مقايضة روسية أميركية على الانسحاب الإيراني من سوريا

2018.11.23 | 23:11 دمشق

+A
حجم الخط
-A

قالت القناة الإسرائيلية العاشرة الثلاثاء الماضي إن روسيا طرحت على أميركا وإسرائيل اقتراحا أو مقايضة بالأحرى تتمثل بانسحاب إيران من سوريا مقابل رفع العقوبات الأميركية المفروضة ضدها.

القناة أرجعت خبرها أو سبقها بالأحرى لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو في أول جلسة يحضرها للجنة الخارجية والأمن البرلمانية بعد تسلمه وزارة الدفاع، حيث ألمح إلى أنه ناقش الأمر مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في لقائهم الباريسي - 11 تشرين ثاني/ نوفمبر - كما ألمح إلى أن النقاش الثلاثي الروسي الأميركي الإسرائيلي مستمر حول الاقتراح، علماً أنه كشف عن سفر المبعوث الأميركي لسوريا جيمس جيفري إلى موسكو في الثامن من تشرين ثاني/ نوفمبر الجاري ثم تحوله إلى القدس المحتلة بعد ذلك حيث التقى نتنياهو الذي أكد كذلك على أن الاقتراح أولى، وما زال قيد البحث.

الاقتراح الروسي لافت  جداً لا شك خاصة أنه يأتي بعد جملة من التسريبات والتصريحات الرسمية القائلة إن موسكو ليست بوارد، ولا تستطيع أصلاً الضغط على طهران للانسحاب، بينما اعتبرت هذه الأخيرة الأمر مرتبطا بقرار النظام العصابة الخاضع أصلاً وبشكل مباشر لوصايتها كما وصاية الاحتلال الروسي.

مبدئياً؛ يعني الاقتراح سعي موسكو للاحتفاظ بزمام المبادرة  السياسية بوصفها القوة القائمة بالاحتلال في سوريا، دون اعتراض جدّي من تل أبيب أو واشنطن - القوة المحتلة بدورها - ولكن ضمن الواقع المركب أو المعقد، فإن موسكو نفسها تعرف أن القرار النهائي والحاسم هو لأميركا قوة الاحتلال الأكبر بالسياقات السياسية العسكرية الأمنية حتى الاقتصادية، وبالتالي لا تستطيع فرض ولا يمكن أصلاً تطبيق تمرير أي شيء دون ضوء أخضر أو حتى برتقالي منها بما في ذلك  فكرة أو قرار الاحتلال الروسي نفسه.

الاقتراح الروسي لافت  جداً لا شك خاصة أنه يأتي بعد جملة من التسريبات والتصريحات الرسمية القائلة إن موسكو ليست بوارد، ولا تستطيع أصلاً الضغط على طهران للانسحاب

في السياق الروسي الأميركي فلا شك أن الاقتراح – المقايضة - يمثل نوع من الرد وحتى التفهم الروسي للموقف الأميركي الذي ربط انسحاب القوات الأميركية بانسحاب إيران وميليشياتها من سوريا، كما أنه تعبير ربما عن الفهم الروسي أن الوجود - الاحتلال الأميركي يمثل خطراً على نظيره الروسي، كما على السيناريوهات والمصالح  الروسية في المنطقة  على عكس تفكير الإدارة الأميركية المتغطرس، لكن الواقعي الذي لا ينظر نظرة مماثلة عدائية إلى الوجود -الاحتلال الروسي، و لا يعتبره خطراً مباشراً على المصالح الأمريكية في المنطقة، خاصة مع حرص الروس المبالغ فيه على أمن إسرائيل وسلامتها

روسيا تحاول  كذلك استغلال القطيعة الجفاء وعودة العداء بين واشنطن وطهران لطرح نفسها كوسيط وبالتالى زيادة نفوذها وحضورها السياسي، وفي السياق ضمان ألا يحدث أي اتفاق بعيداً عنها، وبما يؤثر سلباً على مصالحها في سوريا والمنطقة بشكل عام.

طبعاً من الصعب تصور أن تطرح روسيا. هذا الاقتراح بمعزل عن طهران أو دون التشاور معها، ولكن مجرد طرحه يعني أن موسكو تفهم أن لا حل جدي في سوريا دون الانسحاب الإيراني الذي يمثل عبئا عليها تجاه علاقاتها المعقدة المركبة مع واشنطن و تل أبيب، وهي النقطة التي أشار إليها نتنياهو تحديداً بقوله أن موسكو بحاجة للتشاور مع عدة أطراف من أجل إيجاد حل للوجود- الاحتلال الإيراني في سوريا بشكل عام.

إذا كانت طهران في الصورة وعلى الأغلب أنها كذلك، فهذا يعني استعدادها للتنازل والمقايضة تحت ضغط العقوبات ، وهي استغلت أصلاً احتلالها لسوريا، ودول عربية أخرى للحصول على مكاسب سياسية من الإدارة الأميركية السابقة، حتى أن الرئيس حسن روحاني قال لمسؤولين في الحرس الثوري إن تضحياتهم – إجرامهم - ساهمت في الحصول على ما سماه الانتصار في الاتفاق النووي، الآن يحصل الأمر نفسه بصورة معاكسة، حيث تتم مقايضة الانسحاب بالحصول على مكاسب سياسية واقتصادية ، وربما للعودة للاتفاق نفسه بتعديلات ما مع ترامب.

