من هنَّ المبشرات بالإنسانية ومن هنّ المبشرات بالكراهية؟

2022.07.01 | 05:09 دمشق

حجاب
+A
حجم الخط
-A

تلعب قضية الدين دورًا محوريًا في الحشد لكل أنواع السياسات التي يعلم الجمهور أهدافها ولا يعلمون، وأكثر من ذلك يمكن لسياسات استغلال الدين أن تكون ذات أبعاد خفيّة تظهر مفاعيلها مستقبلًا، وللمنطقة العربية تجارب تعين على فهم ما أقوله بأبعادٍ كثيرة، ولا سيّما أنّ الشباب هم الضحية الأبرز لهذه السياسات إن لم نقل وأوطانهم معهم (أو لما يسمى استعمال الدين سياسيًا واستغلاله).

نطالع اليوم في صفحات التواصل الاجتماعي كمية كبيرة من الحقد الذي عاد ليظهر ويتمدّد بيننا بمساعدة هذه الصفحات، يدير المشهد في الواجهة شخصيات تدّعي إعادة أمجاد أمم سُلبت حقّها في الوجود وتآمرت شعوب وأمم كثيرة على إخراجها من التاريخ! والعمل هنا عند اليوتيوبريين واليوتيوبريّات هو تجييش أرتال من المراهقين المعتدّين بانتمائهم الديني ذي المسلك الخاطئ، لا يسعنا هنا ذكر أسماء، ولا حاجة لذلك، لكن ما يستوقفني هو أنّني كنت أحسب هذه الظاهرة مقتصرة على المسلمين، وغير أديان هم منها براء أو لنقل لا تهمهم، لكنّ الواقع يثبت يوميًا لنا أنّ أمراضًا كثيرة لا يشفى الإنسان منها أولّها الحقد الأعمى على كل مخالف ليس بالدين فحسب بل بالانتماء والعرق والتفكير .. إلخ.

تظهر بشكل فج وغير مبرر ولا يُحتمل ظاهرة التبشير للدين المسيحي عبر مساحات التواصل الاجتماعي ويزيد الطين بلة الأشخاص ذكورًا وإناثًا ممن يتنطحون لهذه المهمة، فالواضح أنّهم ليسوا أهلًا في الحياة لأكثر من إثارة أحقاد بل وصناعة سبُل وأدوات جديدة للحقد والكراهية بين المنتمين للأديان السماوية المختلفة، فمن تلك التي ترفض أن ترى في متجر علب لحومًا ممهورة بختم" حلال"، إلى ذلك الذي يسب المسلمين ولكنّه يرفضُ أن يطلق عليه كاره للإسلام والمسلمين.

لهذه الفاتحة فاهها على عرضه ولا يخرجُ منه سوى ما يمثلها وحدها، أريد أن أقدّم مثلا عن عفوية الإسلام وذاتيّة انتشاره ورسالته، إذ فازت الفتاة الصومالية المسلمة المحجّبة سالي المقلاني، بمسابقة الكونغرس السنوية الفنّية للعام 2022 عن مدارس نيويورك، عن لوحتها لفتاة محجّبة مرفقة بعبارة" حجابي يجعلني قوية" والتي ستعرض في مبنى الكابيتول لمدّة عام، واللوحة معروضة كذلك على صفحة المسابقة الفنّية للكونغرس في مجلس النوّاب على موقع statenislander، وقدّمت عضوة الكونغرس ألكساندريا أوكاسيو كورتيز إضاءة عن سبب اختيار اللوحة معتبرةً أن اختيار لوحة لفتاة مسلمة محجّبة تحمل عبارة" حجابي يجعلني قوية" باللغة العربية في مبنى الكونغرس لهي رسالة تمثل وتختزل الكثير من المعاني المضّادة للكراهية ضد الحجاب، وأنَ اللوحة تمثِّل" أداة للتعبير عن الذات وتمكين الشابَات". وأكملت ألكساندريا في منشور لها عبر حسابها بموقع انستغرام أنَّ “تصوير الطالبة الفنّانة لشابة مسلمة متألقة يتعارض بقوة مع الصور النمطية المعادية للإسلام والحجاب، فضلًا عن لون حجابها الأصفر والخلفية الداكنة، اللذين يبهران كل من ينظر إلى اللوحة”. وتابعت قائلة: “الفن الجميل المقترن بالرسالة القوية يمثل منطقتي بالتأكيد”.

النموذج الذي نقدمه هو الروائية السيريلانيكية الأميركية المسلمة حفصة فيصل، والتي صنفتها مطلع العام الماضي 2021 جريدة نيويورك تايمز في المرتبة الخامسة عن أفضل المبيعات لروايتها "we Hunt the flame"، ولم يمنع نقابها من أن تقول عنها النيويورك تايمز إن روايتها هذه وكتاباتها الأخرى تستشرف قيمًا ومستقبلًا مشرقًا للجنس البشري كلّه! وصنّفتها مجلة فوربس نهاية العام نفسه، في قائمة الشباب المبدعين تحت الثلاثين عامًا، لتكون صورها بنقابها في كل صفحات التواصل وأهم الوكالات الإعلامية العالمية.

فهل يزعج من يدعون لإيقاف أي رمز أو تعبير ديني على منتج نستخدمه في حياتنا اليوميّة حضور هذه القامات النسائية في ميادين عالمية بامتياز؟ أم ما هو مستوى التفكير والتحضّر عند من تربوا على قيم الحجاب هل هو مستوى أقل من عالمي وإنساني جامع لكل قيم الرقي والتحضّر التي أجمع عليها بنو البشر؟

الفرق كبير بين هذين النموذجين من جيل الفتيات الشابات، وذلك الجيل الذي أقرأ تعليقاته التي لا تحمل سوى الكراهية العمياء والحقد الأسود على كل مخالف في صفحات التواصل لمنابر الكراهية دفاعًا عن قيم أمهم! أو التي أوعزت لهم بأنّ اتباع تعاليمها من تحت يمر التحضُّر. ولا أعلم هنا هل يعي هؤلاء الشباب أي رسالة يتبوأون وعن أي مستقبل لهذه البشرية يبحثون؟ ويعملون جاهدين! لعمري هو مستقبل الخراب الذي ذقنا منه في منطقتنا العربية إلى الآن ما يكفينا لنحتاج للحب والإخاء والسلام وتقبّل الآخر أعمارًا أخرى نعيشها لتعويضنا عن كل الخراب الذي تسببت به الكراهية.

فكيف لم يعيش في الغرب أن لا يحمل قيمه في فهم إن لم نقل وتمثل قيم التعددية الدينية والثقافية والإثنية ناهيك عن قيم التسامح غير المحدود، بل ودعم أي ظاهرة مخالفة لما تربينا عليه دون أن تكون مضرة بقيمنا وكذلك بالصالح العام. ما هي المشكلة إذًا وأين هي عند من يعيشون في الغرب وما زالوا يتبنون قيمهم وقيم مشغليهم ربما! هل نعود للقول المعروف كثرٌ خرجوا من أحقادهم لكن أحقادهم لم تخرج منهم، وهو هنا تعبيرٌ مجازي عن التمسك بكلِّ مظهر من مظاهر التعصّب الأعمى، والجهل المدفوع الأجر.

القصة أنّ مقاييس التحضُّر لا تحمل في لصاقة على منتج ولا في فيديو بث مباشر على صفحات التواصل، بل تحمل في القلوب والسلوك.

 

كلمات مفتاحية