icon
التغطية الحية

"مقام الرئاسة" في دستور سوريا: كيف يجب أن يكون؟

2021.10.22 | 08:26 دمشق

lmdh_sqtt_ljmhwry_lswry-web.jpg
وصفت أول لجنة دستورية في سوريا في العام 1930 نظام الحكم بأنه نيابي جمهوري - التاريخ السوري
إسطنبول - طارق صبح
+A
حجم الخط
-A

تعرّف المعاجم السياسية "مقام الرئاسة" بأنه المنصب الذي يشغله العضو الأسمى في الدولة، أياً كانت التسمية التي تطلق عليه، ملكاً أو رئيساً أو أميراً، وأياً يكن نظام الحكم، ملكياً أو نيابياً أو جمهورياً أو غير ذلك، ويمكن تلخيص مهمة هذا المنصب، في ضوء الضوابط التي يضعها دستور الدول، أنه يعبر عن إرادة الدولة ويمثلها.

في العام 1930، أقرت أول لجنة دستورية في سوريا دستوراً وصف نظام الحكم بأنه نيابي جمهوري، وأعطى صلاحيات واسعة لمجلس النواب، من ضمنها انتخاب رئيس الجمهورية، وبقي في الدساتير اللاحقة على هذا الحال حتى جاء الدستور الذي وضعه جمال عبد الناصر لدولة الوحدة مع مصر، وشكّل مرجعاً أساسياً للدساتير اللاحقة في سوريا، حيث ألغى الحكم النيابي البرلماني، وأقام نظاماً رئاسياً، يعطي صلاحية شبه مطلقة لرئيس الجمهورية.

مع انقلاب حافظ الأسد واستيلائه على السلطة، كرّس النظام الرئاسي الشمولي في الدستور الذي أقره في العام 1973، ليصبح الرئيس فيه شخصية ديكتاتورية مستبدة، ترى نفسها الأنموذج الأمثل والأوحد والمتفرد في كل شيء، وعزز لنحو أربعين عاماً لاحقة شخصية الرئيس كزعيم وقائد وأب وأخ أكبر، تُختزل فيه كل مفاصل الحكم، ووصلت أن وصفه إعلامه بعد وفاته بأنه "رجل في أمة، وأمة في رجل".

بعد اندلاع الثورة السورية، وفي العام 2012، أقرَّ الأسد الابن تعديلات شكلية على دستور والده، لم تقترب من محددات منصب رئيس الجمهورية، وحافظ على السلطة والصلاحيات في يده، دون أن يدرك أن ثورة السوريين كانت ضد الشرعية المزيفة التي أحاط النظام نفسه بها، وضد "مقام الرئاسة" الذي أمعن في السوريين قمعاً واستبداداً.

 

الرئيس في الدستور الحالي: فردي مركزي ومطلق

يمنح الدستور السوري الحالي مساحة كبيرة لمقام الرئاسة، وبموجبه فإن رئيس الجمهورية يسهر على احترام الدستور، والسير المنتظم للسلطات العامة، وحماية الوحدة الوطنية، وبقاء الدولة، واستقلال القضاء، ويؤدي هذه المهام عبر صلاحيات واسعة ومواقع يشغلها، فهو يترأس السلطة التنفيذية والمجلس الأعلى للقضاء، كما أنه القائد العام للجيش والقوات المسلحة.

كما يتولى رئيس الجمهورية تسمية رئيس مجلس الوزراء ونوابه، وتسمية الوزراء ونوابهم، وقبول استقالاتهم وإعفاءهم من مناصبهم، ويضع السياسة العامة للدولة ويشرف على تنفيذها، ويدعو مجلس الوزراء للانعقاد برئاسته، وله أن يشكل الهيئات والمجالس واللجان الخاصة وتحديد مهامها وصلاحياتها بقرارات تشكيلها، كما يسمي أعضاء المحكمة الدستورية العليا.

ويمنح الدستور الحالي أيضاً رئيس الجمهورية الحق في حل مجلس الشعب، كما يمنحه حق إعداد القوانين وإحالتها إلى مجلس الشعب للنظر في إقرارها، كما يمنحه سلطة التشريع خارج دورات انعقاد مجلس الشعب، ويحق له إقرار تعديل على الدستور.

