يجد الجيش الوطني السوري نفسه أمام اختبار صعب، بعد خسارة كبيرة مُني بها، تمثلت بمقتل 13 عنصراً من قواته إثر تسلل نفذته عناصر من "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) على أحد المحاور القتالية في ريف حلب الشرقي.
العملية التي تم تنفيذها ليلاً أثارت تساؤلات عديدة حول جاهزية الجيش الوطني وقدرته على التعامل مع هذه التحديات والاختراقات التي باتت تتكرر بشكل شبه أسبوعي.
تكرار مثل هذه العمليات في الأشهر الأخيرة، والتي تسفر عن وقوع عدد كبير من القتلى، يضع علامات استفهام حول الاستراتيجية العسكرية المتبعة لدى الجيش الوطني، فعلى الرغم من الخسائر، تبدو ردود الفعل محدودة، حيث يقتصر الأمر على بيانات تعزية ووعيد تصدرها وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة وفصائل الجيش الوطني، دون أن تترجم تلك الوعود إلى إجراءات ملموسة على الأرض.
وأثار غياب التحرك الواضح من قبل فصائل الجيش الوطني السوري لردع هذه الاختراقات موجة من الانتقادات بين الأوساط الشعبية والمراقبين العسكريين، فبينما تسعى "قسد" لإبراز قوتها عبر عمليات مفاجئة وموجعة، يبدو الجيش الوطني عاجزاً عن إيجاد آلية فعّالة للتعامل مع هذا النوع من التسللات.
تفاصيل العملية الأخيرة
في ليلة الأحد - الإثنين، سقط عدد من القتلى والجرحى في صفوف الجيش الوطني السوري، نتيجة عملية تسلل نفذتها "قوات سوريا الديمقراطية" على محاور بريف مدينة الباب شرقي حلب.
وأفاد مراسل تلفزيون سوريا بأن مجموعات من "قسد" تسللت على محور "البويهج - العجمي" شرقي مدينة الباب، بالتزامن مع اندلاع اشتباكات على محاور الكريدية، وحزوان، والدغلباش.
وأشار المراسل إلى أن عملية التسلل أسفرت عن مقتل 13 من عناصر "حركة التحرير والبناء" في الجيش الوطني، وإصابة آخرين بجروح، إضافة إلى سقوط قتلى وجرحى من عناصر "قسد" من جراء الاشتباكات.
وبحسب مصادر محلية، فإن "قسد" تسللت إلى نقاط لـ"أحرار الشرقية" على محور البويهج، وتمكنت من السيطرة عليها، وبدأت باستهداف مجموعات المؤازرة التي أرسلها الجيش الوطني.
وأصدرت "حركة التحرير والبناء" بياناً قالت فيه: "إننا سائرون على خطا شهدائنا، ولن يثنينا عن ذلك أي مانع، وعهد علينا أن دماء شهدائنا لن تذهب هدراً، بل هي منارة لنا لإكمال درب النضال والتضحية".
كما أصدرت عدة فصائل في الجيش الوطني السوري ومؤسسات عاملة في ريف حلب الشمالي بيانات حول الحادثة، حيث قالت "القوة المشتركة" في الجيش الوطني: "إننا نؤكد تضامننا الكامل مع إخواننا في حركة التحرير والبناء في هذا المصاب الجلل، ونؤكد لأهلنا السوريين وذوي الشهداء أننا سننتقم لأرواح الشهداء ونواصل عملياتنا العسكرية حتى إسقاط نظام الأسد المجرم واجتثاث الإرهابيين من جذورهم، وفي مقدمتهم تنظيمات PKK وPYD، وحماية المناطق المحررة من خطرهم وإعادة الأمن والاستقرار لكل المناطق السورية"، بحسب البيان.
أما فصيل "الجبهة الشامية" في الجيش الوطني، فقد قال: "إن دماء الشهداء الزكية التي سالت لن تزيدنا إلا إصراراً على التمسك بقضيتنا العادلة وبمبادئ ثورتنا، ونذكّر بأن واجب الوقت يحتم علينا جميعاً الوقوف صفاً واحداً، والعمل على رص صفوفنا لمواجهة الاستحقاقات على مستوى المناطق المحررة والثورة السورية بشكل عام".
