ملاحظات أساسية حول عملية نبع السلام

2019.10.12 | 03:02 دمشق

20191011_2_38694165_48397484.jpg
+A
حجم الخط
-A

باتت عملية نبع السلام مسألة وقت منذ تنفيذ عملية "درع الفرات" في آب 2016 وللدقة أكثر منذ وضع تركيا خطة المنطقة الآمنة للمرة الأولى قبل خمسة أعوام بعدما كانت طرحت نظرياً لأول مرة في العام 2013.

للتذكير فقد طرح الرئيس رجب طيب أردوغان الفكرة على نظيره الأمريكي باراك أوباما أثناء زيارة له لواشنطن صيف 2013، إلا أن هذا الأخير رفضها بحجة عدم الانخراط في سوريا قبل ظهور داعش والنصرة علماً أن السبب الحقيقي للرفض تمثل بسعيه للتفاوض مع إيران، وتقديم سوريا لهم، وليبقى لهم رجلهم فى السلطة كما قال بعد ذلك حرفياً لوزير دفاعه المستقيل تشاك هاغل.

بعد ذلك بعام أي في 2014 وضعت تركيا خططاً تنفيذية خاصة للمنطقة الآمنة، إلا أنه تم إفسادها من قبل ضباط الدولة الموازية التابعين لجماعة غولن المنفذين لأوامر أمريكية، حتى أن الجنرال سميح ترزي الذي كان يفترض أن يكون قائد العملية اتضح بعد ذلك أنه عضو كبير في الجماعة، و أحد قادة الانقلاب الفاشل صيف العام 2016، وقتله أصلاً كان نقطة تحول أساسية في هزيمة الانقلابيين ودحرهم.

طبعاً لا يمكن الحديث عن عملية "نبع السلام" دون الإشارة إلى التغيير في الموقف الأمريكي منها. وببساطة نحن أمام تصميم تركي على حماية المصالح القومية

بعد إفشال الانقلاب تحررت القيادة السياسية، واستعادت سطوتها على الجيش، كما يفترض في أي نظام ديموقراطي فتم تنفيذ عملية "درع الفرات" ثم "غصن الزيتون" بعدها بعامين، ومنذئذٍ بات تنفيذ عملية "نبع السلام" شرق الفرات مسألة وقت فقط.

لا يمكن الحديث عن نبع السلام دون الحديث عن تنظيم بي كا كا السوري، أو ما يسمى قوات سوريا الديموقراطية " قسد"، هذا اسم حركي فمعظم قادتها غير سوريين لا يتحدثون العربية ولا الكردية، وبالتأكيد غير ديموقراطيين، والاسم الحركي نفسه من اختراع الجنرال الأمريكي بريت ماكغورك رجل أوباما، وذراعه في تطبيق استراتيجيته المدمرة، وهو كان يعرف أن هؤلاء فرع لبي كا كا الإرهابي ورغم ذلك سلحهم عن قصد كأداة رخيصة لمحاربة داعش، بينما اشترط على الثوار السوريين القبول بعدم قتال النظام لتسليحهم ومساعدتهم. وكان ماكغورك يعرف ويعي جيداً أن سياسته تصب فى خدمة النظام إيران وروسيا، وهو نفسه من سلّح الحشد الشعبي ضمن سياسة أوباما المدمرة نفسها، القاضية بترك العراق لإيران أيضاً، وتغاضى حتى عن سيطرتهم على دبابات أمريكية لسنوات بحجة محاربة داعش تحت السقف الأمريكي طبعاً.

لا يمكن الحديث عن نبع السلام دون الحديث عن  مدينة عين العرب كوباني أول عملية يقوم بها تنظيم بي كا كا السوري، نسي العالم الآن التجييش الذي قامت به أمريكا- أوباما، وحشدها الديماغوجي للمعركة نسي المدينة التي دمرت وأهلها اللاجئين في تركيا، نسي أن التنظيم وبدعم من واشنطن رفض طلب تركيا والثوار السوريين والبشمركة العراقية بالمشاركة في المعركة، وأصرّ على القيام بها وحده لاحتكار الحق الحصري في محاربة داعش وتبييض صفحته وتبرير مشروعه الانفصالي.

لا يمكن الحديث عن "نبع السلام" دون الحديث عن نموذج عين العرب الرقة والباغوز، الذي تحول فيه  تنظيم بي كا كا إلى أداة للاحتلال الأمريكي، حيث تم اتباع النموذج الشيشاني نموذج الأرض المحروقة وتدمير المدن عن بكرة أبيها وقتل المدنيين وتشريدهم بحجة محاربة داعش، بينما أكدت الأمم المتحدة ومنظماتها الانسانية أنه جرى ارتكاب جرائم حرب في هذه المدن و بي كا كا كان شريك أو بالأحرى أداة لأمريكا في هذه الجرائم، وهو نفس ما جرى في الموصل بالعراق مع إيران وأدواتها.