كذلك يحق للرئيس أن يستفتي الشعب في القضايا المهمة التي تتصل بمصالح البلاد العليا، وتكون نتيجة الاستفتاء ملزمة ونافذة، ولا يحق للمحكمة الدستورية أن تنظر في دستورية القوانين التي يصدرها الرئيس ويقرها مجلس الشعب.

ومن الصلاحيات الأخرى، يعلن رئيس الجمهورية الحرب، والتعبئة العامة، ويعقد الصلح، ويعلن حالة الطوارئ ويلغيها، كما أنه يبرم المعاهدات والاتفاقيات الدولية ويلغيها.

ولرئيس الجمهورية الحق في إحالة رئيس مجلس الوزراء ونوابه والوزراء إلى المحاكم لما يرتكبه أي منهم من جرائم أثناء توليه مهامه أو بسببها، ويمنح العفو الخاص ورد الاعتبار، كما له الحق أيضاً بمنح الأوسمة.

وبموجب الدستور، فإن رئيس الجمهورية غير مسؤول عن الأعمال التي يقوم بها في مباشرة مهامه إلا في حالة الخيانة العظمى، ووفق إحدى المواد، فإن طلب اتهام الرئيس يكون بقرار من مجلس الشعب بتصويت علني وبأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، وبناء على اقتراح ثلث أعضاء المجلس على الأقل، وفي حال أقرت محاكمته، تجري أمام المحكمة الدستورية العليا التي سبق وأن سماها الرئيس.

 

السلطات الثلاث بيد الرئيس

يرى الباحث المحامي عيسى إبراهيم أن نظام الحكم الحالي هو "نظام فردي مركزي ومطلق، ولا يصح إطلاق صفة نظام رئاسي عليه، وذلك بسبب طبيعة الصلاحيات الفردية الكاملة، الكاملة حرفياً، للفرد الذي يتولى منصب الرئاسة".

ويضيف إبراهيم، في حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا"، أنه "حتى يمكن بناء تصوّر عن منصب الرئيس لاحقاً، من المهم معرفة أن صلاحيات الرئيس بموجب الدستور الحالي، هي صلاحيات كاملة بالمعنى الحرفي للكلمة، ولا يوجد فصل للسلطات، بل يستحوذ الرئيس، بشكل مباشر أو غير مباشر، على كامل الصلاحيات للسلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائية".

ويؤكد إبراهيم على أنه من المهم "إعادة توزيع السلطات الثلاثة دون طغيان في الدستور السوري المأمول، وإعادة الاعتبار للسلطة التشريعية والقضائية، عبر إعادة الصلاحيات وتحديدها، إلى جانب تحديد صلاحيات السلطة التنفيذية".

 

برلماني أم رئاسي

من جانبه، يعتبر الباحث الدكتور رضوان زيادة، أن "نظام الحكم الأنسب لسوريا هو نظام الحكم البرلماني، حيث يشكّل رئيس الوزراء الحكومة من الحزب السياسي الذي يحصل على الأصوات الأعلى في الانتخابات، ويكون منصب رئيس الدولة فخرياً بلا صلاحيات".

ويوضح، في حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا"،  أن "الدستور هو أعلى وثيقة قانونية في الدولة، ويجري الاتفاق عليها بين القوى السياسية والاجتماعية في المجتمع، بشكل يعكس التوازن بين هذه القوى وتوافقها على شكل الدستور، بحيث يلتزم الجميع به عندما يشعرون أنهم مشاركون بصياغته وكتابته".

مؤكداً أن "شكل نظام الحكم في الدستور يعتمد على اتفاق القوى السياسية السورية حول الشكل الأنسب للحكم الافضل في المستقبل، إن كان رئاسياً أم برلمانياً".

 

هل كان نظام الأسد "سيادياً"؟

في المقابل، يرى أحد أعضاء اللجنة الدستورية السورية، في فريق المجتمع المدني عن نظام الأسد، فضّل عدم الكشف عن اسمه، أن "سوريا ذات نظام جمهوري سيادي، ومن هذا المنطلق يكتسب منصب رئيس الجمهورية أهمية كبيرة، حيث تقع على عاتق الرئيس مهام جسيمة تختلف عن مهام الرئيس في باقي الأنظمة، خاصة وأن الحالة السورية استثنائية من جراء الحرب".

