من هو صوت السوريين في تركيا؟

2021.08.14 | 05:08 دمشق

dds-5.jpg
+A
حجم الخط
-A

هو الموضوع المكرر نفسه منذ سنوات ونادينا به عدة مرات ونالنا النقد كثيرا من تكراره ولكن هذه المرة من زاوية أخرى، وجود السوريين في تركيا هو الأكبر في دول الجوار، وهو الأنجح قياسا من ناحية الاندماج بالمجتمع وبدء الحياة الجديدة للعوائل السورية، وهي السوق الأفضل من أجل الاستثمارات فيه، وهو المكان المناسب لتحقيق جزء من الأمان، ولإكمال الطلبة تعليمهم والحفاظ على لغتهم، ولكن القوى الدولية التي عبثت بأمن السوريين وسمحت للنظام بالتمادي في استخدام الأسلحة المحرمة الدولية، ومختلف صنوف أسلحة القتل والبراميل المتفجرة، وغضت الطرف عن حملات الاعتقال والقتل الممنهج في السجون، وسمحت بموجات النزوح والتهجير والتطهير والتغيير الديموغرافي، تواصل سعيها لمزيد من إقلاق المنطقة وزيادة توترها، وبالتالي تسعى لخلط الأوراق في تركيا، وتستخدم السوريين المقيمين فيها كورقة ضغط على الحكومة، وتجد في المعارضة مكانا مناسبا لاستثمار هذا الأمر عبر خطاب الشعبوية، وهو ما تجسد في الأيام السابقة في تصريحات خطيرة جدا من قبل السياسيين المعارضين، وكل ذلك بالنهاية سيؤدي إلى ضرر سيلحق بأكثر من 4 ملايين سوري مقيمين في تركيا، وبدؤوا حياة جديدة فيها، وأسسوا أملا ومستقبلا في ظل انعدام فرص العودة بالظروف الحالية إلى البلاد، وبظل استمرار سيطرة النظام على حكم البلاد، وعجزه على كل المستويات.

المعارضة التي رفعت من صوتها مؤخرا متعهدة بإرجاع السوريين، لن تتمكن بسهولة من إرجاعهم لما لذلك من تبعات قانونية وتعهدات وتوازنات دولية، وأبعاد إنسانية

السوريون الذي يشكلون في السنوات الأخيرة مادة دسمة لدى السياسيين الأتراك وخاصة المعارضة، يستخدمونهم كورقة سياسية، ويتم ضخ مجموعة من الأكاذيب والمعلومات المضللة غير الصحيحة بحقهم، وهو ما سيؤدي إلى نقمة لدى الشارع التركي، وربما دول أخرى تستضيف السوريين تشهد الحالة نفسها حاليا أو مستقبلا، إلا أن هذا الخطر يمتد لأبعد من مجرد معركة سياسية، لأن الأحزاب السياسية ما أن تنتهي من ماراتون الانتخابات، ستبدأ في ترتيب أوراقها وصفوفها مجددا وفق أجندتها السياسية التركية، وحتى المعارضة التي رفعت من صوتها مؤخرا متعهدة بإرجاع السوريين، لن تتمكن بسهولة من إرجاعهم لما لذلك من تبعات قانونية وتعهدات وتوازنات دولية، وأبعاد إنسانية، وهي ربطت ذلك بالعلاقات مع النظام وتوفير البيئة المناسبة الآمنة، ولكن الأخطر من ذلك حتى وإن لم يتم إعادة السوريين، هو الأثر الذي سيبقى في المجتمع، إذ إن الصورة التي رسمت أن السوريين سيطروا على مقدرات البلاد وخيراتها من خلال صرف عشرات المليارات من الدولارات عليهم ستبقى مستمرة، وستتواصل النظرة التي تقول إن السوريين يتلقون رواتب ويقبضونها من البنوك ولهم الأولوية في العلاج والأدوية، ولا يخضعون للنظام والطوابير، ومفضلين من قبل الأجهزة الحكومية، كما أن الوجهة التي تقول إن السوريين يدخلون الجامعات دون امتحانات، كلها ستبقى أسيرة لدى جيل الشباب بتركيا، الذي من السهل أن يلقي تهمة صعوبة إيجاد فرص العمل وإكمال الدراسة والتعليم على الآخرين.

إذا المخاطر المتعلقة بالخطاب ضد السوريين ليست آنية، بل ستكون ممتدة إلى المدى البعيد وتحمل مخاطر بحق الأجيال الجديدة التي ستعيش في البلاد وستجد أمامها حلين، إما التنكر من أصولها بعد إتقان اللغة والاندماج بالحياة، وإما الاستمرار في الدفاع عن بقية السوريين، وهو ما يتطلب أدوات لهم ومسارا مناسبا يتلقون منه المعلومات الصحيحة الحقيقية، وهو ما يدفع للتساؤل وبصوت عال، من هو صوت السوريين في تركيا؟ سؤال مهم سبق أن طرح عبر هذا المنبر بأسلوب آخر، منه تقصير الإعلام السوري في تركيا، ومنه أساليب تشكيل الرأي العام السوري في تركيا.