استنتجت وكتبت هنا أكثر من مرة أن روسيا تتعاطى مع الاحتلال الإيراني بمستويين مختلفين ومتداخلين، حيث تعتبر تواجده قرب الحدود مع فلسطين المحتلة مسألة بينها وبين إسرائيل - تحت نظر واشنطن ورعايتها طبعاً - وقد تم التوافق فعلاً  فى هذا الصدد على إبعاد إيران وميليشياتها 100 كم عن الحدود لإرضاء تل أبيب والحفاظ على أمنها، كما أقر المبعوث الروسي لسوريا ألكسندر لافرينتييف.

أما الاحتلال الإيراني لسوريا بشكله العام – بعيداً عن فلسطين - فهو قيد النقاش أو المقايضة مع الولايات المتحدة وليس مع إسرائيل، هذا ما حدث ويحدث بالفعل كون روسيا طرحت الفكرة أولا على جيمس جيفري الذي نقلها إلى نتنياهو، ثم جرى نقاش حولها في لقاء نتنياهو – بوتين الباريسي الذي استمر نصف ساعة، وقال عنه الأول أنه كان جيداً عملياً ومهماً للغاية ، ولا شك أن الحوار الثلاثي سيستمر حول هذه المسألة في المستقبل.

أما الاحتلال الإيراني لسوريا بشكله العام – بعيداً عن فلسطين - فهو قيد النقاش أو المقايضة مع الولايات المتحدة وليس مع إسرائيل

يجب الانتباه هنا طبعاً إلى أننا أمام معادلة أقرب إلى 2+1 أي روسيا وأمريكا ومعهم إسرائيل والنقاش السياسي يجرى أساساً بين واشنطن وموسكو، بينما يأخذ طابع أمني أضيق مع تل أبيب، وهي تشبه للمفارقة معادلة 2+1  الشبيهة بين روسيا - تركيا وإيران. المشهد كله يظهر طبعاً التراجع الضغط الذي تتعرض له طهران بعدما طوى ترامب صفحة التوافق وغضّ النظر لسلفه أوباما عن سياستها الإقليمية المدمرة.

أصلاً العقوبات الأمريكية الجديدة لها علاقة مباشرة بهذه المسألة، فكما تقول واشنطن فإنها راغبة في التوصل إلى اتفاق بشروط أفضل لا تتعلق فقط بالمشروع النووي، ولكن بالمنظومة الصاروخية طويلة المدى، كما الاحتلال الإيراني لدول عربية، هو الأمر الذي تم أصلاً بضوء أخضر أو برتقالي من أمريكا من قبل الحزبيين الجمهوري والديموقراطي، والآن يراد تحجيمه، وقبول طهران بمعادلة الانسحاب من سوريا فقط مقابل رفع العقوبات يعني أنها تحاول التفاوض من سقف مرتفع ومناسب لها، كونها تعرف أن الأمر لا يخص فقط وجودها -احتلالها لسوريا إنما للبنان العراق واليمن أيضاً.

تعي طهران حتماً خاصة مع استنجادها بروسيا لإنقاذ الأسد أنها لم تعد اللاعب المركزي فى سوريا، وتعرف أن انسحابها محل تلاقي وتوافق بين معظم القوى المعنية بالقضية السورية، لذلك تبدي انفتاحاً مبدئياً على الفكرة ومن جهة أخرى تسعى لكسب الوقت، تكريس حضورها احتلالها خارج الإطار العسكري عبر دعم تأسيس ميليشيات محلية خاضعة لها، كما تجنيس لميليشيات أجنبية وحتى عبر التغيير الديمغرافي و نشر المذهب الشيعي بما يضمن  استمرار نفوذها على الأرض حتى لو اضطرت للانسحاب فعلاً بالمعنى العسكري.

الاقتراح ما زال أوليا والنقاش الجدي لم يحصل بعد، وحديث جيفري نفسه عن تدمير روسيا وإيران لسوريا من أجل الحفاظ على نظام  الأسد الخاضع لوصايتهم هو صحيح طبعاً، إلا أن واشنطن فعلت الشيء نفسه في العراق أفغانستان دفاعاً عن مصالحها وأطماعها، و في هذا النقاش – الاستعماري – لا يجب أن تجرى مقايضة أخرى تضمن بقاء أو إعادة تأهيل نظام الأسد أو تعزيز النفوذ السياسى الإسرائيلي ، هذا يقتضي حتماً العودة إلى الأمم المتحدة ورعايتها للعملية السياسية وفق إعلان جنيف ، كما الاعتماد  والمراهنة على تركيا التى تبدو وحدها في مربع الصديق الوفي للشعب السوري كون مصالحها التاريخية والجيوسياسية متماهية إلى حد بعيد مع مصالحه، في ظل غياب عربي أو حضور خجول للأسف، وفي المربع الخاطىء الداعم للنظام -العصابة أداة إيران التي يدعي العرب معاداتها، رغم أن العالم كله يفهم أن لا حلّ سياسي جدّي عادل ومستدام ببقائه في السلطة.