"ملالي إيران" آن وقت الرحيل..

2019.11.20 | 16:50 دمشق

2019_11_16_14_21_18_983.jpg
+A
حجم الخط
-A

لم تأخذني الثورة الإسلامية الإيرانية كما أخذت معظم اليساريين، وبقيت أتشكك في تقرُّب قادتها من جيرانها العرب عبر شعاراتها المؤيدة للشعب الفلسطيني، والمعادية لإسرائيل.. وكنت أشعر بالضيق إذا ما أثنى أحد عليها حتى إذا امتد الربيع العربي إلى سوريا واحتمى نظامه بدولة إيران التي كان حافظ الأسد قد تحالف معها ضد العراق وغيره، أعلنتُها صراحة:

إن إيران لا تختلف في شيء عن إسرائيل تجاه العرب، بل لعلها أخطر.. فهي سابقة عليها في احتلالها إذ احتلت إقليم الأحواز العراقي المعروف، وهو إمارة عراقية تمتعت بحكم ذاتي أيام الانتداب البريطاني، وقد ضمها الشاه لإيران في 25 نيسان 1925، وأعدَمَ حاكمها "خزعل الكعبي" بعد اكتشاف النفط فيها." (75% من النفط الإيراني المصَّدر يستخرج من الأحواز)، كما احتلت الجزر العربية

تستغل إيران بعض المواطنين العرب من المذهب الشيعي ليكونوا طابوراً خامساً، ومخلباً متقدماً تلبية لرغبات توسعية

الخليجية الثلاث "طنب الكبرى وطنب الصغرى" و"أبو موسى". عام 1971. وتسعى خلال السنوات الأخيرة بالأيدي الناعمة أن تحتل دولاً أخرى مثل لبنان وسوريا والعراق وسواها..

وتستغل إيران بعض المواطنين العرب من المذهب الشيعي ليكونوا طابوراً خامساً، ومخلباً متقدماً تلبية لرغبات توسعية، وبَسْطِ هيمنةٍ، وتَطلُّعٍ إلى إمبراطورية تصل حاضر الفرس بماضيهم، ولعلَّ ملاليها، في تصوراتهم البالية، يرون المناخ العام مواتياً، وهم الذين ينطلقون من ثأر وحقد قديمين على العرب، يؤكد ذلك ما يَرِد عند كتابهم، فما ورد في كتاب "صورة العرب في الأدب الفارسي الحديث" لـ: "جوبا بلندل سعيد" يؤكد ذلك.. وقد صدر الكتاب في مطلع القرن الحادي والعشرين، أي بعد ثورة 1979 بعقدين ونيِّف، وينعت الكتّاب الإيرانيون الإنسان العربي بالتخلف، وسواد الجلد، وآكل الجراد.. إلخ، وهذه صفات لا ترقى، بحسب هؤلاء، إلى مستوى العرق الآري المتحضر الذي ينحدر منه الفرس.. ويزيد الكاتب الإيراني "جلال آل أحمد أما" الموصوف باعتداله إذ يعدُّ الإسلام الشيعيَّ تحديداً واحداً من مكونات الأمة الإيرانية، ويصف الإنسان العربي، في بعض قصصه، بأنَّه "غريب، بدائي، غبي، جشع، مخادع، عنيف، فظ وقذر" ويلتقي الأدب الإيراني في هذا المجال بالأدب الإسرائيلي الذي يصور العربي على أنه متخلف أيضاً وقاتل ومعاد للسامية.. إلخ، أما علاقة إيران بإسرائيل فهي قائمة على قدم وساق.. ولا يرى جواد ظريف وزير خارجية إيران مانعاً من إعادتها، فهو يغازل إسرائيل، ويرضي العرب في وقت واحد إذ يربط عودة العلاقة بحل المسألة الفلسطينية، ما يؤكد أن إسرائيل ليست هدفاً من أهداف الولي الفقيه..

استغلت إيران الحال اليائس الذي يعيشه العرب، وخصوصاً عرب بلاد الشام إثر هزيمة عام 1967 وقد رأى بعض العرب في الثورة الإيرانية وشعاراتها باعثاً على الأمل، وهذا بالضبط ما التقطه الإيرانيون، فكان مدخلاً مناسباً لهم..! فأخذت تزحف كما الأفعى في وقت عجز فيه البعث، وعسكره عن استعادة ما خسره أمام إسرائيل.. ولكن أين إيران من شعاراتها..؟!

صرح أحمدي نجاد (الرئيس السابق لإيران) في آب 2012 بزوال إسرائيل من الوجود، وكذلك فعل علي خامنئي المرشد الأعلى، أما حسن نصر الله فظل يهدد حتى وقت قريب بأن إسرائيل ستشهد رجماً بآلاف الصواريخ..! وقد ضربت إسرائيل أكثر من مرة مواقع لحزب الله في سوريا ولبنان، ولا تزال تفعل ذلك في فترات متقاربة جداً.. لكن حزب الله لم يحرِّك ساكنا، فقد كان مشغولاً بتدمير سوريا وقتل أبنائها وبتغيير ديمغرافية المنطقة، أما اليوم فهو محاصر بالشعب اللبناني غير قادر على الرد إذ الظرف مختلف عما كان عليه قبل سنوات حين احتل بيروت في أيار 2008 لأجل أن يكون مطارها تحت تصرفه ومجالاً لتهريب الأسلحة والمخدرات..!

