مقتدى الصدر بين الزعامة السياسية والدينية!

2021.11.10 | 05:00 دمشق

5d642b34d437508e7e8b45fa.jpeg
+A
حجم الخط
-A

هنالك العديد من الشخصيات العراقية التي أثير حولها لغط كبير، وربما، يمكن القول إن مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري هو في مقدمة تلك الشخصيات، وذلك بسبب مواقفه غير الثابتة، وغير الواضحة.

ولد مقتدى الصدر في 12 آب/ أغسطس 1973، وهو الابن الرابع للمرجع (الشيعي) محمد بن محمد صادق الصدر، وترتيبه الأخير بين إخوته مصطفى، ومرتضى ومؤمل!

اغتيل والده محمد صادق الصدر في 19 شباط/ فبراير 1999 في النجف، وكان والده من مراجع الشيعة البارزين في تسعينيات القرن الماضي قبل أن يتم اغتياله مع اثنين من أبنائه في عملية غامضة لا أحد يعرف بالضبط من يقف وراءها، رغم أن التيار يتهم حكومة العراق قبل العام 2003 بهذه الجريمة!

نشأ الصدر بعد إتمامه الدراسة المتوسطة في أروقة الحوزات العلمية العراقية وبالذات مع المرجع (الشيعي) إسحاق الفياض، ولكن يبدو لم يكن هنالك توافق فكري بين الصدر والفياض، ولهذا وجدنا، لاحقا، تقاربا واضحا بين الصدر والمرجع (الشيعي) كاظم الحائري، والذي يعدّ المرجع الديني والروحي للصدر وتياره، وهو مرجع (شيعي) عراقي يقيم في مدينة قم الإيرانية!

وقبل العام 2003 لم يعرف مقتدى الصدر في الميادين الحوزوية والسياسية بشكل بارز، وبعد الاحتلال برز الصدر كأحد (أبناء المراجع) المعارضين للاحتلال الأميركي، وقد كان لمكانة والده الكبيرة في قلوب الكثير من (شيعة) العراق الباب الأبرز لدخول الصدر للساحة السياسية بقوة وتأثير لا يمكن نكرانها!

ولم ينل الصدر حتى اليوم درجة علمية واضحة، وظهر في مناسبات عديدة خلال زياراته المتكررة لإيران، وبالذات لمدينة قم، وهو يحضر لبعض الدروس الدينية والتي يقال إنها ضمن محاولاته لنيل درجة (آية الله) وهي درجة علمية تشابه الدكتوراه في الدراسات العليا، وتمنح لمن يتم متطلبات الحوزات العلمية في العراق أو إيران وغيرهما، ويصل إلى مرتبة الاجتهاد، وقد تستغرق دراستها عشر سنوات تقريبا!

ويقال إن الصدر يرى نفسه اليوم مرجعا دينيا وليس بحاجة إلى مرجعية دينية أخرى!

-     موقفه من الاحتلال والعملية السياسية:

الإرث الديني الذي ورثه الصدر من والده المرجع محمد صادق الصدر جعل له مكانة مميزة لدى (شيعة) العراق، وبالذات في مدينة الصدر ببغداد، وغالبية مدن الجنوب، ولهذا ظهر الصدر من المعارضين للوجود الأميركي في العراق!

وبعد عدة أشهر فقط، تغير موقف الصدر ليصبح من المشاركين في العملية السياسية بقوة على الرغم من معارضته لها في الأشهر الأولى من الاحتلال الأميركي.

وفي شباط/ فبراير 2021 سرب بعض العراقيين تسجيلا صوتيا لوالد الصدر المرجع محمد صادق الصدر ونشر على مواقع التواصل الاجتماعي يتضمن فتوى من والده وبحضور جميع أبنائه وأعلن فيها براءته من أولاده في حال "توريثهم له كمراجع دينية أو الدخول في العمل السياسي".

مما اضطر التيار الصدري للرد عليها لكن الردود لا تصمد أمام العبارات الواضحة لوالد الصدر في فتواه!

 

-     الفصائل المسلحة التابعة للصدر:

1ـ جيش المهدي:

بعد الاحتلال الأميركي للعراق حاول الصدر البروز كأحد المقاومين للاحتلال، ولهذا أعلن عن تأسيس جيش المهدي نهاية العام 2003، وقد وُجد هذا الجيش بشكل واضح في جنوب ووسط العراق، وشارك في بعض المعارك ضد القوات الأميركية قبل أن يوافقوا على تسليم السلاح مقابل أموال محدودة، وتحول التيار الصدري بعدها إلى العملية السياسية!

