي الفلسطينية عندما يشاء.

تباهت القيادة الإماراتية بأنها حصلت على موافقة إسرائيلية أميركية لشراء طائرات أميركية من نوع F35 ، وأيضاً سارعت إسرائيل لتعلن عن رفضها لامتلاك الإمارات لهذه الطائرة المتطورة.

لندع جانباً ما تفعله "إسرائيل" وأميركا بهذه المنطقة المستباحة، ولندع ما حل بمصر ونيلها، وفي ليبيا ونفطها وبحرها، وفي اليمن والعراق ولبنان، ولنتحدث عن سوريا وماذا فعل ويفعل بها قادتها، وما الذي يعتبر خطاً أحمرَ لا يمكن أن يبيعه بشار الأسد للبقاء في كرسيه؟

ألم يوافق بشار الأسد على التخلي عن كامل السلاح الكيميائي الذي بحوزته، هذا السلاح الذي صرفت عليه أموال طائلة، ولم يستعمل يوما في حرب مع أي جهة خارجية (لست مع استعمال أي سلاح محرم دولياً في أي حرب) واستعمل فقط لقتل الشعب السوري؟!

ألم يسلم بشار الأسد مفاتيح سوريا كلها لروسيا وإيران، فقط كي يبقى على كرسيه؟!

ألم يصبح النفط السوري، والفوسفات والمرافئ والمطارات، وكل ما يمكن أن يشكل دعامة للاقتصاد السوري ملكاً لدول أخرى؟!

هل بقي نوع من أنواع الخيانة لم ترتكبه هذه القيادات العفنة بحق شعوبها، وثروات بلدانها ومستقبل أجيالها؟

يسكت العالم كله عن جريمة تحدث علناً وفي وضح النهار وعلى مرأى ومسمع الجميع طوال عقد كامل، ويترك السوريون لكل ما يخطر في بال المتوحشين من صنوف القتل والإبادة والتجويع والتشريد ... ثم وبكل صفاقة وبلا أدنى إحساس بالخجل، يتحدثون عن لجنة دستورية، وسلال تفاوضية، ومهازل تتفتق عنها عبقريات البشاعة الإنسانية كل يوم.

أيُّ عالم هذا أوصلنا إليه النظام العالمي الذي تسيّد العالم بعد الحرب العالمية الثانية، أية مسوخ تتحكم بمصير هذه البشرية الماضية إلى خرابها، وأيّ غد يُمكن لهذه البشرية أن تنتظره، عندما يصبح هذا الكوكب من أقصاه إلى أقصاه مسرحاً لجريمة مروعة، يلقى بها يومياً عشرات آلاف البشر حتفهم قتلاً وحرقاً وجوعاً؟؟!!

ما أبشع هذا العالم الذي يقوده مهرجون، ويكون قادتنا فيه مجرد "كومبارس".