icon
التغطية الحية

مقاربة روسيا في درعا البلد والجنوب السوري

2021.08.05 | 12:38 دمشق

تقرير لـ "تجمّع أحرار حوران" حول الانتهاكات في درعا خلال النصف الأول من 2021
غازي عنتاب – عبد الوهاب عاصي
+A
حجم الخط
-A

عندما وقّعت لجنة إدارة الأزمة في درعا (اللجنة المركزية) اتفاق التسوية في 6 من تموز/ يوليو 2018، كانت روسيا قد تعهّدت، مثلما ينص على ذلك البند رقم (12)، بضمان تطبيق الاتفاق بشكل كامل. وعليه، قدّمت نفسها كوسيط يُمكن الرجوع إليه لحل أي خلاف أو نزاع قد يندلع بين النظام السوري وأهالي الجنوب.

وبالفعل، قدّمت روسيا نفسها كطرف وسيط أثناء انعقاد المفاوضات واتفاقيات إعادة التسوية التي تمّت بين اللجنة الأمنية التابعة النظام السوري واللجنة المركزية جنوب البلاد، مثلما جرى في الصنمين بتاريخ 2 من آذار 2020 وفي جاسم بتاريخ 12 من آب 2020 وفي طفس بتاريخ 17 من أيلول 2020 وفي أم باطنة بتاريخ 15 من أيار 2021.

أثناء محاصرة قوّات النظام السوري الأحياء السكنية في درعا البلد أواخر حزيران 2021 عقدت اللجنة المركزية اجتماعاً مع وفد روسي برئاسة ضابط يُطلق عليه اسم "أسد الله"، وتم تحديد الشروط التي أصبحت اللجنة الأمنية لاحقاً تتمسّك بها وهي تسليم 200 قطعة سلاح فردي، و20 رشاشاً آلياً، وإجراء عمليات تفتيش للبيوت.

تراجعت روسيا بعد ذلك إلى الخلف ولم تحضر جولات المفاوضات مع اللجنة المركزية وحلّت مكانها اللجنة الأمنية بقيادة الفرقة الرابعة، والتي وضعت شروطاً جديدة منها إقامة 7 نقاط، 3 أمنية و 4 عسكرية. إلّا أنّ عدم استجابة أهالي درعا البلد للمطالب والتصعيد الذي شهدته مدن وبلدات المحافظة دفع بالوفد الروسي للعودة إلى المشهد لكن بصورة الوسيط.

روسيا وسيط غير محايد

تحرص روسيا على الحفاظ على صورتها كوسيط وضامن بين أطراف النزاع في الجنوب السوري منذ توقيع اتفاق التسوية (2018)، وبدون ذلك لا يُمكن تحويل الإنجازات إلى مكاسب.

روسيا طرف غير محايد، لكن يبدو أنّها تحاول تحقيق قبول بها من السكّان المحليين ووصول أوسع إلى القواعد الاجتماعية، سواء عبر دبلوماسية الوساطة أو دبلوماسية المساعدات الإنسانية. ففي أثناء التصعيد الذي يشهده الجنوب السوري لم توقف روسيا تقديم الإعانات الإغاثية؛ كتلك التي تم توزيعها في مدينة درعا بتاريخ 28 من تموز 2021، وهي سياسة بدأ تطبيقها منذ أيلول 2019.

ومن خلال تقديم نفسها كوسيط في الجنوب السوري حاولت روسيا إظهار إمكانية للثقة بها من قبل اللجنة المركزية، التي وجدت في ذلك موقفاً داعماً لها أمام اللجنة الأمنية خلال اتفاقيات إعادة التسوية منذ أن بدأت في آذار 2020.

لكنّ روسيا وسيط غير محايد، عندما تجد مواقف اللجنة المركزية لا تتطابق مع مقاربتها للمشهد جنوب سوريا. على سبيل المثال، لم يتوانَ الوفد الروسي عن تهديد اللجنة المركزية بشنّ غارات جوية على أهالي الريف الغربي لدرعا ما لم يتم تسليم السلاح الخفيف والمتوسّط وتهجير 6 من أبناء المنطقة؛ وذلك قبيل توقيع اتفاق إعادة التسوية منتصف أيلول 2020.

في درعا البلد لا يبدو أنّ روسيا ستلجأ لتهديد مماثل باستخدام القوّة المفرطة، لأنّها تحرص على احتواء التصعيد وعدم انزلاق الجنوب السوري إلى مزيد من الفوضى وعدم الاستقرار، والذي قد يؤثر في الالتزامات أمام الأردن والولايات المتحدة وحتى إسرائيل.

أيضاً، قد تخشى روسيا أن يؤدي التهديد المستمر باستخدام القوّة المفرطة لفرض الاستقرار جنوب سوريا إلى تآكل صورتها كوسيط أمام السكّان المحليين واللجنة المركزية.

لذلك، يُمكن القول إنّ روسيا منحت إيران والنظام السوري التفويض من أجل شنّ عسكرية محدودة على درعا البلد، فبدون هذا الغطاء يصعب تنفيذ أي هجوم أو التوصّل لأي اتفاق، لا سيما وأنّ الشروط التي تم فرضها على اللجنة المركزية جاءت من الوفد الروسي قبل طرحها من قبل اللجنة الأمنية.

