ملفات سورية مقفلة في انتظار الحل

2021.07.21 | 06:44 دمشق

آخر تحديث: 21.07.2021 | 06:44 دمشق

4-15.jpg
+A
حجم الخط
-A

كشف تقرير (بالأرقام) للأمم المتحدة نشر مؤخرا عن أزمة اللاجئين والنازحين السوريين، بعد عشر سنوات من الثورة والحرب مرت على سوريا والسوريين، حيث يحدد التقرير ما عدده ستة ملايين وسبعمئة ألف سوري لاجئا وطالبا للجوء في أكثر من مئة وثلاثين دولة في العالم، ستة وستون في المئة منهم من الأطفال والنساء، ويعيش مليون وثمانمئة ألف منهم في المخيمات والمستوطنات العشوائية، وهي نسبة مهولة ومخيفة بالنظر إلى أوضاع المخيمات والعشوائيات الكارثية على المستوى اللوجستي والإنساني، لا سيما ما يتعلق بالأطفال والتسرب من التعليم، والخضوع لمدارس شرعية، سوف تزيد من حجم الكارثة السورية في المستقبل، أو عمالة الأطفال المنتشرة في دول الجوار، والتي لا يمكن الحد منها في ظل الأوضاع التي يعيشها اللاجئون في المخيمات، أو بالنظر إلى أوضاع الدول المستضيفة السياسية والاقتصادية.

ما يحدث لسوريا وبها وللسوريين ليس في وارد المجتمع الدولي الذي اعتبر أنه قدم ما عليه للسوريين عبر ملفي التوطين واللجوء، وعبر منظمات المجتمع المدني التي أنشأها

تشكل أوضاع اللاجئين في المخيمات والدول المجاورة، ملفاً مهماً مضافاً إلى ملف المعتقلين والمختفين في سجون النظام السوري، وسجون الكتائب المسلحة المنتشرة في شمال سوريا وفي شرقها، وهما الملفان الأكثر إلحاحاً وضرورة في الملفات السورية الكثيرة، وهما أيضاً ما يجب أن تصبّ كل جهود المعارضة السياسية وناشطي حقوق الإنسان في سبيل إيجاد حلول جذرية لهما، ولا يخفى أن هذين الملفين يحتاجان، بالضرورة، إلى ضغط المجتمع الدولي، وإلى قرارات ملزمة وحاسمة، تفرض على النظام السوري، وعلى الدول المجاورة التي تتوزع على أراضيها مخيمات اللجوء السورية، أو تلك الداعمة للفصائل والكتائب المسلحة، فمن دون ضغط كهذا لا يمكن الوصول إلى أي حل جذري لأحد من الملفين، وهو ما يبدو بعيد المنال، وليس في وارد المجتمع الدولي حالياً، ولا في وارد الأمم المتحدة وعدالتها الدولية، إذ ما يبدو الآن أن ما يحدث لسوريا وبها وللسوريين ليس في وارد المجتمع الدولي الذي اعتبر أنه قدّم ما عليه للسوريين عبر ملفي التوطين واللجوء، وعبر منظمات المجتمع المدني التي أنشأها، وموّلت مشاريع مختلفة في المخيمات وفي الداخل السوري، أو عبر ملف الإغاثة الذي تمسك به روسيا بقوة في الوقت الحالي، وتفاوض لمصالحها عبره، بينما الأسد مع نظامه مشغول  بالقسم بعد مهزلة الانتخابات الأخيرة، تاركاً السوريين، بمن فيهم مؤيدوه، في مهب الريح، بعد أن أصبحت سوريا بلداً لا يصلح للعيش، حيث الغلاء الفاحش وانهيار الليرة، وفقدان لأساسيات العيش (ماء وكهرباء ووقود)، فيبدو أن الثمن الذي دفعه مؤيدوه من أرواح أبنائهم في سبيل بقائه على كرسيه لا يكفي، عليهم أيضاً أن يدفعوا ثمن أنهم ما زالوا يعيشون في سوريا المنكوبة، وهذا ملف مُلحّ آخر، الوضع المعيشي بالغ السوء في الداخل السوري، حيث يعيش قرابة ثمانين في المئة من عدد السكان حالياً تحت خط الفقر، بحسب آخر تقرير لمنظمة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة؛ تقول لي صديقة تعيش في إحدى المحافظات السورية الأكثر تأييدا للنظام: (لا أحد يعرف كيف تمر علينا الأيام، نحن نعيش على آخر نفس، كل شيء مفقود، وهذا الصيف حرّ قاتل، لا كهرباء ولا ماء ولا شيء يخفف معاناتنا، نحن نموت حرفياً من كل شيء، وأحدث طريقة لموتنا هي من شدة الحر، قبل أيام مات جار لنا من فرط ما تعرق فقد جسمه كل الماء ومات، ليتنا خرجنا من سوريا مثلكم، سعيد الحظ من فعل ذلك، والأسعد من يتمكن الآن من الخروج، تخيلي أنا حالياً ممنوعة من السفر)!.