من جهته، قال رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى في تغريدة على "إكس": "ارتقى عدد من الشهداء من أبطال الجيش الوطني على جبهة البويهج والعجمي، في عملية تسلل غادرة نفذتها ميليشيات قنديل الإرهابية (...) الحكومة السورية المؤقتة تؤكد أن دماء الشهداء لن تذهب هدراً، وأن الجيش الوطني الذي تصدى للإرهاب مراراً لن يتهاون في الرد الحازم على هذه الأيادي الآثمة، وسيلاحق المجرمين أينما كانوا".
غياب الردود العسكرية
على الرغم من الخسائر التي تكبدها الجيش الوطني السوري، لم يصدر حتى الآن أي رد عسكري ملموس من قبل فصائله على الأرض.
وتعتمد "قوات سوريا الديمقراطية" في عملياتها على تكتيكات حرب العصابات التي ترتكز على المفاجأة والسرعة في التنفيذ، ووفق اعتقاد عدد من الخبراء العسكريين، تهدف "قسد" من هذه الاستراتيجية إلى استنزاف الجيش الوطني السوري وإبراز قوتها كفاعل رئيسي في الشمال السوري.
ويرى محللون عسكريون أن هذه التكتيكات تهدف أيضاً إلى إيصال رسائل سياسية للجهات الإقليمية والدولية بأن "قسد" ما تزال تتمتع بالقدرة على المناورة والضغط في مناطق التماس.
في المقابل، يواجه قادة الجيش الوطني السوري ووزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة موجة من الانتقادات بسبب غياب استراتيجية فعّالة للتعامل مع هذه العمليات، فبينما تعلن الفصائل عن نواياها في الرد، يبقى التنفيذ غائباً على الأرض، مما يثير الشكوك حول الجاهزية العسكرية، ويعمّق الفجوة بين القيادة والمقاتلين في الميدان.
وتعيد هذه الخسائر التذكير بأن الجيش الوطني السوري بحاجة ماسة لإعادة تقييم خططه الدفاعية والهجومية على حدٍ سواء، إذ قال مصدر عسكري في الجيش الوطني السوري لموقع تلفزيون سوريا: "من المهم تعزيز نقاط التماس بمزيد من الإجراءات الوقائية عبر الكاميرات والنواظير الليلية، وتسيير الدوريات الليلية، إلى جانب تفعيل الردع السريع والتعامل مع القوى المتسللة فور رصدها لإفشال أي محاولات تسلل قبل وقوعها".
أسباب ضعف الأداء العسكري للجيش الوطني السوري
يواجه الجيش الوطني السوري انتقادات متزايدة بسبب أدائه العسكري الذي يوصف بالضعيف خلال السنوات الماضية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالعمليات التي تنفذها "قسد".
وترجع مصادر عسكرية متطابقة سوء الأداء إلى ضعف التدريب العسكري والتجهيزات، إذ تعاني قوات الجيش الوطني من نقص واضح في التدريب العسكري المتخصص، كما تفتقر العديد من الفصائل إلى برامج تدريبية مهنية تُعزز من كفاءة المقاتلين وتُعدّهم لمواجهة تكتيكات حديثة تعتمدها خصومهم، مثل "قسد".
إضافة إلى ذلك، تُظهر العديد من الجبهات ضعفاً في تجهيزات الدفاع الليلي، بما في ذلك الأنظمة الحرارية وأجهزة المراقبة، مما يترك ثغرات كبيرة تُستغل في عمليات التسلل.
وعلى الرغم من تبعية الفصائل الاسمية للجيش الوطني السوري، إلا أن غياب التنسيق الحقيقي بين الفصائل المختلفة يضعف الجبهات بشكل كبير، إذ يُلاحظ في كثير من الأحيان أن كل فصيل يدير عملياته بشكل مستقل، مما يؤدي إلى تشتت الجهود وعدم القدرة على مواجهة عمليات التسلل.
إضافة إلى ذلك تمثل الاستخبارات الميدانية ركيزة أساسية في نجاح العمليات العسكرية أو الدفاعية، إلا أن الجيش الوطني يعاني من قصور واضح في هذا الجانب، إذ يعتمد الجيش بشكل كبير على معلومات قد تأتي متأخرة أو من خلال التنصت على أجهزة اللاسلكي بالنسبة للخصم، مما يتيح لـ"قسد" تنفيذ عملياتها المفاجئة بسهولة ودون مواجهة فعالة.