ماذا تريد روسيا من درعا؟

في منتصف أيلول 2018 أعلنت روسيا حلّ الفيلق الخامس في ريف درعا الغربي بعد شهر من رفض فصائل المعارضة التي وقّعت اتفاق التسوية تجهيز قوائم لأسماء 250 مقاتلاً للمشاركة في عملية عسكرية كانت مرتقبة على إدلب، على اعتبار أن الوعود التي قدّمت لهم كانت لا تتضمن المشاركة في أيّ معارك خارج درعا خلال السنة الأولى من الانتساب.

ملأت الفرقة الرابعة والأفرع الأمنية والميليشيات التابعة لإيران الفراغ في ريف درعا الغربي، مما أدّى لانتساب عدد من مقاتلي الفصائل إلى تلك التشكيلات بغرض الحماية ولمنع سيناريو التهجير والخدمة الاحتياطية والإلزامية خارج المنطقة.

عموماً، رغم عدم رضا روسيا عن الوضع الأمني في محافظة درعا والاستياء من عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية والذي يوحي بقدرة على تبني سياسات معارضة من قبل اللجنة المركزية والسكّان المحليين، إلّا أنّها غير مستعدة لمنح إيران فرصة الاستيلاء على كامل المنطقة، بصرف النظر إن كان هذا الموقف نتيجة التنافس معها أم للإيفاء بالالتزامات مع الأردن وإسرائيل والولايات المتّحدة.

بموجب اتفاق التسوية تم حلّ جميع فصائل المعارضة جنوب سوريا، إلّا أنّ بعضاً منها حافظ على قدرة لا بأس بها في استعادة هياكلها التنظيمية في ظل توفّر السلاح وشبكات الحماية المحلية نوعاً ما. في الواقع، لم تُسهم اللجنة المركزية في تقليص حجم الفوضى الناتجة عن ذلك، مع استمرار العمليات ضد مصالح النظام السوري.

يبدو أنّ روسيا باتت على قناعة بأنّ عدم حسم ملف الجنوب السوري أمنياً يعني تهديد اتفاق التسوية بشكل جدي، وبالتالي تهديد نموذج الفيلق الخامس المتمثّل باللواء الثامن، وهو الوحدة العسكرية التي تدين بولاء كامل لها تم تشكيلها بإعادة إدماج قوّات شباب السنّة بقيادة أحمد العودة في المؤسسة العسكرية بموجب خطّة الإصلاح العسكري.

لا سيما وأنّ اللجنة المركزية تعمل منذ منتصف عام 2020 على تشكيل كيان موحد لتمثيل الجنوب السوري يمتلك قوّة تنفيذية بالاعتماد على السلاح الفردي الذي بحوزة الأفراد في مدن حوران وقراها.

هذا لا يُشكّل تهديداً لنموذج الفيلق الخامس أو اللواء الثامن، الذي سعى مراراً عبر قائده أحمد العودة للتسويق لفكرة تشكيل جيش الجنوب، بل إلى تحويل درعا لنموذج مشجّع لغيرها من المناطق التي وقّعت اتفاقيات تسوية.

والإصرار خلال المفاوضات مع اللجنة المركزية في درعا البلد على سحب سلاح الأفراد الخفيف، يُفترض أن يدفع المقاتلين إلى حماية أنفسهم، سواءً بالهجرة أو الانتساب إلى الفيلق الخامس. من غير المعقول أن تكون الفرقة الرابعة أو ميليشيات إيران خياراً ملائماً لهم.

رفضت روسيا بشكل حاسم خيار التهجير خلال المفاوضات مع اللجنة المركزية، مما قد يعني أنّها تدفع أبناء درعا إلى الانتساب إلى الفيلق الخامس سواء كأفراد أو مجموعات على غرار اللواء الثامن.

ربّما تأمل روسيا أن تكون إعادة تشكيل الفيلق الخامس في درعا البلد وريف درعا الغربي فرصة لتطبيق الشروط التي أخفقت فيها سابقاً، أي الحق باستدعاء المقاتلين لـ "مهام مكافحة الإرهاب" في شرق وشمال البلاد؛ لا سيما في حال كانت الخيارات مقتصرة على توقيع اتفاق تسوية جديد بوساطة روسيا أو المواجهة العسكرية مع إيران.

وليس مستبعداً أنّ روسيا تعمل أيضاً، من خلال حسم ملف الجنوب السوري أمنياً، على تأمين طريق دمشق - عمّان تمهيداً لتوسيع حركة التجارة والنقل من معبر نصيب - جابر مع الأردن، خصوصاً إذا ما كان هناك تعويل على تحقيق تقدّم في القضايا الخلافية مع الولايات المتحدة بما فيها ملف إعادة الإعمار بعد أن اجتازت موسكو اختبار الثقة الذي وضعته واشنطن باشتراط تمديد آلية المساعدات الإنسانية عبر الحدود إلى سوريا لفتح المجال أمام التعاون الثنائي.