icon
التغطية الحية

من دون حوالات نموت جوعاً.. عائلات سورية تعتمد على مساعدات ذويها في تركيا

2022.05.13 | 11:49 دمشق

53328564-40404118.jpg
الحوالات المالية من تركيا إلى سوريا
دمشق - سارة هاشم
+A
حجم الخط
-A

دفعت سوء الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرة النظام السوري لاعتماد العائلات بشكل كبير على ذويهم اللاجئين في العديد من دول اللجوء وعلى الأخص تركيا باعتبارها تضم أكبر عدد من السوريين في العالم يتجاوز 3.7 ملايين شخص وفق الأرقام الرسمية.

ويرسل الكثير من هؤلاء اللاجئين حوالات مالية بشكل شهري إلى عائلاتهم أو أقاربهم الذين ما زالوا يقيمون في مناطق سيطرة النظام السوري رغم قلة حيلتهم في تركيا أيضاً.

وتعين هذه الحوالات العائلات السورية على تأمين لقمة العيش في ظل الغلاء الفاحش الذي تشهده مناطق سيطرة النظام السوري، وقلة الموارد مع ضعف مدخولاتهم المالية، وعدم كفاية رواتبهم التي لا يتجاوز متوسطها الـ 100 ألف ليرة سورية.

وشهدت الليرة السورية أمام الدولار خلال الأعوام العشرة الماضية انهياراً دراماتيكياً، فقدت خلالها قيمتها بشكل كبير جداً، ما أثر في القوة الشرائية للسوريين ووضعها في الحد الأدنى مع ارتفاع صاروخي في أسعار السلع الأساسية.

وبشكل يومي تصل حوالات مالية من دول اللجوء السوري، وخصوصاً من تركيا وألمانيا والسويد، إلى جانب دول الخليج إلى مناطق سيطرة النظام، عبر شركات غير رسمية، تستلم بالدولار وتسلم بالليرة السورية، حتى لا يتحمل المستلم أي مسؤولية قانونية لصعوبة التعامل بالعملة الأجنبية في مناطق سيطرة نظام الأسد.

وتتراوح المبالغ المحولة من تركيا إلى سوريا لكل عائلة بين 300 و600 ألف ليرة سورية (100 و200 دولار)، وفق العديد ممن رصد موقع "تلفزيون سوريا" حالاتهم.

حوالات شهرية لسد الرمق

وفي السياق، قالت أم سامر التي تقطن في منطقة جديدة عرطوز بريف دمشق، إن لديها ولدين في تركيا، أحدهما يعمل في مجال المطاعم، والآخر يعمل في قطاع الخياطة، ويرسلان لها شهرياً 350 ألف ليرة سورية (ما يقارب 90 دولاراً) تعيلها على شراء حاجياتها من طعام وشراب فقط.

وأضافت في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" أن "المبلغ حالياً قليل جداً، مقارنة بالسنة الماضية حيث كانت الأسعار أقل نوعاً ما، ولولا أنني أعمل في بعض المشغولات المنزلية، لما استطعت تأمين الكثير من الأشياء مثل ثمن الدواء وفاتورة الإنترنت".

ولفتت أم سامر إلى أن ولديها يعملان لأكثر من 12 ساعة يومياً، وأحدهما ليس لديه عطلة إلا كل أسبوعين مرة، ولا يجد الكثير من الوقت لفعل أي شيء سوى العمل، والغلاء يضرب تركيا أيضاً".

من جانبه، قال سامر الذي يعمل بمطعم في إسطنبول: إن "تركيا تشهد ارتفاعاً كبيراً في الأسعار، والليرة التركية فقدت قيمتها أمام الدولار حيث كانت قبل سنة بـ 7 ليرات واليوم بـ 15 ليرة، وهذا جعل رواتبنا الشهرية قليلة جداً".

وأردف سامر (25 عاماً) في اتصال مع موقع "تلفزيون سوريا" أن الحياة في تركيا صعبة جداً، وفي الأعوام الأخيرة كانت شديدة علينا خصوصاً بعد أزمة كورونا وإغلاق الكثير من المطاعم والمقاهي بشكل كامل، ومع عودة الحياة مجدداً بعد توزيع اللقاح، أصبح كل شيء مرتفعاً، أجار البيت، والحاجيات الأساسية والفواتير الشهرية".

وأشار إلى أنه يسكن بصحبة شقيقه و3 أشخاص آخرين يعملون في عدة مهن، وجميعهم يرسل حوالات شهرية لذويهم في دمشق وريفها.

لولا الحوالات لمات الناس من الجوع في دمشق

ويبدو أن مساعدات الأبناء والأقارب لذويهم في سوريا، خففت من حالات العوز والفقر التي تجتاح مناطق سيطرة النظام السوري بشكل أساسي، حيث تؤكد الكثير من التقارير أن الحوالات المالية المستمرة من الخارج إلى سوريا أسهمت في إبقاء الاقتصاد بحالة أفضل.

