
عاد ملف السلاح الكيميائي في سوريا إلى الواجهة مجدداً عقب سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد، حيث يستعد فريق من خبراء منظمة حظر الأسلحة الكيميائية للانتشار في سوريا لمعالجة القضايا العالقة، في حين يزور الأمين العام للمنظمة العاصمة دمشق لأول مرة بعد سقوط النظام، للقاء المسؤولين السوريين.
وخلال الأسابيع الماضية، برز ملف الأسلحة الكيميائية السورية كأحد الشروط الأساسية التي وضعتها الدول الغربية للاعتراف بالسلطة الجديدة. وطالب مجلس الأمن الدولي الحكومة السورية بالامتثال لجميع القرارات الدولية المتعلقة بحظر الأسلحة غير التقليدية، وسط جهود دولية مكثفة لضمان القضاء التام على أي عناصر متبقية من الترسانة الكيميائية للنظام السابق.
وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة خاصة بشأن سوريا في 19 كانون الأول 2024، شدد خلالها الأعضاء على ضرورة التزام السلطة الجديدة بإجراءات التحقق والتفتيش لضمان تفكيك المخزون الكيميائي المتبقي.
وفي جلسة أخرى بتاريخ 9 كانون الثاني 2025، أكدت نائبة السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، دوروثي شيا، أن "عملية الانتقال السياسي يجب أن تتضمن تحديد جميع عناصر برنامج الأسلحة الكيميائية المتبقية، وتأمينها، وتدميرها بإشراف دولي".
وأعربت عن تفاؤل بلادها بمدى التعاون الحالي، لكنها شددت على ضرورة استمرار العمل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لضمان تنفيذ خطة التدمير الكامل للترسانة الكيميائية السورية بطريقة قابلة للتحقق.
فجوات في الإعلان بشأن برنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا
ورغم سقوط نظام الأسد، لا تزال هناك تساؤلات حول اكتمال الإعلان عن تفكيك البرنامج الكيميائي. إذ سبق أن أكد فريق تقييم الإعلان في منظمة حظر الأسلحة الكيميائية وجود 24 قضية عالقة، تم حل أربع منها فقط، فيما بقيت 20 قضية مفتوحة.
وتشمل القضايا المعلقة ثلاث ملفات رئيسية:
- قضية تتعلق بدور الدراسات والبحوث العلمية في برنامج الأسلحة الكيميائية.
- 16 قضية تتعلق بنتائج تحليلات العينات التي كشفت عن وجود ثمانية عوامل حرب كيميائية لم يُعلن عنها سابقاً، مما يثير الشكوك حول أنشطة غير مصرح بها، ويشير إلى احتمال وجود أسلحة كيميائية غير معلنة تم بحثها وتطويرها وإنتاج أو استخدامها كسلاح.
- سبع قضايا تتعلق بأنشطة غير موثقة، تشمل إنتاج أو تدمير أو تسرب كميات من العوامل الكيميائية قبل انضمام سوريا إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية، والتي تتلخص في التدمير من جانب واحد، والاستخدام في أنشطة الاختبار أو انسكاب كميات كبيرة من العوامل الكيميائية أو السلائف أو الذخائر قبل دخول الاتفاقية حيز التنفيذ بالنسبة لسوريا.
وخلال جلسة لمجلس الأمن في 6 كانون الأول 2024، أكدت ممثلة شؤون نزع السلاح في الأمم المتحدة، إيزومي ناكاميتسو، أن "إعلان النظام السوري بشأن برنامجه الكيميائي لا يمكن اعتباره دقيقاً أو كاملاً حتى الآن"، مشيرة إلى استمرار المخاوف بشأن كميات غير معروفة من الذخائر الكيميائية والمواد السامة.
تحركات ميدانية لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية في سوريا
في ظل تصاعد الضغوط الدولية، تستعد منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لإعادة نشر فرقها في سوريا لاستكمال عمليات التفتيش والمراقبة، حيث ستتخذ المنظمة خطوات نشطة لحل القضايا العالقة، ويستعد فريق من الخبراء للانتشار في سوريا على الأرض والتعاون مع المتخصصين السوريين، وفق ما كشف مندوب روسيا لدى منظمة حظر الأسلحة الكيميائية.
وذكر المسؤول الروسي أن حواراً قد بدأ بين السلطات السورية الجديدة والمبعوث الأممي الخاص، غير بيدرسن، بالتنسيق مع المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، لبحث آليات الإغلاق النهائي للملف الكيميائي السوري.
وفي تطور لافت، وصل رئيس منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فرناندو أرياس، إلى سوريا اليوم السبت في أول زيارة له بعد سقوط النظام السوري. وبحسب مصادر خاصة، يترأس أرياس وفداً فنياً رفيع المستوى للقاء مسؤولين سوريين وبحث خطة تفكيك البرنامج الكيميائي.
وأفادت وكالة "رويترز" بأن الوفد يضم فريق تحديد الهوية، المسؤول عن تحديد الجهات التي استخدمت السلاح الكيميائي في سوريا، إضافة إلى رئيس فريق تقييم الإعلان، المكلف بالتحقق من امتثال سوريا لبنود اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية.
الإدارة السورية الجديدة وتعهدات للغرب بالتعاون
من جانبها، أكدت الإدارة السورية التزامها بالتعاون الكامل مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية لضمان إنهاء هذا الملف نهائياً. كما أبدت استعدادها لاستقبال فرق التفتيش الدولية، وتقديم الضمانات الأمنية اللازمة لتمكينها من أداء مهامها دون عوائق.
وتأتي هذه التعهدات في ظل مساعٍ دولية لدعم عملية الانتقال السياسي في سوريا، حيث وضعت ألمانيا خطة من ثماني نقاط تشمل دعم الانتقال السلمي، وإعادة الإعمار، وضمان مستقبل حر وديمقراطي لسوريا خالية من الأسلحة الكيميائية، فيما تعتبر الدول الغربية ملف الأسلحة الكيميائية في سوريا عاملاً حاسماً في تحديد شكل العلاقة المستقبلية مع الحكومة الجديدة.
ورغم تعهد دمشق بالتعاون، لا تزال هناك فجوات وتناقضات في الإعلان السوري، ما يدفع المجتمع الدولي إلى تكثيف الضغوط لضمان التحقق الكامل من تدمير جميع العناصر الكيميائية المتبقية.
تحديات التنفيذ ومخاوف من بقاء المخزون الكيميائي
ورغم التحركات الدولية، لا تزال هناك تحديات تعيق إغلاق الملف الكيميائي في سوريا بالكامل، من أبرزها:
- صعوبة تحديد مواقع جميع المخزونات الكيميائية والوصول إليها، خاصة مع استمرار التوترات الأمنية في بعض المناطق.
- عدم توفر ضمانات كافية حول تعاون جميع الأطراف داخل سوريا، لضمان تنفيذ عمليات التفتيش دون عوائق.
- مخاوف دولية من وجود كميات غير معلنة من المواد الكيميائية والذخائر، مما يثير تساؤلات حول إمكانية إغلاق الملف نهائياً.
وفي ظل هذه التطورات، يبقى ملف الأسلحة الكيميائية أحد أهم العقبات أمام الاعتراف الدولي بالحكومة الجديدة، وسط تحديات أمنية وسياسية قد تؤثر على تنفيذ عمليات التفتيش والتدمير بشكل نهائي.