من قال إن النفط أغلى من دمي؟

2019.12.07 | 16:52 دمشق

images_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

ربما يعرف العراقيون أكثر من أي أحد آخر ثمن مقايضة الدم بالنفط، وثمن امتهان كرامة الإنسان لقاء أن يزداد اقتصاد الدول الغنيّة ثراء، وهم أصحاب التجربة القديمة مع مغول النفط، وهم الذين كافحوا حتى تعبوا، لأجل أن يعود العراق حرّاً، وهم الذين انتفضوا مؤخراً على كل ظلم، وذرفت عيونهم الدموع وهي تحمل كل صدقٍ ممكن حين تتغنى بنشيدها العظيم " موطني"، وهم الذين حتى اللحظة يعانون من أثر المطامع على الأرض والإنسان، محاولين بكل جهد ممكن استعادة شيء من الحياة.

لقد بتنا نحن السوريين نفهمهم أكثر، بعد أن رأينا بأعيننا كيف يتحوّل الإنسان على أرضه فجأة إلى سِلعة، وكيف يُستنزفُ ببطء بهدف أن يركع، وكيف يُقابل بكل عُنفٍ وإرهاب ممكن حتى يركع، وكيف تكون رقعة الأرض ضمن مزادٍ مفتوح، وكيف تُفتتح المزادات بالطائرات الحربية التي تقصف بعنفٍ أكثر، وتوقِع مجازر أكبر، لا فرق أن تقع المجزرة ضمن مدينة معروفة في سوقها الشعبي، أو في مخيّمٍ بائس فوق رؤوس النساء والأطفال، كيف تمزقهم القذائف والحمم، وكيف تتحول الاتفاقيات الدولية قبل الحدث وبعده من حال إلى حال، والملفت للنظر جداً أنها تقع تحت شعارات أمن المنطقة، والمنطقة الآمنة، وإحلال السّلام.

حالة الاستقرار الوهمي الذي تفاءل بها كثيرون مع عملية نبع السلام، وتأكيد تحقيق المكتسبات التركية والأمريكية، والاتفاقات المعلنة وغير المعلنة مع الروس، الوجود الإيراني والهجمات الإسرائيلية المباغتة والمُتغاضى عنها، ومكاسب النظام التي يصرح بها باستمرار وهو لم يحققها بنفسه، بالتوافق مع ما تخسره الثورة وما يتناقص من زخمها وما يتلاشى من روحها ومسماها وهدفها تحت

كل يوم تطلع الطائرات من أرض الوطن لتقصف أرض الوطن، وكل يوم يقصف السوريُّ السوريَّ بدعم روسي، ومباركة دولية

شعار الأمر الواقع، كلها نواقيس خطر تدق بشدّة في كيان كل سوري حر غيور على أرضه وشعبه، فيتسرب إليه شعور باليأس والهزيمة لا يلبث يتلاشى مع متابعة ثورات الشعوب المجاورة، وكأنها رسالة تخبره أن قدر الشعوب الكفاح والتضحية حتى تنال حقوقها وحرياتها.

من الناحية الأمنيّة بات نبع السلام وهماً، فقد كان له خيط يربط العملية بأمان إدلب، وأمان المنطقة المرتبطة ببعضها جغرافية وثورة، كان الشعار هدنة، والهدنة تم اختراقها مراراً حتى ما عاد الإنسان السوري على تلك الأرض يميّز بين أوقات الهدن والمعارك فكلها سواء.

كل يوم تطلع الطائرات من أرض الوطن لتقصف أرض الوطن، وكل يوم يقصف السوريُّ السوريَّ بدعم روسي، ومباركة دولية، وكل يوم تتقلّص أعداد السوريين فوق أرضهم، لكنها تزداد في جوف الأرض أو خارج الحدود.

أما الشريط الحدودي مع تركيا والذي اكتسى بالأخضر مؤخراً، فقد بات منطقة آمنة للأتراك، بينما ضاقت معه آمال السوري الثائر في عودة مدنٍ محتلة، أو انتعاش اقتصادي مأمول، بل على العكس تماماً، باتت الآفاق أضيق، والأجواء مختنقة بالمفخخات وقصف الطائرات لحاملات النفط في المنطقة، مما يغدو علامة واضحة لكارثة معيشية وانحسار فرص العمل وتوقف الحياة في مرافق شتى، فيما يتغنى الأمريكان بالنفط السوري، وتتقاسم الدول خيرات الأرض لتتابع حالة الرفاه الاقتصادي على أنقاض مخيمات مقصوفة وشعب مشرّد ومجازر متتابعة وفقر مخيّم وبرد قاهر.

لقد بات الشعب يدفع ثمن طاغوت متعجرف متمسك بالكرسي، ودولٍ تتاجر بأوجاعه ومآسيه، وتهدد به كلاجئ، وكأنه قنبلة موقوتة آيلة للانفجار في أي مكان، وليس إنساناً يستحق العيش بأمان، ولا يطلب سواه في أرضه أو خارج أرضه.

وهنا لابد لنا حين نقرأ ما كتبه يوما الشاعر فاروق جويدة..

من قال إن النفط أغلى من دمي؟

ما دام يحكمنا الجنون

سنرى كلاب الصيد

تلتهم الأجنّة في البطون

سنرى حقول القمح ألغاماً

ونور الصبح ناراً في العيون

سنرى الصغار على المشانق

في صلاة الفجر جهراً يصلبون

ونرى على رأس الزمان

عويل خنزير قبيح الوجه

يقتحم المساجد والكنائس والحصون

لابد أن نتذكر أنها ليست مؤامرة على السوريين فحسب، إنما هو داء تعاني منه كل شعوبنا العربية المقهورة، ومن أجل مقاومة كل ما يحدث، لابد أن نستمر في نضالنا معاً من أجل الحرية، وأن نصرّ على كسر الأغلال التي تطوقنا، وأن نحافظ على إرادتنا في ثوراتنا المحقة، فإن لم يكن للدم السوري، أو الدم العربي قيمة في قوانين الدول، فهو في وعينا غالٍ، وقطرة دم واحدة تكفينا لنواصل حتى تحقيق مطالبنا..

مهما تعالت صيحة البهتان في الزمن العَمي

فهناك في الأفق يبدو سرب أحلام.. يعانق أنجمي

مهما توارى الحلم عن عينيك.. قومي..واحلمي

ولتنثري في ماء دجلة أعظمي

فالصبح سوف يطلّ يوما.. في مواكب مأتمي[1]

 

[1] فاروق جويدة