وأكّدت أم براء، التي تعيش بصحبة ابنتها في حي القدم بدمشق، أن ابنها الوحيد الآخر يقيم في غازي عنتاب جنوبي تركيا منذ عام 2012، وما يرسله ابنها هو فقط ما يعيشون عليه، حيث لا معيل آخر لديهم.

وقالت أم براء في حديث مع موقع "تلفزيون سوريا" إن زوجها مفقود منذ عام 2014، وحاول ابني أن يؤمن لنا طريقة للسفر لكن لم نستطع تأمين الفيزا، ولذلك هو يرسل لي شهرياً، 600 ألف ليرة، يعني (بين 150 و200 دولار حسب سعر الصرف).

وأضافت أنه "لولا الحوالات لمات الناس من الجوع في الشام، لأن كل شيء سعره مرتفع، وأعرف الكثير مثلي الذين يعتمدون على مساعدات أبنائهم وإخوتهم وأقاربهم، الفقر في كل مكان، ولم أكن أتوقع بعمري أن يكون حالنا هكذا".

وشددت على أن البعض ليس لديه معيل أو قريب في تركيا أو غيرها من دول اللجوء، ما يجعل وضعهم الاقتصادي سيئاً جداً، ما جعل الكثيرات يلجأن للعمل في البيوت أو التسول لتأمين ثمن رغيف الخبز.

من جهته، قال أحمد عثمان، مدرس لغة عربية في حي الزاهرة بدمشق، إن الراتب لا يكفي لأول أسبوع في أحسن الأحوال، مع اقتصار ما نشتريه على الأساسيات.

وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا" أن ابنه طبيب أسنان يعيش في تركيا منذ عدة سنوات، ويرسل له شهرياً، حوالة مالية، تساعده على العيش وتأمين مستلزمات البيت، أحياناً يرسل 150 ألف ليرة، وأحياناً نصف مليون ليرة، بحسب عوائد عمله، لأن طب الأسنان يحتاج معادلة وجنسية، وهو يعمل بشكل غير نظامي لساعات محددة أسبوعياً".

ولفت عثمان إلى أن "الحياة في دمشق صعبة جداً، وفي تركيا صعبة ومكلفة، وطبعاً نعيش في بيتنا وليس لدينا إيجار شهري، وهذا بفضل الله يساعدنا جداً، وحوالة ابني تجعلني لا أحتاج وأمد يدي لأحد في آخر عمري".

ملايين الدولارات تصل يومياً إلى مناطق سيطرة النظام السوري

ولا يوجد أي بيانات رسمية من المصرف المركزي التابع لنظام الأسد أو جهة حكومية أخرى بخصوص حجم الحوالات اليومية التي تصل إلى سوريا سواء عبر الدولار أو الليرة، ما يجعل كشف ذلك رسمياً صعباً.

ومعظم العاملين في مجال التحويل بمناطق سيطرة النظام السوري يلتقون بالمُحول لهم من الخارج في مكان ما بدمشق أو ريفها، دون وجود أي مراكز مرخصة لهم.

ومن يسلم الحوالات للزبائن يتصل عبر تطبيق الواتساب حصراً دون استعمال خط الموبايل خوفاً من حصول مكروه أو اعتقال، فيما أن المردود يعد قليلاً مقارنة بمخاطر العمل.

وقال راجي جليلاتي العامل في مجال الحوالات بتركيا ولديه وكلاء في سوريا، إن سوريا يصل إليها يومياً أكثر من 5 ملايين دولار حوالات من جميع أنحاء العالم.

وأضاف لموقع "تلفزيون سوريا" أن هذا الرقم قد لا يكون دقيقاً 100%، لكن وفق مصادره في سوريا، الرقم لا يقل عن ذلك حتماً، فمكاتب التحويل عبارة  عن شبكات وجميعها مضطرة للتعامل مع النظام أو الأجهزة الأمنية للسماح لها بالعمل، وإن بقي غير الرسمي، أو المرخص لها نظامياً فالناس لا تفضل التعامل معها، لسوء سعر الصرف أولاً ولارتفاع بدل التحويل.

ولفت إلى أن الكثير من الشباب يحولون يومياً إلى سوريا، والمعظم يحول من الليرة التركية وليس من الدولار، وأجورنا خفيفة مقارنة بشركات أخرى تأخذ 5% فما فوق من قيمة الحوالة.

وفي نيسان عام 2021، قدر رئيس قسم المصارف في كلية الاقتصاد بدمشق الدكتور علي كنعان معدل حوالات الأشخاص بالقطع الأجنبي بنحو 3-4 ملايين دولار يومياً، مشيراً إلى أن هذا الرقم عادة ما يرتفع في رمضان لأكثر من 10 ملايين دولار، بحسب صحيفة الوطن الموالية لنظام الأسد.