ملاقاة الموقف الأمريكي؟

2018.08.25 | 00:08 دمشق

+A
حجم الخط
-A

أظهرت الإدارة الأمريكية موقفاً متشدداً بخصوص إعادة الإعمار، لكن هذا التشدد رُبط هذه المرة بأمرين؛ إخراج الإيرانيين وحل سياسي شامل وفق مرجعية قرارات مجلس الأمن، وتحديداً القرار 2254، وأعلنت أن قواتها باقية في شرق الفرات إلى حين إنجاز هذين الهدفين ذاتهما، صحيح أن القضاء على داعش هدفها الأولي والرئيس، ولكن منع عودتها يقتضي تحقيقهما.  وأعلنت دولتان خليجيتان تمويلهما لإعادة بناء البنية التحتية ودعم الاستقرار في تلك المنطقة بالتزامن مع إعلان الولايات المتحدة وقف تمويلها، أي أن التمويل الخليجي حل محل التمويل الأمريكي.

وإذ رافق الموقف الأمريكي موقف أوروبي رافض لخطة موسكو في إعادة اللاجئين مقابل تمويل "إعادة الإعمار"، فقد صارت هنالك جبهة سياسية واسعة تعيق تحقيق أي تقدم في حل شكلي يريده الروس لحساب تثبيت الأسد ودفن العملية السياسية المجمدة ، وتعيد موضوع بقاء الأسد ونظامه على طاولة المفاوضات.

وعُيّن جيمس جيفري مبعوثاً أمريكياً خاصاً لسورية، ولأن جيفري خبير استراتيجي ومعروف بآرائه المتشددة نحو نظام الأسد والإيرانيين ويرى ضرورة كسب تركيا في مواجهة إيران ورسيا فقد فهم من هذا التعيين أن هنالك انخراطاً أمريكياً جديداً في الموضوع السوري وإعادة لترتيب العلاقات مع تركيا وتغيير السياسيات الأمريكية التي وترت العلاقة بين الطرفين إلى حد كبير بخصوص الشمال السوري وتنظيم PYD الإرهابي، و آراء جيفري الذي أعلن عنها مراراً عن آرائه بالإضافة إلى الرؤية استراتيجية حول دور أمريكا في سوريا والتي وضعها بالاشتراك مع خبراء آخرين تصب جميعها في هذا المنحى.

كسوريين لدينا شك كبير في السياسة الأمريكية التي كانت تظهر دائماً انعطافات صادمة لنا

وفي آخر لقاء للمبعوث الأمريكي السابق مع المعارضة السورية أبلغها المبعوث أن تصعيداً أمريكياً جديداً ضد روسيا وإيران سيبدأ للوصول إلى حل سياسي وإخراج إيران من سوريا، وهو أمر يتفق مع ما سبق وقيل لرئيس الهيئة العليا للتفاوض السابق  رياض حجاب في أيلول/سبتمبر 2017 أن هنالك ثلاثة أولويات للولايات المتحدة: داعش، وقف الاقتتال، ميليشيات إيران . وهذه ثلاثية ملائمة ممهدة للتسوية سياسية التي تأتي في المرتبة التالية لها.

وبالأمس أيضاً تركز اجتماع مستشار الأمن القومي جون بولتون مع سكرتير مجلس الأمن الروسي نيكولاي باتروشيف في جنيف على موضوع إيران ووجودها في سوريا، وقال بولتون إن باتروشيف اقترح إلغاء الحظر النفطي على إيران، مقابل كبح إيران في سوريا، و"هذا اقتراح رفضناه مجدداً اليوم".  ومن الواضح أن موضوع إيران في سوريا صار جزءاً من الضغوط الأمريكية الأساسية على إيران.

