ملاحظات أساسية حول القمة الأمنية الثلاثية في إسرائيل

2019.06.29 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

عقدت الثلاثاء الماضي في القدس المحتلة قمة أمنية ثلاثية غير مسبوقة ضمت مستشار الأمن القومي فى كل من إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا، القمة التى ترأسها رئيس الوزراء بنيامين نتن ياهو بدت لافتة جداً وحافلة بالدلالات شكلاً ومضموناً، ولو أنها لم تنل ما تستحقه من الاهتمام في ظل انعقادها بالتزامن مع ورشة البحرين التي شهدت إطلاق واشنطن للشق الاقتصادي من صفقة القرن الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية واستبدال السلام بالازدهار المزعوم.

بداية لا بد من التذكير أن نتن ياهو كان قد أعلن قبل شهر عن انعقاد القمة محتفياً بالحدث، ومعتبراً إياه نجاحاً شخصياً سياسياً وديبلوماسياً، خاصة بعد فشله في تشكيل حكومته الخامسة، واضطراره للذهاب إلى انتخابات مبكرة في أيلول/ سبتمبر القادم، الفشل الذى يعتبره كثيرون فى إسرائيل بداية النهاية لحياته السياسية، ولا شك أن القمة في أحد أبعادها كانت تعبيرا عن الدعم الروسي الأمريكي غير المحدود لنتن ياهو من أجل الفوز في الانتخابات، الأمر لم يكن مفاجئا طبعاً من الناحية الأمريكية خاصة مع تأسيس مستوطنة باسم ترامب في الجولان لشكره على الاعتراف بضمها لإسرائيل واستغلال الحدث سياسياً وإعلامياً كدليل على دعم الرئيس الأمريكى اللا محدود إضافة إلى التصريحات المتواترة لمسؤولين أمريكيين والتي تصب في خدمة نتن ياهو وحملته الانتخابية، لكن ما قد يبدو مفاجئاً-للبعض-  دعم نتن ياهو من الناحية الروسية، رغم أننا كتبنا هنا مراراً عن دعم  الرئيس بوتين لرئيس الوزراء الاسرائيلي قبل الانتخابات الماضية بمراسم أو بعراضة، إعادة رفاة الجندي زخاريا بومل، والبحث المستمر مع جنود  نظام بشار الأسد عن رفاة الجنود المفقودين الآخرين. وهنا لا بأس من الإشارة إلى النقاش الذي جرى في الصحف العبرية حول احتمال تدخل موسكو في الانتخابات الإسرائيلية الماضية، كما حصل في أمريكا وأوروبا، حيث كتب أحد الباحثين أنه إذا ماحدث ذلك فعلاً فسيكون لمصلحة نتن ياهو نفسه.

من حيث الشكل يمثل انعقاد القمة  في القدس اعترافاً روسياً ضمنياً بها كعاصمة لإسرائيل. وهذا كان أحد أسباب انعقادها أصلاً

من حيث الشكل يمثل انعقاد القمة  في القدس اعترافاً روسياً ضمنياً بها كعاصمة لإسرائيل. وهذا كان أحد أسباب انعقادها أصلاً، بغض النظر عن النتيجة والمضمون مع تجييره لصالح نتن ياهو طبعاً.

وهنا كان بإمكان موسكو بالتأكيد طلب نقلها إلى تل أبيب، خاصة مع الاستثمار الفظ من قبل الحكومة الإسرائيلية لها ولهذا البعد تحديداً، أي التئامها فى القدس-المحتلة- بمشاركة الروس رغم أنه لم يتم الاهتمام به كما ينبغى علماً أنه شكّل أحد أسباب الدعوة للقمة، بل الحماس والاندفاع لها من قبل أطرافها الثلاثة .

في الشكل؛ أيضاً بدا لافتاً ما ذكره المعلق الشهير في التلفزيون الإسرائيلي باراك ديفيد عن أن القمة عقدت أصلاً بناء على طلب روسي، بعد إعادة رفاة الجندي بومل فى مارس أذار، ليس فقط لخدمة نتن ياهو أو حتى إغراء عقدها بالقدس المحتلة بكل ما يحمله من معاني ودلالات، إنما للتباحث المباشر مع واشنطن عبر البوابة الإسرائيلية، وهو كان أحد أهم الأهداف من وجهة النظر الروسية، خاصة مع الأجواء السياسية الحزبية الأمريكية السلبية ضدها، وتقريباً انسداد قنوات التواصل والحوار بين العاصمتين.

في المضمون؛ كان التركيز كما قال نتن ياهو على الملفات والتحديات الإقليمية، تحديداً الوضع في سوريا كما الملف الإيراني بكل تفاصيله وأبعاده، بما فيها طبعاً الاحتلال الإيراني لسوريا، مع الانتباه لحقيقة أن الدول الثلاث محتلة لسوريا أيضاً بشكل مباشر، مع  قواعد عسكرية لأمريكا وورسيا واستباحة الأجواء السورية من قبل تل أبيب برعاية الاحتلالين الأمريكى والروسي، ناهيك عن احتلال  هضبة الجولان ثم ضمها بشكل رسمي لكن غير شرعي طبعاً.

