ملامح التقارب الروسي السعودي تثير القلق الإيراني

2019.10.18 | 17:50 دمشق

2019-10-14t123812z_1687902050_rc1e75d825d0_rtrmadp_3_saudi-russia.jpg
+A
حجم الخط
-A

على الرغم من التوقعات الكثيرة الصادرة من وسائل إعلام مختلفة حول وجود مساعٍ روسية للتوسط ما بين الرياض وطهران، لا يمكن أن يخفى على أحد وجود نية حقيقة لدى الرئيس الروسي بوتين من لقائه الذي استمر ليومين في الرياض في توسيع علاقات الصداقة مع أغنى بلد في منطقة الخليج العربي، وتمكين الحضور الروسي في ذاك البلد في منافسة للوجود الأمريكي هناك.

وفي الحقيقة، فإن قادة موسكو يخططون لخلق وجود ملموس لهم في منطقة الخليج العربي في خطوة مماثلة لتلك التي اتخذتها روسيا أثناء عودتها إلى سوريا في عام 2015، وتكثيف وجودها العسكري في البحر الأبيض المتوسط.
ومن أجل التقدم في هذه الخطة، فإن تطوير العلاقات مع دول الخليج العربي وخاصة السعودية سيكون ذا أهمية خاصة.

من ناحية أخرى، لم يستطع القادة السعوديون إخفاء امتعاضهم من ردة الفعل السلبية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب من التطورات الأمنية والعسكرية الحاصلة في المنطقة في الأشهر الماضية، وخاصة اتخاذه سياسة (شاهد ثم انتظر) أمام الهجمات الصاروخية التي استهدفت يوم السبت 14 سبتمبر 2019 المنشآت النفطية السعودية في أرامكو، والتي ظهرت فيها الأيادي الإيرانية بشكل واضح، على الرغم من تبني مليشيات الحوثي لهذه العمليات.
وفي الوقت الذي يتركز فيه القلق الأساسي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب على إعادة انتخابه مرة أخرى، والعودة للبيت الأبيض، يشهد الشرق الأوسط من جنوب غرب آسيا إلى القرن الإفريقي أحداثًا يومية يمكن أن تهدد الأمن الإقليمي، في ظل غياب دور قيادي، ووجود قوة تستطيع تحقيق الاستقرار في المنطقة.

كما أن سياسة الولايات المتحدة الحالية المتمثلة في نقل مسؤولية مواجهة الأزمات في الشرق الأوسط إلى القوى المحلية، وتخليها عن التزاماتها الإقليمية، خاصة بعد أيام من الإعلان عن انسحاب القوات الأمريكية من شمال سوريا، وبدء العمليات العسكرية التركية بالتعاون مع قوات الجيش السوري الوطني (نبع السلام) لتطهير الشمال السوري من المليشيات الانفصالية هناك، زرع الكثير من الشكوك في صدور حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة في مدى قدرتها على حمايتهم في المنطقة.

إن سياسة الولايات المتحدة الحالية المتمثلة في نقل مسؤولية مواجهة الأزمات في الشرق الأوسط إلى القوى المحلية، وتخليها عن التزاماتها الإقليمية.. زرع الكثير من الشكوك في صدور حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة.

السلاح الروسي والمشاريع الاستثمارية مدخل لتوسيع العلاقات

تعد روسيا والمملكة العربية السعودية من أكبر مصدري النفط في العالم، كما أن تعاون البلدين على مدار الأعوام الأربعة الماضية لتحقيق الاستقرار في أسواق النفط يشير بوضوح إلى وجود مصلحة مشتركة لمواصلة تعاون موسكو والرياض.

وعلى الرغم من أن الاقتصاد السعودي والروسي ليسا مكملين لبعضهما البعض، ووجود العلاقات الواسعة والتقليدية بين واشنطن والرياض التي حرمت موسكو من الدخول في ساحة التنافس، إلا أن موسكو وجدت طريقاً للتغلب على هذه العقبات وتخطي نقاط الضعف في القيام بعمليات استثمار مشتركة واستخدام التكنولوجيا المتقدمة المستوردة في تنفيذ مشاريع متقدمة، والإعلان عن توقيع عقد بقيمة 10 مليارات دولار في 25 مشروعاً مشتركاً أكبر دليل على تقدم العلاقات بين البلدين.