والحال، أنه ما من ملف يختص بسوريا حالياً إلا ويمكن وضعه تحت بند (العاجل)،  وهو ما يؤشر إلى النكبة الكبيرة التي تعيش بها سوريا والسوريون أينما كانوا، إذ حتى اللاجئون الذين وصلوا إلى دول العالم الأول، يعيش معظهم مشكلات لا تنتهي تبدأ من الصدمة مع الثقافات المجتمعية الجديدة، ولا تنتهي عند الخوف من الترحيل إلى سوريا بعد أن بدأت الدانمارك بهذه الخطوة، والتي يعتقد أنها سوف تكون الخطوة الأولى التي تلحقها العديد من الخطوات الأوروبية في هذا الاتجاه، مروراً بمعاناة الاندماج وتعلم اللغة ومشكلات مراكز العمل (جوب سنتر)، وكل ما يلحق بذلك من مشكلات مؤقتة ودائمة لكنها كفيلة بشلّ الحياة وعرقلة مسارها؛ غير أن الأولوية تبقى لملفي الاعتقال ومخيمات اللجوء (متضمنة وضع الأطفال/ التسريب من التعليم والعمالة)، وهو ما يجب أن تنشغل به هيئات المعارضة، وتحديداً الائتلاف ولجنة التفاوض واللجنة الدستورية، إذ مع فقدان الأمل بوصول تلك اللجان إلى أي نتيجة أو بوادر تفاهم مع لجان النظام حول أي شيء، ومع اختناق الحل السياسي ووصول سوريا إلى عنق الزجاجة فعلاً، ومع فشل كل المحاولات لإسقاط النظام، لا يبقى أمام تلك الهيئات ما تفعله لتنقذ ماء وجهها، ويعطي المبرر لوجودها سوى السعي مراراً وتكراراً، ومحاولات الضغط على المجتمع الدولي ليكون هذان الملفان من الأولويات، رغم أن أمراً كهذا لن يتم بسهولة، نحن السوريين ندرك ذلك جيداً، إلا أنه من واجب هذه الهيئات أن يكون هذا شغلها الشاغل، هذا ما تقتضيه الوطنية وما يقتضيه الالتزام بالثورة، إذ يدفع المعتقلون ولاجئو المخيمات الأثمان عن الجميع حتى الآن، ويدفع الأطفال في المخيمات والعشوائيات من طفولتهم ومن مستقبلهم ومن حقهم في حياة كريمة ما لم تقرّه شريعة أو قانون في التاريخ البشري.

لا شيء أكثر انتهاكا للكرامة المجتمعية والوطنية أكثر من وجود أطفال في الشارع يعملون لإعالة أسرهم

قبل أيام تداول السوريون على فيس بوك صورة لطفلة سورية في لبنان تعمل ببيع الورود في شوارع العاصمة بيروت، الصورة التي قال عنها سوريون إنها "أجمل ما يمكن للصور أن تكون" هي لطفلة غاية في الجمال يتناغم وجهها الجميل مع الورود، غير أن وصف الصورة بالجميلة والمبدعة هو ليس سوى تجميل للواقع الكئيب والبائس، فالجمال الحقيقي أن تكون هذه الطفلة الساحرة في بيت تعيش فيه مع عائلتها وتنام على سرير مريح لتستيقظ في الصباح وتذهب إلى مدرستها، الجمال هو أن تعيش هذه الطفلة طفولتها لا أن تبيع الورود في الشوارع حيث تتعرض طفولتها للانتهاك، ويتعرض جمالها للانتهاك، وتتعرض كرامتها وإنسانيتها للانتهاك، لا شيء أكثر انتهاكاً للكرامة المجتمعية والوطنية أكثر من وجود أطفال في الشارع يعملون لإعالة أسرهم، هذا يتحدى كل قوانين الأمم المتحدة عن الطفولة وحقوق الإنسان، غير أنه بات واضحاً أن العالم غير معنيّ بما يحدث للسوريين وأطفالهم، على الأقل ليظهر من تنطّع لقيادة المعارضة السياسية عنايته بشأن اللاجئين وأطفالهم عبر جعل ملفهم أولوية وهدفاً لا بد من الوصول إليه للعثور على حل عادل لهم، علَّ شيئاً من عدالة الحياة يُنصف السوريين بعد كل ما حدث.