ما سر تفوق "قسد"؟
نجحت "قسد" بتكرار مثل هذه العمليات خلال السنوات الماضية، ويعزو عناصر في الجيش الوطني السوري ذلك، إلى استخدام قسد قناصات حرارية متطورة، والتي تمنحها ميزة كبيرة في العمليات الليلية، إذ تُتيح لها استهداف عناصر الجيش الوطني بدقة عالية.
وتعتمد "قسد" على تكتيكات حرب العصابات، التي تتطلب فرقاً صغيرة تتحرك بسرعة وفعالية، مع استخدام أسلوب التسلل لضرب أهداف محددة وإحداث أكبر قدر من الضرر بأقل كلفة بشرية، ثم الانسحاب.
ويبدو أن "قسد" قد نجحت باستغلال نقاط الضعف والثغرات في خطوط ونقاط رباط الجيش الوطني، خاصةً في المواقع التي تعاني من نقص التجهيزات أو ضعف الحراسة الليلية، لا سيما أن التنسيق شبه معدوم بين الفصائل، والتي يقتصر دور بعضها في خطوط التماس على عمليات تهريب البشر والبضائع.
هل سيصحو الجيش الوطني؟
قال مصدر عسكري في الجيش الوطني السوري، إنّ مختلف فصائل الجيش تظهر عبر إعلامها سعيها المستمر لتطوير قدرات مقاتليها من خلال المعسكرات، لكن تكرار عمليات "قسد" ونجاحها في تحقيق أهدافها، تطرح إشارات استفهام حول ما تدعيه الفصائل من تطوير للأداء العسكري.
وأضاف المصدر في حديث مع موقع تلفزيون سوريا: "بكل أسف، غالب ما تنشره الفصائل يكون بغرض الدعاية، وفي إطار تنافس الفصيل مع الفصائل الأخرى في الجيش الوطني نفسه، خاصة إذا كان ذاك التشكيل على خصومة مع تشكيل منافس، كما نلحظ غياب دور وزارة الدفاع التي يبدو أنها تشكيل صوري يقتصر عمله على الترحيب بإجراءات الاندماج والانشقاق بين فصائل الجيش الوطني عبر بيانات زهق منها الأهالي".
واقترح المصدر على وزارة الدفاع التركيز على تطوير برامج تدريب عسكري شاملة تُعدّ المقاتلين لمواجهة تكتيكات معقدة مثل التسلل الليلي واستخدام القناصات الحرارية، مشيراً إلى إمكانية الاستفادة من خبرات عسكرية متخصصة للضباط المنشقين وتوفير دورات تدريبية حول تقنيات الرصد الليلي وحروب العصابات.
وشدد على ضرورة اعتماد تقنيات مراقبة متطورة في نقاط الرباط، مثل الكاميرات الحرارية وأجهزة الرؤية الليلية، بحيث يمكن نشر فرق مراقبة ليلية متخصصة تعمل على تغطية نقاط التماس بشكل دوري ومُنظم، كما يجب تعزيز مواقع الجيش الوطني بإجراءات وقائية مثل زرع الألغام في النقاط المتقدمة.
وللحد من خطورة القناصات الحرارية التي تستخدمها "قسد"، أشار المصدر إلى أهمية توفير عتاد عسكري حديث يشمل سترات واقية مضادة للحرارة وأغطية تمويه حراري تقلل من ظهور المقاتلين على أجهزة الرصد الحراري.
ويمكن للجيش الوطني السوري إنشاء وحدات متخصصة للتعامل مع التسللات الليلية، تتمتع بسرعة الحركة والقدرة على التدخل الفوري، على أن تكون مجهزة تجهيزاً كاملاً بعتاد حديث، بما في ذلك أسلحة خفيفة ووسائل رؤية ليلية، مع تعزيز التنسيق بين الفصائل المختلفة، كإنشاء غرفة عمليات مشتركة لإدارة العمليات الميدانية، والتنسيق في توزيع المهام والمعلومات بين مختلف المجموعات العسكرية.