كما أن القوة النسبية لروسيا لتصبح أكثر نشاطًا في منطقة الخليج العربي تتمثل في زيادة الصادرات من المنتجات العسكرية، وتحدي المنتجات الأمريكية والأوروبية التي تحتكر نسبياً السوق العسكري في المنطقة.( نفس الطريقة التي نجحت فيها روسيا ببيع منظومة الدفاع الجوي S-400 لتركيا).

في شهر أكتوبر 2017، وقعت "الشركة السعودية للصناعات العسكرية" اتفاقيةً مع إحدى أكبر الشركات العسكرية في روسيا "روزوبورن إكسبورت" لتوطين أسلحة روسية متطورة في المملكة العربية السعودية

في شهر أكتوبر 2017، وقعت "الشركة السعودية للصناعات العسكرية" اتفاقيةً مع إحدى أكبر الشركات العسكرية في روسيا "روزوبورن إكسبورت" لتوطين أسلحة روسية متطورة في المملكة العربية السعودية.

الآن، وإلى جانب عدد من الأسلحة الروسية الأخرى، هناك الأسلحة الروسية المضادة للدبابات والدروع موجودة في سلة الأسلحة في المملكة العربية السعودية وقطر أيضاً.


قلق إيراني

لا شك أن واشنطن ستسعى لمنع المملكة العربية السعودية من شراء منظومة الدفاع الجوي الصاروخية S-400، كما أن اعتماد السعودية الشديد على الأسلحة الأمريكية والتهديدات الأمريكية برفض بيع معدات متطورة للرياض قد يمنعها من الاستمرار في هذه الصفقة.

في ظل ذلك، ومع وصول أسلحة روسية خفيفة وثقيلة أخرى (كالمدفعية) إلى المملكة العربية السعودية، فإن تنفيذ مشاريع صناعية مشتركة، مثل بناء مصفاة لتكرير النفط، يمكن أن يكون نقطة انطلاق لتوسيع وجود روسيا في المملكة العربية السعودية ودول عربية أخرى في منطقة الخليج.

من ناحية أخرى، فإن مخاوف طهران حول تطور العلاقات بين موسكو والرياض لا تقف عند حد شراء الرياض للسلاح الروسي وتنفيذ مشاريع مشتركة.

موقف بوتين المحايد من الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيرة التي استهدفت منشآت النفط السعودية وإدانته هذه الأعمال ووصفها بالإرهابية (بغض النظر عن المتهم)، ودعوته إيران للتفاوض حول نشاطاتها الصاروخية بمعزل عن نشاطاتها النووية، هي قضية حساسة للغاية قاومتها إيران حتى الآن.

كما أن إثارة القضية لأول مرة من قبل الرئيس الروسي قبل السفر إلى المملكة العربية السعودية قد أثار مخاوف جدية في طهران.

خلال الأسابيع القليلة القادمة، وافقت طهران على إجراء مناورات بحرية مشتركة مع روسيا في المنطقة الممتدة ما بين مضيق هرمز إلى المياه المجاورة لميناء تشابهار، وقد تبقى بعض السفن الحربية الروسية في المياه الإيرانية بعد نهاية المناورات بحجة التعاون التقني والتعليمي.

إن توقف السفن الروسية لفترة طويلة في الموانئ الإيرانية في الخليج العربي (بندر عباس وخاصة ميناء بوشهر) شبيه إلى حد كبير بنشرها في ميناء طرطوس السوري في البحر الأبيض المتوسط

إن توقف السفن الروسية لفترة طويلة في الموانئ الإيرانية في الخليج العربي (بندر عباس وخاصة ميناء بوشهر) شبيه إلى حد كبير بنشرها في ميناء طرطوس السوري في البحر الأبيض المتوسط، وكذلك فإن السماح للقوات الجوية الروسية باستخدام قاعدة بوشهر الجوية لتوفير خدمات الدعم الجوي للوحدات البحرية، على غرار القاعدة الجوية الروسية حميميم بالقرب من اللاذقية، قد تكون جزءاً من التنازلات التي ستمنحها طهران للتقرب من جارتها الشمالية وإثبات صداقتها معها.

وعلى الرغم من ذلك كله، فإن أيدي حكومة طهران لمنع تقرب بوتين من المملكة العربية السعودية مقيدةٌ إلى حد ما.

لكن ما لا يمكن إخفاؤه هو أن روسيا، كقوة محلية ودولية، ستكون بالطبع مستعدة لملء الفراغ الناجم عن الانخفاض التدريجي والمستمر لالتزامات الولايات المتحدة ووجودها في المنطقة، وستكون منطقة الخليج العربي مسرحاً لاستعراض عضلات بوتين في أغنى مياه العالم وأكثرها اضطراباً.