وقد سجلت ضد غالبية عناصر جيش المهدي الكثير من عمليات الخطف والقتل، وبالذات في مرحلة التناحر الطائفي بين عامي 2006 – 2007، وقد برزت حينها فرق الموت التي قتلت وغيبت كل من يعارضها في العديد من المدن وبالذات ديالى وبغداد ومناطق حزام بغداد وغيرها!

2 ـ سرايا السلام:

ومع تسليط الضوء على جيش المهدي وما ارتكبه من جرائم في العديد من مدن العراق حاول الصدر تغيير الإطار العام لقواته المسلحة ولهذا أعلن في الحادي عشر من حزيران/ يونيو 2014 عن تشكيل سرايا السلام، وتجميد جيش المهدي، وقد حدد واجبات سرايا السلام بحماية المقدسات الدينية ودور العبادة والكنائس في حال تعرضها لأي خطر إرهابي!

لكن سرايا السلام كان الذراع العسكرية (والسياسية) للتيار الصدري والتي يلوح بها بين حين وآخر!

وفي السنوات العشر الأخيرة، وبالذات بعد انفراد الصدر عما يسمى البيت (الشيعي) كانت مكانته واضحة في الانتخابات البرلمانية!

ففي انتخابات أيار/ مايو 2018 كان تحالف سائرون بزعامة الصدر صاحب المركز الأول ببغداد وعشر محافظات جنوبية، وفي انتخابات تشرين الثاني/ أكتوبر 2021 كان الصدر صاحب المركز الأول بـ(73) مقعدا في عموم العراق!

 

-     مواقف غير واضحة:

وبالمجمل فقد اتسمت مواقف الصدر بالتداخل والتضارب، ففي الوقت الذي صرح فيه بعدم شرعية الانتخابات العراقية ما دام الاحتلال موجوداً لم ينه أصحابه وأنصاره عن المشاركة في الانتخابات.

ولقد شارك تياره في انتخابات العام 2018، وحصد (40) مقعداً من مجموع مقاعد البرلمان.

والموقف الرافض ذاته تكرر في انتخابات العام 2021، إلا أن الصدر تراجع في الوقت الضائع بعد أن قال (إن الانتخابات حرام علي إلى يوم القيامة)، ليحصد المرتبة الأولى بـ(73) مقعداً!

وهكذا هي أحوال الصدر في معظم مواقفه الرسمية والشعبية مع الحكومات المتعاقبة على رئاسة الوزراء في بغداد، لكنه، وعلى الرغم من كل الملاحظات على أدائه، يعدّ من الأرقام الصعبة والمحورية في المشهدين السياسي والأمني في العراق.

ويمكن القول إن الصدر برز بشكل واضح بعد انتخابات 2021، وبالذات بعد فوزه الساحق وإعلانه بعد الانتخابات جملة من القرارات ومنها سعيه لحصر السلاح بيد الدولة، مما أثار حفيظة وتخوف القوى (الشيعية) المالكة لأجنحة مسلحة في الحشد الشعبي، ودفعهم لترتيب الإطار (الشيعي) المعارض لنتائج الانتخابات.

ومع ذلك بقي الصدر يدعو لتشكيل حكومة أغلبية وطنية، وأعلن لاحقا تجميده لسرايا السلام في بابل وديالى!

وفي خطوة سياسية لاحقة شكل لجنة للتفاوض لتشكيل الحكومة يرأسها حسن العذاري، مستشاره الخاص، وتركيزه على أن العام 2021 هو عام الإصلاح!

وقد ظهر خلال الأيام اللاحقة لإعلان النتائج أن الصدر يرفض التحالف مع نوري المالكي، وأن على واشنطن إجراء حوار جاد فيما يخص بقاء قواتها وتدخلاتها في العراق.

ثم ليقرر لاحقا تكليف أحمد المطيري رئيسا للهيئة السياسية للتيار الصدري بدلاً من نصار الربيعي!

وليختم قرارته المتوالية بعزل الهيئة الجهادية العليا ويشكل لجنة لتصحيح مسار سرايا السلام في سامراء والعمل على تنظيم الأمور الشرعية والعقائدية والأخلاقية والجهادية والعسكرية والأمنية والاستخبارية، وكأنها رسالة عسكرية للذين يعارضونها من أصحاب الفصائل المسلحة في الحشد الشعبي.

خلاصة القول إن الصدر وتياره أمام الكثير من التحديات، وبالذات فيما يتعلق بمرحلة تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية القادمة، ولكن النقطة الأبرز تتعلق بمحاولات الصدر لمعالجة قضايا وجوانب سلبية في العراق موجودة أصلا في بعض شخصيات تياره!

فهل سينفذ القانون على الجميع، وهل سيعتقل المقربين منه من المتورطين بدماء العراقيين وتهجيرهم أم لا، أو أن الأمور بشكل عام سائرة نحو دهاليز جديدة في المواجهات السياسية والميدانية في العراق؟