أمام هذا الواقع لا بد من إعادة وتكرار القول، السوريون هم المعنيون بصنع ووضع الأجندة السورية في تركيا، وهذا لن يكون ممكنا ما لم تكن هناك أدوات سورية، وأهمها الإعلام المخاطب للمجتمع التركي، الاستثمار بإعلام متحدث باللغة التركية بشكل احترافي يخاطب الأتراك بكل مستوياتهم، إعلام احترافي يعمل على حوار قادة الرأي والمفكرين والكتاب والسياسيين الأتراك، يضع الحقائق أمام المجتمع، إعلام هو الذي يحدد أجندته ويستغل وسائل التواصل الاجتماعي لمخاطبة المواطن التركي، إعلام يعمل على وضع أرشيف للمأساة السورية وحقيقة ما جرى في البلاد، إعلام يعمل على إمداد الزاد للأجيال الجديدة لتتصل بسوريا وقضيتها وتعرف ما يجري وتدرك كيف يمكن أن ترد على أي خطاب يمكن أن يشاهده، إعلام يفرض السوريون أجندته وأحداثه، سواء عبر المواقع الإلكترونية أو الصحف أو المجلات الإلكترونية، أو عبر قناة تلفزيونية أو برامج مخصصة للشأن التركي لدى القنوات العربية، حيث إن الاستثمار بالإعلام الناطق باللغة العربية وصل مرحلة جيدة، ولكن المجتمعات المستضيفة بحاجة لأن تخاطب أيضا، وخلال سنوات الإقامة بتركيا، تبين أن حاجز اللغة هو من أكبر العوائق بين السوريين والأتراك، وهذا ما يعني بالضرورة الحاجة لوسائل إعلام ناطقة باللغة التركية تكسر هذه الحواجز على مستوى واسع يصل إلى أكبر شريحة ممكنة من الأتراك.

وبالتأكيد إضافة للإعلام هناك مستويات أخرى لتشكيل الرأي العام، عبر التواصل السياسي بين مؤسسات المعارضة السورية والأحزاب السياسية جميعها، بهدف بيان حقيقة ما يجري دون انحياز لأي طرف، سواء بجانب الحكومة أو المعارضة، تواصل سياسي وتواصل مع وسائل الإعلام التركية، مع الكتاب وقادة الرأي والمفكرين، والبحث عن أسماء جديدة غير تلك التقليدية التي فقدت تأثيرها في المجتمع مع مرور السنوات، ولا يجب الاعتماد على الإعلام المؤيد للحكومة المساند للسوريين فقط، لأن السوريين لن يستطيعوا فرض أجندتهم على هذه الوسائل، حيث ستبقى السياسات الداخلية في تركيا هي المحدد الأساسي لهم، ويضاف لما سبق مستويات أخرى ترتبط بلقاءات منظمات المجتمع المدني السورية مع نظيراتها التركية بالأهداف نفسها وتقديم حقائق الأمور.

لا بد من توجيه دعوة للسوريين وخاصة أصحاب رؤوس الأموال منهم، بالتوجه إلى الاستثمار في الإعلام الناطق باللغة التركية أيضا

وربما يتساءل البعض عن دور السوريين الناطقين بالتركية سواء المقيمين في البلاد منذ سنوات أو العاملين في المؤسسات الإعلامية التركية، وهنا يمكن القول إن هؤلاء بالنهاية مرتبطون بأجندة الجهات الإعلامية العاملين بها، وتبقى جهودهم فردية على مستوى الأشخاص الذين يلتقون بهم، ومن هنا لا بد من توجيه دعوة للسوريين وخاصة أصحاب رؤوس الأموال منهم، بالتوجه إلى الاستثمار في الإعلام الناطق باللغة التركية أيضا، ومن المهم بالنسبة لهم استقرار المجتمع وأمان السوريين المقيمين في البلاد، إذ ستنعكس هذه الاستثمارات بالفائدة عليهم في حال توجه الأجيال الجديدة إلى وسائل الإعلام هذه من أجل الارتباط بماضيهم، فضلا عن نقل تطورات الأحداث، ووضع الأرشيف المناسب للأتراك وللأجيال الجديدة من السوريين.

وفي الختام من المؤكد أن تركيا باتت تشكل حياة وواقع أغلب السوريين المقيمين فيها، الذين درسوا وأسسوا أعمالهم، وبنوا استثماراتهم، ووجدوا الأمان فيها، فضلا عن تجنيس شريحة واسعة، وأخرى وجدت فيها المكان الأقرب إلى سوريا ما يؤدي لاستمرار الارتباط بها، والحفاظ على اللغة الأساسية، فضلا عن التشارك بالتاريخ والمعتقد وقرب العادات والتقاليد، ولهذا يتوجب وبشكل عاجل إيجاد الأدوات والوسائل التي تراعي هذا الواقع من أجل دعم التآخي وتلاقي المجتمعين واستمرار حياتهم بأمن وسلام.