مضموناً أيضاً اختلفت التصريحات الروسية نسبياً قبل وأثناء القمة، مع الموافقة على فكرة انسحاب إيران من سوريا والاستعداد للنقاش حول التفاصيل والشروط ، لكن دون اعتبارها أي –إيران- خطراً عالمياً مع التأكيد دائماً على أمن إسرائيل كأولوية لروسيا وسياستها فى المنطقة .

أعتقد أن اختلاف التصريحات الروسية يأتي فى سياق تكتيكي لرفع العتب أو التمايز ولو شكلاً عن واشنطن، كما أن رفع السقف نسبياً له علاقة بالتفاوض والحوارات الثنائية، على ملفات عالقة علماً أن المقايضة الأساس تهدف إلى رفع العقوبات الغربية الخانقة ضد روسيا واقتصادها، على خلفية التدخل في أوكرانيا واحتلال شبه جزيرة القرم وضمها بشكل غير شرعي، مع الانتباه إلى الموقف الروسي الخجول جداً من احتدام السجال بين واشنطن وطهران، كما من الخروج الأمريكى من الاتفاق النووى وتشديد العقوبات ضد إيران، أما فى السياق السوري فثمة ضوء أخضر أو برتقالي فى الحد الأدنى من قبل الاحتلال الروسي للاحتلال الاسرائيلي لاستهداف القواعد والتجمعات الإيرانية، لمنع طهران من التموضع الاستراتيجى وإقامة قواعد عسكرية دائمة، على غرار ما فعلته روسيا فى الغرب وما فعلته واشنطن فى الشرق.   

أما واشنطن-ترامب فقد سعت لخدمة نتن ياهو كما إسرائيل ، وتكريس قاعدة الحفاظ على أمنها ومصالحها كنقطة تلاق مع موسكو، وفى الحد الأدنى إعطاء انطباع أن ثمة حوار معها حول  الملف الايراني،  والحضور الروسي يعبر عن العزلة أو القطيعة التي تعانيها طهران بلقاء حليفها -أو من يفترض أنه كذلك- مع ألدّ أعدائها الآن بعد سنوات من التفاهم المعلن والمبطن مع واشنطن -أوباما حول المنطقة وقضاياها.

أما واشنطن-ترامب فقد سعت لخدمة نتن ياهو كما إسرائيل ، وتكريس قاعدة الحفاظ على أمنها ومصالحها كنقطة تلاق مع موسكو

لا شك أن إسرائيل هى الرابح الأكبر من القمة شكلاً ومضموناً بمجرد عقدها في القدس المحتلة، ووجود المسؤولين الأمنيين الأمريكيين والروس ولقائهم في إسرائيل نفسها، وتأكيدهم الحرص على أمنها باعتباره أولوية للطرفين، رغم الخلاف التكتيكي إذا تحدثنا مجازاً عن خلاف.

أما فيما يتعلق بالنتائج فلا يمكن الحديث عن شىء جدى ملموس، اللهم إلا التوافق الراسخ على دعم نتن ياهو فى أزمته السياسية الداخلية ، كما الحفاظ على أمن اسرائيل وإخراج إيران من سوريا ،ولا نقاش جدياً  حتى الآن حول التفاصيل والشروط ، علماً أن معادلة إخراج إيران مقابل بقاء نظام الاسد وتعويمه ليست أكيدة ، لأن المطلب الأهم لموسكو هو رفع العقوبات الصارمة عنها ، كما أن واشنطن لا تملك حتى الآن تصوراً محدداً حول القضية السورية، وهى منشغلة بتحجيم إيران وجلبها ضعيفة إلى طاولة المفاضات ، وفق معادلة رفع العقوبات الخانقة وحتى المدمرة عنها، مقابل التخلي التام عن الطموح النووى وتمددها الإقليمي الدموي ، بعدما أنجزت أهدافاً بتدمير العواصم والحواضر العربية وتدمير نسيجها الاجتماعي .

أخيرا : وباختصار بدت الأطراف الثلاثة وكأنها تعتبر انعقاد القمة إنجازاً بحد ذاته ،بغض النظر عن التفاصيل والنتائج، غير أن مضي العملية قدماً غير مضمون ومحفوف بالمخاطر، انتظاراً لمآلات السجال الأمريكي الإيراني المستجد، وانقشاع غبار الانتخابات الإسرائلية التى قد تؤدي إلى نهاية نتن ياهو السياسية، ثم دخول أمريكا نفسها أجواء الانتخابات نهاية العام الحالي، ما يعني ببساطة صعوبة القيام بخطوات حاسمة وكبرى فى القضية السورية أو أي من الملفات الأخرى محل النقاش.    

 

كلمات مفتاحية