ويتبجح زعماء إيران بتصريحاتهم إذ يزعمون ملكية بلادهم، لا للخليج العربي فحسب، بل للعراق وبلاد الشام بأكملها.. "العراق ليس جزءاً من نفوذنا الثقافي فحسب، بل من هويتنا.. وهو عاصمتنا اليوم، وهذا أمر لا يمكن الرجوع عنه لأن العلاقات الجغرافية والثقافية القائمة غير قابلة للإلغاء، ولذلك فإما أن نتوافق أو نتقاتل". (تصريح سابق لعلي يونسي نائب الرئيس حسن روحاني). وتباشر إيران في سوريا بتجديد أضرحة بعض الشخصيات الدينية وبناء الحسينيات وشراء العقارات في مناطق محددة وتغيير في الديموغرافيا السورية إذ يتكرم عليها بشار الأسد بتجنيس لغاية التجانس ويدور صراع دولي اليوم حول الطريق (الأوتوستراد) الواصل بين طهران ودمشق عبر العراق..

اليوم وبعد مرور شهر على الانتفاضة الأخيرة للشعب العراقي على حكومة طائفية أذاقت الشعب العراقي الفقر والقهر والتخلف، وأخذت العراق إلى ما قبل عهد الملك عبد الإله ورئيس وزرائه نوري السعيد، ونهبت مئات المليارات من الدولارات، وأفسحت في المجال للإيرانيين أن ينهبوا ما شاء لهم.. اليوم يستقبل الشباب العراقي شيعة وسنة وأطيافاً أخرى الرصاص الحي لهذه الحكومة بصدور عارية (سقط أكثر من أربعمئة قتيل ونحو عشرة آلاف جريح) ووعي وطني عابر للأديان والطوائف والقوميات يندفعون نحو غاياتهم الوطنية غير هيابين لا لأنهم يعانون ضيق العيش وفقدان أبسط سبل الحياة من ماء وكهرباء إضافة إلى فقدان العمل، ويرون بأعينهم فساد الطبقة الحاكمة وفسقها، لا أبداً، بل لأنهم باتوا يشعرون بأنهم يخسرون هوية

الشباب الإيراني الذي ينتفض كل عدة سنوات، ويقمع بحقد ووحشية، فلديه الكثير من الدوافع والأسباب للثورة ضد فكرِ الملالي وجهِ داعش الآخر

وطنهم العراقي. ومثلهم الشباب اللبناني، ولا بد لثورتيهم هاتين من أن تؤثر في النظام السوري الذي يصفهما بالفوضى، بينما هي في حقيقة الأمر، دليل على وعي عميق وتراكم عمره ثلاثون عاماً من القتل والقمع والقهر والتخلف..!

أما الشباب الإيراني الذي ينتفض كل عدة سنوات، ويقمع بحقد ووحشية، فلديه الكثير من الدوافع والأسباب للثورة ضد فكرِ الملالي وجهِ داعش الآخر.. إذ يتصور ملالي إيران اليوم بأنهم يقيمون دولة الإسلام في المنطقة وسوف يمدونها إلى العالم أجمع، ويعملون بكل جدية لتحقيق حلمهم الطوباوي وينفقون الأموال على الحروب والسلاح والعملاء، في الوقت الذي يعاني شعبهم الفقر والإملاق.. والحقيقة في عمقها أبعد من زيادة أسعار البنزين بكثير، وأبعد من عقوبات أميركية ومخربين داخليين.. هي احتجاج على سياسة عمرها أربعون سنة من القتل والقمع الديني والقومي وممارسة العنصرية تجاه الأقوام والأديان الأخرى، ومن السجون والاغتيالات والإنفاق على التسلح وشراء الذمم والعملاء، ونهب المال العام، وتصدير الثورة، والتدخل في الشؤون الخارجية للشعوب في وقت سقطت فيه الإمبراطوريات والإيديولوجيات، فما بالكم بأفكار لم تعد لها جاذبية زمنها الأول..! فالعالم اليوم أمام منجزات علمية تأخذ بالألباب بدهشتها. وتستخدم اليوم تكنولوجيا رفيعة، وروبوتات تكاد تضاهي في قدراتها مبدعها الإنسان.. إنها ثورات الاتصالات والمعلوماتية والإعلام الذي ينبئ بكل ما يحفل به العالم من منجزات لحظة بلحظة ما يخلق وعياً نوعياً جديداً ويؤكد دور العقل والعلم وأهميته في الحياة المعاصرة. يقابل ذلك في العلوم الإنسانية والسياسية توق البشرية إلى الحرية والعدالة الاجتماعية التي أكثر ما توفرها، في حياتنا المعاصرة، الأنظمة الديمقراطية التي تحقق دولة المواطنة، وتحترم إنسانية الإنسان في ظل عيش كريم وسلام دائم.. وتدرك الشعوب، ومن ضمنها شعوب سوريا ولبنان والعراق وإيران أيضاً، هذه الحقائق، وإن غلبها القمع والقهر والدم زمناً فلا شيء يدوم، وقد آن القصاص.. إنها دورة حياة جديدة ينتقل إليها عالمنا الشرق أوسطي، عبر صراع مرير متعدد الأشكال..! فإما ملاقاتها والاحتفاء بها، والعيش وفق قوانينها، وإما الهلاك في شرنقة الاستبداد والتخلف..!