يبدو الأمر كما لو أن استراتيجية أمريكية في سوريا وسياسات تبلورت بعد تعيين وزير الخارجية مايك بومبيو  واستكمال فريقه (ديفيد شينكر، وجويل روبان، وجيمس جيفري)، ويفترض هذا الوضع، الذي يعكس أجواء دولية تصب في صالح قوى الثورة السورية، أن يتم ملاقاته من قبل السياسيين السوريين والمتصدرين منهم في المشهد السياسي في المعارضة؛ فإذا تأكد أن ثمة استراتيجية سيتم اتباعها خلال سنتين على الأقل فسيتعين على المعارضة رؤية الأمور من منظور مختلف، إذ سيتطلب ذلك تواصلا أكبر مع الأمريكيين ورفع مستوى التنسيق معهم ومع الدول الصديقة، ووضع استراتيجية عمل ملائمة لهذه التطور الجديد.

لفترة طويلة لم نميز بين "الحلفاء" وبين "الأصدقاء" فقد ساد اعتقاد أولاً أن جميع دول "مجموعة أصدقاء سوريا" هم حلفاء

غير أننا كسوريين لدينا شك كبير في السياسة الأمريكية التي كانت تظهر دائماً انعطافات صادمة لنا، لا حاجة للتذكير كم مرة شعرنا بمرارة الخيبة من سياساتهم بدءاً من فاجعة مجزرة الكيماوي الكبرى في الغوطة التي مرت ذكراها الخامسة قبل أيام وصولاً إلى التخلي عن اتفاق الجنوب، والواقع أنه لم يعد لدينا ثقة بمواقف الإدارة الأمريكية، ونحن ندرك أن مواقف هذه الإدارة تنطلق من موقع مصالحها التي قد تنقلب في أي لحظة ضدنا، فنحن لا ندري ما الذي جرى بخصوص الموقف الأمريكي من الوضع في سوريا في قمة هلسنكي التي اعتبرت أسوأ قمة في تاريخ الولايات المتحدة، وندرك أن إنجاز اتفاق نووي جديد مع إيران هو هدف الإدارة الأمريكية، وأن المواقف الأوربية رخوة قابلة للتغيير، لا أحد يستطيع الجزم أن هذه المواقف التي تربط إعادة الإعمار بالحل السياسي الشامل يمكنها أن تكون مواقف نهائية غير قابلة للتعديل.

ومع ذلك، وبالرغم من كل ما ذكر،  فإن تجاهل المعطيات الجديدة أمر غير حكيم، فبقدر ما يتطلب هذا التاريخ من الخذلان قدراً من الريبة يتطلب أيضاً التعامل معها لتحقيق أكبر قدر من المصلحة السورية وحذراً من أي انتكاسة مقبلة ومحتملة، فليس المطلوب هو وضع البيض مرة أخرى في السلة الأمريكية، إنما المطلوب هو الاستفادة من الموقف الأمريكي الذي يبدو كأنه جديد لكثرة تردد هذه الإدارة في بلورة استراتيجية محددة في سوريا.

المواقف التي تربط إعادة الإعمار بالحل السياسي الشامل يمكنها أن تكون مواقف نهائية غير قابلة للتعديل

لفترة طويلة لم نميز بين "الحلفاء" وبين "الأصدقاء"، فقد ساد اعتقاد أولاً أن جميع دول "مجموعة أصدقاء سوريا" هم حلفاء، ثم تغير إلى اعتقاد أن دول "الكور"  هي الدولة الحليفة التي يمكن الوثوق بها، ومع تكرار الصدمات تبين أن هذه الثورة يتيمة على موائد اللئام، وأن لا دولة حليفة لها، واحتجنا وقتا لندرك أن تقاطع المصالح لا يصنع حلفاء، خصوصاً إذا كانت مصالح الدول التي تتقاطع معنا تتناقض فيما بينها، ونحن الآن في مرحلة صار الجميع مدركاً أن لا شيء ثابت في المصالح، ولا  شيء يمكن الاعتماد عليه سوى الاستفادة من تقاطع المصالح وتناقضها حين يمكن ذلك، وكل شيء وارد في عالم السياسة الدولية.

لكن السؤال هنا هو من الذي سيقوم بهذه المهمة؟ الأجسام الحالية في وضع موت سريري، والكتلة الرئيسية من المعارضة خارج تلك الأجسام ولا تمتلك حتى اللحظة تنظيماً قوياً ومؤثراً، فكيف السبيل إلى ملاقاة هذا الموقف الأمريكي الجديد؟