ويعتبر المصدر أن خلال العقود الخمسة الماضية "أثبت منصب رئيس الجمهورية في سوريا أنه يضمن الشرعية والقبول الشعبي من الغالبية العظمة من شرائح السوريين، حتى لو قالوا الآن خلاف ذلك".

وأشار إلى أن نظام الأسد الابن "حصل على شرعية الشارع وشرعية صندوق الانتخاب، وكفل ممارسة الحريات والحقوق بطريقة منظمة وسلمية وحضارية ودستورية"، مضيفاً أن نظام الأسد الأب "حصل على شرعية شعبية عارمة، أيده فيها 99 % من السوريون".

ويرى المصدر أنه "خلال السنوات العشر الماضية، كانت الجهود مُسلَّطة على مقام الرئاسة بشكل دائم، لأن التأثير فيها يعدّ مدخلاً لإضعاف الدولة والمؤسسات"، مشيراً إلى أن "إنجاز النظام الحالي للانتخابات الرئاسية الأخيرة في موعدها اكتسبت أهمية وقيمة كبيرة، حيث أكد فوز بشار الأسد على شرعيته هو كرئيس منتخب، وشرعية الدستور المعمول به في سوريا".

 

رئيس الجمهورية أم رئيس الحكومة

من جهة أخرى، يوضح المحامي عيسى إبراهيم أنه "وفقاً لنظام الحكم الحالي، ولدواع متعلقة بالأمان والسلاسة وعدم تشرذم الإدارة وتنوع مرجعياتها، من المهم التدرج بكسر مركزية النظام الحالي بشكل ممنهج حتى لا يؤثر على أداء الإدارة العامة المستمرة منذ عقود في صرامة وفردية وصلاحية مطلقة".

ويضيف أن ذلك يأتي "عبر تحديد صلاحية تنفيذية نسبية أعلى لرئيس الجمهورية، قد تكون بنسبة 51 % له والباقي لرئيس الحكومة، بحيث تكون صلاحيات كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة محددة بموجب الدستور، وليس بموجب تفويض من الرئيس لبعض صلاحياته إلى رئيس الحكومة".

كما يرى المحامي إبراهيم أن كلاً من رئيس الجمهورية والحكومة "يضعان معاً الخطة العامة للدولة، ويسهران على تنفيذها، ويتحملان معاً المسؤولية القانونية في ذلك، وفق مبدأ (خطة ونتيجة ومحاسبة)".

وأشار إلى أنه "بعد عقود من الآن، أعتقد أنه من الأفضل أن يكون نظام الحكم بأغلبه كصلاحية بيد الحكومة، وعبر نظام حكومي برئاسة حكومة يتم تشكيلها تبعاً للتنافس بين أحزاب معتبرة وحقيقية، وذلك بعد استقرار وحياة طبيعية في البلاد، حيث يشكّل الحزب الفائز حكومة لوحدة أو ائتلافاً مع غيره، وفق النسب المعتبرة أصولاً، أما الرئيس فيكون بصلاحيات محددة وقليلة".

وحول السلطة التشريعية، يقول المحامي إبراهيم إنه "من الأفضل وجود برلمان ومجلس شيوخ بمهام محددة لكل منهما، كذلك سلطة قضائية مستقلة، مهمتها الإشراف برئاسة مجلس قضاء أعلى مستقل، ويقوم على التدرج بها وفق الكفاءة والأقدمية، مع وجود محكمة دستورية عليا للفصل بين الطلبات المقدمة، وفق الأصول للتحقق من دستورية بعض القوانين والمراسيم والقرارات الصادرة عن السلطة التنفيذية وغيرها".

 

ما هو نظام الحكم البرلماني؟

وفق ما جاء في "خطة التحول الديمقراطي في سوريا"، التي أعدها "بيت الخبرة السورية"، فإن "الديمقراطية في حقيقتها هي آلية لإدارة الدولة ومؤسساتها، وهي نظام حكم يعتبر الشعب المرجعية الأساسية في اتخاذ القرارات، وهي باختصار حكم الشعب، وبمعنى آخر هي النقيض من حكم الفرد الواحد أو الاستبداد أو الدكتاتورية".

