من أوسلو إلى "خطوة مقابل خطوة": بيدرسن يهندس خطة إجهاض الحلم السوري

2022.02.15 | 05:23 دمشق

89-990x536.jpg
+A
حجم الخط
-A

في العام 1993م، كان "بيدرسن" عضواً فاعلاً في الفريق النرويجي الذي أدار مفاوضات أوسلو السريّة، والتي أفضت كما هو معروف إلى توقيع اتفاق "أوسلو" بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وبغض النظر عن رأينا بهذا الاتفاق، فإن أهم تجليات هذا الاتفاق بعد ما يقرب من ثلاثين عاماً على توقيعه، يظهر جلياً في الحال الذي وصلت إليه القضية الفلسطينية.

رغم اختلاف طبيعة الصراع، وطبيعة أطرافه، إلا أننا يمكننا أن نتلمس كيف يحاول "بيدرسن" في مهمته كوسيط دولي في الملف السوري، أن ينجز حلاً يشبه إلى حد كبير اتفاق أوسلو بنتائجه وتداعياته.

منذ أشهر يحاول بيدرسن تسويق فكرة رئيسية، وهي أن مطلب رحيل عائلة الأسد عن رأس السلطة في سوريا يجب تجاوزه، مبرراً ذلك بادعاء خفوت الأصوات السورية المطالبة به، ومستنداً في توجهه هذا إلى ضغوط كل من روسيا وإيران والصين، وإلى تراجع اهتمام أوروبا وأميركا بالملف السوري، متجاهلاً عن عمد طبيعة الصراع السوري الذي هو في جوهره صراع بين شعب وطغمة فاسدة، فاشية تحكمه منذ ما يزيد على نصف قرن، ومتجاهلاً عن عمد أيضاً، حقيقة أن أي حل يُبقي على النظام السابق سيزج سوريا في دوامة من العنف مجدداً، وسيغلق في وجهها كل بوابات الانتقال إلى دولة قابلة للحياة وللتطور.

ماذا يعني عدم حدوث انتقال سياسي حقيقي في سوريا، وماذا يعني بقاء عائلة الأسد على رأس الطغمة الحاكمة في سوريا؟

إذا لم يتم انتقال سياسي حقيقي في سوريا وبقيت عائلة الأسد تحكم سوريا، فإن سوريا يراد لها عمدا أن تظل دولة فاشلة وعاجزة ومنهوبة

إن كان هذا السؤال في ذمة "بيدرسن" وغيره من جهات دولية متدخلة في الملف السوري، فإنه أولاً وأساساً في ذمة السوريين كلّهم، مهما تكن تصنيفاتهم ومواقفهم السياسية.

في محاولة قراءة نتائج السيناريو الذي يحاول "بيدرسن" تمريره، تظهر احتمالات هي الأكثر حظاً في الحصول، إن لم تكن هي الاحتمالات الوحيدة:

  1. إذا لم يتم انتقال سياسي حقيقي في سوريا وبقيت عائلة الأسد تحكم سوريا، فإن سوريا يراد لها عمدا أن تظل دولة فاشلة وعاجزة ومنهوبة، وتديرها عصابات ومافيات لها ارتباطاتها الخارجية، والأخطر هو أن الدولة التي ستكون أكثر قدرة على إدارة هذه الدولة ستكون إيران، مع ما يعنيه هذا من تبعات يمكننا رؤيتها بوضوح في المثال العراقي، لنقرأ فقط ماذا فعلت إيران بالعراق.
  2. إذا لم يتم انتقال سياسي حقيقي في سوريا، فإن كل الجرائم التي ارتكبت بحق السوريين ستطوى صفحتها، أو ستنتهي إلى مسرحية هزيلة يدفع فيها بعض الأشخاص "الكومبارس" ثمن هذه الجرائم، بينما يبقى المجرمون الحقيقيون في مواقعهم ليواصلوا جريمتهم، ولتبقَ الوقائع المرسخة بالقوة على الأرض كما هي.
  3. إذا لم يتم انتقال سياسي حقيقي، فإن العصابات، والمرتزقة، والميليشيات الطائفية ستتصدر المشهد في سوريا لفترة طويلة، وستصبح هي القوى الفاعلة في سوريا، وستصبح الدولة السورية مجرد واجهة لشبكة مافيات متعددة الأطراف، وإن كان السوريون قد خَبروا ماذا يعني أن تكون الدولة هي واجهة لحكم عصابة واحدة "عصابة آل الأسد"، فهم قادرون أن يتخيلوا كيف سيكون الأمر عندما تتعدد العصابات ويصبح رأسها المدبر في إيران.
  4. إذا لم يتم انتقال سياسي حقيقي في سوريا، فإن السوريين سيخوضون مرة أخرى حرباً أخرى، وستنفجر سوريا مجدداً في حرب ستقود إلى تقسيم سوريا، وبالتالي ستكون النهاية التي تتمناها أطراف دولية عدة، وتصب في السيناريو الذي يهدف لاستبدال الصراع العربي الاسرائيلي بالصراع السني الشيعي، مع ما يعنيه هذا الاستبدال من زج لشعوب هذه المنطقة في صراع طويل يرغمها على تفويت فرص تحولها إلى دول حديثة، ويستنزف كل إمكاناتها، ويجبرها على التبعية والارتهان لأطراف خارجية.

من الجلي والواضح جداً، ولا يحتاج لعناء كثير أن يدرك السوريون كيف ستكون سوريا لو بقيت عائلة الأسد في موقع الحكم، فأمامهم نصف قرن من الشواهد، والأرقام، والمعطيات، والوقائع، والأدلة..الخ، وكلها بلا استثناء تقول بلغة واضحة أن من عمل طوال نصف قرن على تدمير سوريا، ونهبها، وإفساد الدولة فيها، وتحويلها إلى دولة فاشلة، وكان يفعل هذا عندما كانت سوريا قوية وقادرة ولديها اقتصادها وجيشها، سيقوم ببيع سوريا علنا بعد أن أوصلها لهذه الحالة من الضعف.

ليس أمام السوريين خيار آخر، فإمّا انتقال سياسي حقيقي يستعيد فيه السوريون قرارهم الوطني، ليعيدوا بناء دولتهم، وإما الذهاب إلى استنقاع مأساتهم، وتلاشي كل إمكانات إعادة بناء وطنهم ودولتهم، وأي حديث عن انتقال سياسي بوجود العصابة التي تقودها عائلة الأسد هو حديث بلا أي قيمة، وهو ليس أكثر من تخدير مؤقت لألم فظيع يعيش السوريون فيه اليوم.

ما دفع السوريون لأجله مليون شهيد من أجمل أبنائهم، هو أكبر بكثير من صورة للذكرى

إذا كان بيدرسن يحلم بأن يضيف لسجله السياسي صورة أخرى، كتلك التي يتم تداولها عندما تصافح في 13 سبتمبر 1993م رئيس الوزراء الإسرائيلي "إسحاق رابين" و"ياسر عرفات" رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، فوق عشب البيت الأبيض أمام أعين الرأي العام العالمي، فإن ما دفع السوريون لأجله مليون شهيد من أجمل أبنائهم، هو أكبر بكثير من صورة للذكرى، فهناك أطفال بلا مستقبل يريد السوريون أن يكون لهم مستقبلهم الآمن، وهناك وطن مهدد بالزوال يريد السوريون له أن يكون وطنا يفخرون به، وهناك ملايين السوريين يريدون مغادرة خيامهم وغربتهم ليعودوا إلى بيوتهم حتى لو كانت مدمرة، وهناك ... وهناك.

سيد بيدرسن:

من قال لك أن السوريين سيعودون مرة أخرى لتحكمهم عائلة الأسد، أو أنهم سيقبلون بحكمها مرة أخرى، كان كاذباً، وإن كنت لا تصدقني فهناك ملايين السوريين الذي يرتجفون برداً، ويتضورون جوعاً في خيامهم وشتاتهم، وهم يفضلون البقاء في ظروفهم اللاإنسانية والبالغة القسوة على حكم عائلة الأسد، اسألهم ستعرف حينها ماذا يريد السوريون.