من الرابح الأكبر في قمة هلسنكي؟

2018.07.21 | 00:07 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قال الباحث الإسرائيلى إبراهام بن تسيفى إن إسرائيل هي الرابح الأكبر من قمة هلسنكي الأخيرة بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، يمكن الاتفاق مع هذا التقييم، ولو بشكل عام خاصة أن الانطباع الأول بأن بوتين هو الرابح الأكبر مع ظهور ترامب كتابع عميل، أو حتى كمعجب يبحث عن سيلفي - كما قال أرنولد شوارزنيغر- قد تبدد مع سحب الرئيس الأمريكي معظم مواقفه وهداياه المجانية، تحديداً فيما يتعلق بالتدخل الروسي بالانتخابات الأمريكية، وإعلان مستشاره للأمن القومي جون بولتون عن رفض سحب قوات الاحتلال الأمريكي قبل انسحاب الاحتلال الإيراني وميليشياته من سوريا، ما يعني أن صفقة أوكرانيا مقابل سوريا لم تتم، ولا يبدو أنها ستتم أقله في المدى المنظور، وبالتالي فإن نقطة الاتفاق المتبقية الوحيدة في القمة كانت تلك المتعلقة بالحفاظ على أمن إسرائيل كهدف مشترك للرئيسين مع تأكيد ترامب على إعجاب بوتين بنتنياهو وسعيه أيضاً للحفاظ على أمن الدولة العبرية كهدف أساسي له.

في الحقيقة فإن قمة هلسنكي تضمنت أو سعت نحو صفقتين واحدة إسرائيلية روسية تتعلق بالوضع على الحدود بين سوريا وفلسطين المحتلة، وجرى التفاهم حولها بنقاش حوار مباشر ومفتوح بين موسكو وتل أبيب وبدعم تام طوال الوقت من واشنطن. أما الصفقة الثانية فكان يفترض أن تكون أمريكية روسية تتمحور أيضاً حول سوريا، وقامت تل أبيب مع حلفائها الجدد في الرياض، أبو ظبي بجهد أساسي من أجل إنجاحها، كما قال تقرير نيويوركر - 18 حزيران الماضي -  وهى المجلة الأمريكية الشهيرة المهنية والموثوقة.

الصفقة الروسية الإسرائيلية تم الحديث حولها في الإعلام مراراً كما كتبت عنها هنا أكثر من مرة،

موافقة روسيا الجديدة القديمة على استهداف الاحتلال الإسرائيلي للاحتلال الإيراني في سوريا، بمعناه أو بعده الاستراتيجي أو عندما تشعر تل أبيب بالتهديد لأمنها بالمفهوم الواسع المهووس والمتغطرس طبعاً.

وهي تتضمن قبول الاحتلال الإسرائيلى ببقاء نظام بشار الأسد عدم تهديده بأي حال من الأحوال باعتباره مصلحة للاحتلال الروسي مقابل تعهد موسكو بإبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود السورية الفلسطينية قرابة 80 كم، ربما أكثر أو أقل، غير أن أهم ما في الاتفاق تمثل بموافقة روسيا الجديدة القديمة على استهداف الاحتلال الإسرائيلي للاحتلال الإيراني في سوريا، بمعناه أو بعده الاستراتيجي أو عندما تشعر تل أبيب بالتهديد لأمنها بالمفهوم الواسع المهووس والمتغطرس طبعاً.

إذن الصفقة الروسية الإسرائيلية محدودة جغرافياً، بما يتعلق بوجود إيران وميليشياتها على الحدود وتل أبيب تترك أمر الاحتلال الإيراني الواسع للتفاهم الأمريكي الروسي مع احتفاظها بضرب هذا الاحتلال إذا ما اتخذ أي بعد استراتيجي بمعنى قواعد أو موانىء دائمة، أو نشر منظومات صاروخية تعتبرها مهددة لها.

هذا ينقلنا مباشرة إلى البعد الآخر من قمة هلسنكي والمتعلق بالصفقة الأمريكية الروسية حول سوريا، حيث تم ترك أمر الاحتلال الإيراني بمعناها الواسع ومتعدد الأبعاد لروسيا. وهنا أيضاً جرى تمهيد من قبل إسرائيل وحلفائها العرب، حيث سافر نتنياهو إلى موسكو الأربعاء قبل الماضي - 11 تموز/ يوليو - كما تحدث هاتفياً وبشكل مطول مع الرئيس الأمريكي السبت الماضي - 14 تموز/ يوليو، فيما اعتبر نوعا من التمهيد لقمّة هلسنكي، والحقيقة أن إسرائيل لم تعمل وحدها من أجل الصفقة الأمريكية الروسية حول سوريا، وإنما بمواكبة وتنسيق من حلفائها الجدد في العالم العربي، وتحديداً في الرياض وأبو ظبي، كما قال عن حق تقرير نيويوركر حزيران/ يونيو الماضي.