ولكل نظام سياسي ديمقراطي ميزاته الخاصة التي تؤدي إلى نجاحه، كما أن البيئة الاجتماعية والعامل الديمغرافي يلعب دوراً بارزاً في نجاح سياسي معين في دولة ما، أي كان نظامها، رئاسي أم برلماني أم مختلط.

ويتميز النظام البرلماني بتداخل كبير بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، إذ أن الحكومة عادة في هذا النظام تتشكل من قبل الكتلة الحائزة على أغلبية المقاعد، ويشترط حصول الحكومة على ثقة هذه الأغلبية لتتمكن من ممارسة عملها.

وتكون الحكومة في هذا النظام مسؤولة من قبل البرلمان، سواء الحكومة ككل ممثلة برئيسها أو الوزراء بشكل فردي، ويحق للبرلمان سحب الثقة عن الحكومة كما يحق للحكومة أن تحل البرلمان، إلا أن ذلك يعني بشكل تلقائي سقوط الحكومة.

ووفق "خطة التحول الديمقراطي في سوريا" فإن رئيس الدولة في هذا النظام يكون ذا صلاحيات رمزية أو شرفية، وقد تحال له بعض الصلاحيات في ظروف خاصة، إلا أن الرئيس عادة في النظام البرلماني ينتخب من قبل البرلمان كي لا يحظى بتأييد شعبي كبير يعطيه شرعية شعبية تضاهي تلك التي حازها البرلمان ككل، وتتعدى بكثير نسبة ما حازه أي عضو في البرلمان من أصوات.

 

كيف يضبط الدستور منصب رئيس الجمهورية؟

يرى المحامي عيسى إبراهيم أن "فصل السلطات الثلاث، التنفيذية والتشريعية والقضائية، وتحديد الصلاحيات لكل منها، هو بداية إيجاد التوازن ومنع التعارض بينها، وبالتالي تحديد المسؤولية على كل منها، وبذلك نتخلص من أغلب التعارضات الأساسية".

ويضيف أنه مع ذلك ستبقى هناك تعارضات بحكم العمل والإجراء الإداري العام لكل من السلطتين التشريعية والتنفيذية، ويكون الحَكَم بحلها وتحديد مدى دستوريتها هو المحكمة الدستورية، التي يجب أن تكون مستقلة تشكيلاً وقراراً، وهي المُخوّلة بضبط إيقاع عمل كلا السلطتين، وحل أي خلاف أو تعارض".

ووفق ذلك، يشير إبراهيم إلى أن "كل الإجراءات الصادرة عن رئيس الجمهورية تخضع للتحقق من دستوريتها من خلال إحالتها في حال الخلاف، عبر طلب نسبة محددة من النواب والشيوخ، إلى المحكمة الدستورية، للتأكد من دستورية الإجراء، وفي حال عدم دستوريته، يتم إعلان بطلانه أصولاً، أي توزيع الصلاحية بينه وبين رئيس الحكومة، وإخضاعه كما رئيس الحكومة لرقابة المحكمة الدستورية العليا، وفق الأصول والطرق التي حددت بعض ملامحها".

يوافق الدكتور رضوان زيادة على ذلك، ويوضح أنه "في الدولة الديمقراطية نتحدث دوماً عما يسمى فصل السلطات، أي بمعنى استقلالية كل سلطة بذاتها، بحيث لا تؤثر السلطة التنفيذية على القضائية، وتشرف السلطة التشريعية على التنفيذية لكن لا تشلّ عملها".

وأشار إلى أنه "في الوقت نفسه، يجب أن يكون هناك ما نسميه المراجعة والموازنة، ففصل السلطات يجب أن يحقق الموازنة بين السلطات الثلاث عبر القيام بدورها".

ويضيف المحامي عيسى إبراهيم أن "تحديد صلاحيات السلطة التنفيذية هو المدخل الفقهي الدستوري لإعادة ضبط صلاحيات الرئيس، باعتباره رأس السلطة التنفيذية، وتوزيع صلاحياته مع رئيس الحكومة"، موضحاً أن "حالياً ليس لدينا منصب رئيس حكومة، بل وظيفة رئيس وزراء، ولكل من المفهومين تداعٍ قانوني دستوري مختلف، بحيث يمكن من خلال هذا التوزيع للصلاحيات التخفيف من حدّة مركزية الصلاحيات لمنصب الرئيس وشموليتها بالوقت ذاته".