طبعاً لا يمكن الحديث عن عملية "نبع السلام" دون الإشارة إلى التغيير في الموقف الأمريكي منها. وببساطة نحن أمام تصميم تركي على حماية المصالح القومية، وعدم التفريط بها، ومخاطبة إدارة  ترامب بلغة سياسية تفهمها، وإغرائها بحزمة اقتصادية هائلة، لكن بغض النظر عن ذلك كله نحن أمام اختيار طبيعي لواشنطن بين ميليشيا إرهابية ودولة حليفة وعضو في الناتو.

 مع ذلك فإن واشنطن لن تتخلى عن أداتها الرخيصة للهيمنة على سوريا المفيدة، وثرواتها النفطية الزراعية والطبيعية، وستكون مقاربة واقعية لا تمنع تركيا من إقامة المنطقة الآمنة، مع الاحتفاظ بميليشيا بي كا كا  بعيداً فى الرقة وشرق دير الزور.

في ردود الفعل على "نبع السلام" نحن أمام نفاق أوروبي صارخ فى انتقاد العملية، رغم عدم التحرك ضد الأسد أو حماية المدنيين السوريين حتى مع استخدام ترسانته التقليدية، وغير التقليدية ضدهم، ثم التخلص من إرهابييهم فى سوريا وعدم استعادتهم بما فى ذلك النساء والأطفال المعتقلون فى سجون بى كا كا، وأوروبا تعرف أن تركيا جادة جداً فى محاربة الإرهاب دون تمييز، ولن تكون شريكاً صغيراً وسجاناً رخيصاً للدواعش الأوروبيين مثل بي كا كا السوري.

 مواقف روسيا وإيران جاءت متشابهة تقريباً، مع تفهم للعملية التركية ودوافعها خاصة من جهة موسكو، وكالعادة بدا التناقض جلياً فى طهران بين السلطة الرسمية الهادئة، والدولة الموازية العميقة التى يقودها الحرس، التي عبرت عن مواقف أكثر حدة وتشنجاً من خلال حشدها الشعبي الإعلامي.

أما النفاق العربي الرسمي من أنظمة الفلول والثورات المضادة تجاه العملية، فلا يقل بشاعة عن النفاق الأوروبي، كونها أي تلك الأنظمة تعتبر بشار واحداً منها

أما النفاق العربي الرسمي من أنظمة الفلول والثورات المضادة تجاه العملية، فلا يقل بشاعة عن النفاق الأوروبي، كونها أي تلك الأنظمة تعتبر بشار واحداً منها، هي تخلت عن الشعب السوري، وثورته ومطالبه العادلة بالحرية والكرامة، وصمتت عن الاحتلالات الأجنبية الأمريكية والروسية، وجرائم الحرب الموصوفة التى ارتكبتها فى سوريا، وتصرفت بشكل موتور ضد تركيا، التي تعريها وتفضحها سورياً وفلسطينياً، وموقفها أي أنظمة الفلول العربية ضد عملية نبع السلام، كان أقوى وأكثر صخباً حتى من رد فعلهم على إعلان واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، حيث تثاءبوا فقط كما قال مسؤول أمريكي رفيع لصحيفة الغد الأردنية الخميس الماضي، بينما توقعت إدارة  ترامب ردّ فعل أقوى وحتى الانفجار منهم.

في ردود الأفعال أيضا شهدنا انفصاماً فلسطينياً، خاصة من قوى اليسار التي دانت العملية وتساوقت في الجوهر مع الموقف الإسرائيلي، الذى يعرف في الحقيقة بي كا كا ومشاريعه الانفصالية أكثر منهم. بينما تماثل موقف الجبهة الشعبية اليسارية التي ترفع صور الحشد الحوثي في تظاهراتها شكلاً ومضموناً مع موقف الفاشي الإسرائيلي يائير نتن ياهو وأبيه.

عموماً؛ وباختصار تركيا تدافع عبر عملية نبع السلام عن مصالحها القومية الحيوية، المتطابقة إلى حد بعيد مع مصالح الشعب السوري وثورته، والمنطقة الآمنة التى تجهض المشاريع التقسيمية، وتشكل بيئة مناسبة ومؤمنة للاجئين، وتبقى الأمل فى حل سياسي عادل وفق قرارات الأمم المتحدة وإعلان جنيف، هي جوهرياً وإستراتيجياً لصالح تركيا، وأيضاً لصالح سوريا التاريخية والعظيمة.

كلمات مفتاحية