icon
التغطية الحية

منبج تكشف كنزاً رومانيّاً عمره 2000 عام.. لوح بازلتي بنقش نسر وإكليل غار

2025.08.26 | 18:41 دمشق

آخر تحديث: 26.08.2025 | 18:51 دمشق

لوح أثري نقش عليه نسر يعود للحقبة الرومانية عثر عليه في مدينة منبج السورية
لوح أثري نقش عليه نسر يعود للحقبة الرومانية عثر عليه في مدينة منبج السورية
The Ancient Origins- ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A
إظهار الملخص
- اكتشاف أثري في منبج: تم العثور على لوح روماني عمره 2000 عام يحمل نقشًا لنسر وإكليل غار، مما يعكس الرمزية الرومانية وتنوع التراث الثقافي في الشمال السوري.
- الرمزية الثقافية للنسر والنقوش الإغريقية: يرمز النسر للقوة والسلطة في الحضارة الرومانية، بينما تشير النقوش الإغريقية إلى اندماج ثقافي في الولايات الشرقية.
- التحديات والحفاظ على التراث: تعرضت منبج لمخاطر خلال الحرب السورية، لكن وعي المجتمع ساهم في حماية التراث، مما يعزز فهم الحضارة السورية القديمة.

عثر في المدينة الأثرية بمنبج على لوح روماني عمره 2000 عام حفر عليه نسر يحمل إكليل غار، وهذا النصب الجنائزي المصنوع من حجر البازلت الأسود مزين بنقوش إغريقية تعبر وبطريقة فريدة عن الأسلوب الرمزي الذي كان متبعاً أيام الإمبراطورية الرومانية كما يعبر هذا اللوح عن تنوع التراث الثقافي للشمال السوري خلال العصور القديمة.

اكتشف هذا اللوح الأثري عندما لاحظ أحد أهالي المنطقة وجود صخرة كبيرة خلف سوق الهال بمنبج الواقعة شرقي حلب، وبما أنه أدرك أهميتها البالغة، لذا أبلغ مديرية المتاحف والأثار بالخبر، وعلى الفور وصلت فرق الآثار لتأمين تلك القطعة الأثرية ونقلها إلى موقع الحمام الأثري بمنبج وذلك من أجل حفظها بمكان أمين قبل نقلها إلى حلب لإجراء تحليل شامل عليها.

 

استخراج اللوح الأثري من مخبأه في منبج

حجارة تحمل رموز الإمبراطورية

يشير هذا النسر المنقوش على اللوح إلى معنى رمزي عميق كان هذا الطائر العظيم يحمله أيام الإمبراطورية الرومانية، إذ يمثل النسر القوة الإلهية في الحضارة الرومانية، كما يشير إلى التفوق العسكري والحياة الأبدية، وبما أن هذا الطائر كان مقدساً لدى كبير آلهة الرومان، جوبيتير، ولذلك كانت النسور تزين في كثير من الأحيان بشارات عسكرية وإمبراطورية وعلامات جنائزية في مختلف المناطق التي كانت تتبع للإمبراطورية الرومانية والتي كانت تمتد على مساحات شاسعة.

يظهر النسر المحفور على هذا اللوح الذي عثر عليه بمنبج ناشراً جناحيه حاملاً إكليل غار والذي يرمز إلى السلطة الإمبراطورية والانتصار والخلود، وتظهر تلك التصاوير عادة على الآثار الجنائزية حيث يرتبط النسر بالحماية الألهية ورحلة الروح إلى العالم الآخر بما يبث شيئاً من السلوان في نفوس المكلومين على وفاة الفقيد ويضفي حالة من التكريم عليه.

 

نقش جنائزي يصوِّر نسرًا داخل إكليل من السَّنديان من روما القديمة

النقوش الإغريقية.. جسر بين الثقافات

يؤكد وجود نص إغريقي على هذا اللوح الذي يعود للفترة الرومانية إلى وجود حالة اندماج ثقافي متطور في الولايات الشرقية التابعة للإمبراطورية، فقد كانت الإغريقية لغة التواصل المشتركة في معظم مناطق شرقي البحر المتوسط، وكان الرومان من رجال الدولة يستعينون بتلك اللغة كثيراً في الكتابات الرسمية، وخاصة في المناطق التي تلتزم بتقاليد هيلينستية راسخة.