الصفقة التي كان عنوانها أوكرانيا مقابل سوريا، تضمنت إسقاط العقوبات الأمريكية المتخذة بحق موسكو على خلفية تدخلها في أوكرانيا واحتلالها لشبه جزيرة القرم، واعتراف واشنطن بهذا الاحتلال مع تحسين العلاقات الأمريكية الروسية بشكل عام في أبعادها المختلفة السياسية الاقتصادية والأمنية وتجاهل أو تجاوز التدخل الروسي في الانتخابات الأمريكية - الذى تم أساساً بعمل وتنسيق ودفع من الحلفاء الجدد في تل أبيب أبو ظبي الرياض - والاعتراف طبعاً بالاحتلال الروسي لسوريا، واعتباره اللاعب الأكبر والمتحكّم بالأمور هناك مع قبول بقاء نظام بشار الأسد أيضاً، ولكن شرط تعهد الرئيس الروسي بطرد أو إبعاد إيران عن سوريا بشكل تام، أقله في البعد العسكري المباشر، بمعنى إبعاد الميليشيات المشغلة إيرانياً بما فيها حزب الله كما بقية الميليشيات الطائفية، وطبعاً انسحاب المستشارين العسكريين الأمنيين الإيرانيين المشرفين مباشرة على الاحتلال الإيراني لسوريا.

صفقة أوكرانيا مقابل سوريا أو للدقة الإقرار باحتلال القرم إسقاط العقوبات الأمريكية مقابل إخراج الاحتلال الإيراني من سوريا تعقدت لعدة أسباب، وعلى الجبهتين. فالمؤسسة الأمريكية - وزارتا الخارجية والدفاع ومجلس الأمن القومي - تحفظت عليها لرفض الحلفاء الأوروبيين القاطع لها  إضافة إلى كونها أي المؤسسة ترفض مقايضة الاحتلال الأمريكي بالنتف وشرق الفرات بالاحتلال الإيراني، وهي أي المؤسسات الأمريكية اعتقدت أن التسوية السياسية لم يحن أوانها بعد،

روسيا إذن عاجزة عن إخراج إيران بالمعنى المادي للكلمة، وواشنطن تعتقد أنها غير مضطرة لتقديم أي تنازل  لأنها اللاعب الأقوى حتى مع احتلال روسيا للجزء الأكبر من الأراضي السورية.

وربما تنبهت مع تل أبيب إلى عجز أو عدم استطاعة موسكو إخراج إيران دون صفقة كبرى إقليمية باتت ترتبط بخروج ترامب من الاتفاق النووي وإعلانه الحرب الاقتصادية ضد طهران، وهذا في الحقيقة كان السبب الرئيسي لسفر على ولايتي – وزير خارجية خامنئي- إلى موسكو بالتزامن مع سفر نتنياهو من أجل التحضير لقمة هلنسكي أيضاً.

روسيا إذن عاجزة عن إخراج إيران بالمعنى المادى للكلمة، وواشنطن تعتقد أنها غير مضطرة لتقديم أي تنازل  لأنها اللاعب الأقوى حتى مع احتلال روسيا للجزء الأكبر من الأراضي السورية، ورغم قناعة ترامب بضرورة تحسين العلاقات مع موسكو والتفاهم معها حول صفقة أوكرانيا – سوريا، إلا أن العقبة الإيرانية تقف حجر عثرة في طريقها ومع نيل تل أبيب لمطالبها وتحقيق أمنها بتفاهم ولو محدود، ولكنه مهم كونه يحقق شروطها الرئيسية بات بإمكان واشنطن الانتظار لرؤية نتائج العقوبات الاقتصادية ضد إيران،  إضافة إلى الشعور أنَّ أوان التسوية السياسية الكبرى لم يحن بعد، وستكون الظروف أفضل بإضعاف أكبر لطهران مع عدم حسم بقاء نظام الأسد أقله من وجهة النظر المؤسساتية الأمريكية التي ترى أن من الصعوبة إنجاح وإنفاذ أي تسوية على المدى الطويل في وجود إيران وميليشياتها، كما في وجود الأسد نفسه.

عموماً ومع عدم خروج  قمة هلسنكى بنتائج جدية واقتصار التوافق فيها على حفظ وضمان أمن اسرائيل بتنا الآن وفي المدى المنظور على الأقل أمام شكل من أشكال تقاسم النفوذ مع ضمان مصالح اللاعبين الكبار في سوريا،طهران ليس بينهم وطبعاً مع تجاهل تهميش تام النظام، الذي بات مجرد أداة في يد موسكو  تتحكم تماماً بمصيره حرباً أو سلماً.