 

وهذه النقوش تشتمل في أغلب الأحيان على معلومات أساسية تخص الشخص الفقيد، ومن بينها اسمه وأسماء أقاربه، ووضعه الاجتماعي أو إنجازاته العسكرية. وعند ترجمة النص كاملاً، يمكن أن تظهر تفاصيل حول الأساليب الاجتماعية التي كانت سائدة في منبج خلال الحقبة الرومانية إلى جانب التعرف بشكل أكبر على سكان تلك المنطقة وذلك خلال الفترة التي وصلت فيها سطوة تلك الإمبراطورية إلى ذروتها.

الخطر المتربص بآثار منبج

عرفت منبج في التاريخ القديم باسم هيرابوليس بامبيس، وازدهرت لتصبح مركزاً دينياً وتجارياً مهماً في الشمال السوري، حيث اشتهرت تلك المدينة بمعبد إلهة الخصب السورية أتارغاتيس، والذي كان الحجاج يؤمونه من مختلف أصقاع العالم. وخلال فترة الحكم الروماني، حافظت منبج على أهميتها كمركز إداري إقليمي وقطب من أقطاب التجارة.

تنظيف اللوح الأثري بعد استخراجه

 

إلا أن الحرب السورية المدمرة عرّضت الكنوز الأثرية لسوريا لمخاطر لم يسبق لها أن تعرضت لها، إذ تقدر المديرية العامة للآثار والمتاحف سرقة نحو مليون قطعة أثرية خلال الفترة ما بين 2011-2019، في حين تعرض أكثر من 700 موقعاً أثرياً لدمار شديد.

 

تحولت منبج بحد ذاتها إلى مركز للإتجار غير المشروع بالآثار خلال فترة الحرب، إذ بعد خضوعها لسيطرة عدد من الفصائل، جردت عصابات نهب منظمة تلك المدينة من تراثها الأثري بصورة ممنهجة، ثم سيطرت قوات سوريا الديمقراطية على منبج في عام 2016 فنشرت فيها شيئاً من الاستقرار، إلا أن عمليات الحفر بحثاً عن الآثار وتهريبها بشكل مخالف للقانون استمرت على اختلاف النظم الإدارية التي حكمت المدينة.

يقظة المجتمع تنقذ الآثار

تشير عملية الاستعادة الناجحة لهذا اللوح الذي نقش عليه نسر إلى أهمية الوعي المجتمعي في حماية التراث الثقافي للبلد حتى في ظل استمرار حالة انعدام الاستقرار، وذلك لأن استعداد الأهالي للإبلاغ عن أي اكتشاف أثري بدلاً من التربح من تلك المكتشفات بطريقة غير مشروعة يعتبر أحد العوامل الأساسية لحفظ التراث السوري للأجيال القادمة.

يضاف هذا الاكتشاف إلى سلسلة كبيرة من المكتشفات التي توثق هيمنة الثقافة الرومانية على الشمال السوري، إذ يعبر نقش النسر على اللوح والكتابات الإغريقية مع جودة الصنعة عن وجود تقاليد فنية متطورة ازدهرت أيام الحكم الروماني للمنطقة، ومع مواصلة الباحثين لتحليل هذه القطعة الأثرية المميزة، تعزز لديهم فهم أوسع للحضارة السورية القديمة ولطغيان الرموز الإمبراطورية التي تعبر عن السطوة والقوة في مختلف مناحي الحياة الثقافية.

ينتظر لوح النسر دوره في حلب ليجري عليه الباحثون الدراسة اللازمة يأمل هؤلاء بأن يفكوا أسرار النص الإغريقي القديم المنقوش على اللوح حتى يقدموا سردية أشمل عن التراث الأثري الثري لسوريا أيام الحقبة الرومانية.

 

المصدر: The Ancient Origins