icon
التغطية الحية

مع كل عام منذ تدخلها.. روسيا تواجه تحديات جديدة في الملف السوري

2020.10.01 | 06:11 دمشق

54d297b8-e878-476c-a90e-0a44dbf207a1.jpg
إسطنبول - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

زجّت روسيا بكامل ثقلها العسكري في العامين 2018 و2019 لحسم المعركة العسكرية في سوريا والانتهاء من الجيوب المحاصرة الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة في جنوب سوريا ووسطها، أملاً باستثمار هذا الحل العسكري سياسياً. إلا أن تطورات فرضها اللاعبون الدوليون المعنيون بسوريا وعلى رأسهم الولايات المتحدة وتركيا، أجبرت موسكو على الالتزام باتفاقيات جديدة ميدانية وسياسية.

هجّرت العمليات العسكرية للنظام وروسيا وإيران، بسياسة الأرض المحروقة؛ 129 ألفا و964 شخصاً خلال الفترة ما بين 14 آذار و31 تموز من العام 2018، بحسب إحصائية شاملة لفريق منسقو استجابة سوريا. سيطر النظام خلال هذه الفترة على الغوطة الشرقية لدمشق بعد مجزرة الكيماوي ومنطقة القلمون الشرقي ومخيم اليرموك وأحياء جنوبي دمشق، القدم وببيلا وبيت سحم، ومن ثم ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي وأخيراً الجنوب السوري في درعا والقنيطرة، وهي مناطق مشمولة باتفاق "خفض التصعيد" الموقع في الرابع من أيار 2017.

 

 

معركة إدلب ليست بالسهلة

وبعد السيطرة المعقدة على الجنوب السوري في تموز 2018، كانت المعركة الحاسمة في نظر روسيا، هي معركة إدلب التي باتت التجمع الأكبر لفصائل المنطقة والفصائل المهجرة من باقي المناطق السوري. ورغم انهيار خطوط الجبهات من ريف حلب الشمالي وحتى ريف اللاذقية الشمالي، عندما بدأت معركة إدلب الكبرى في أيار 2019، إلا أن تقدم روسيا وحلفائها توقّف عند حدود خريطة السيطرة الحالية، بفعل التدخل البري للجيش التركي في كامل المنطقة ودعم الفصائل بالأسلحة والمعدات العسكرية تحت تغطية جوية من الطائرات بدون طيار تركية الصنع.

يُلاحظ التماسك النسبي لاتفاق وقف إطلاق النار الموقع بين رئيسي تركيا وروسيا في الخامس من آذار الفائت، واستمرت تركيا بإرسال آلاف الجنود ومئات الآليات العسكرية إلى نحو 50 نقطة عسكرية و 5 قواعد عسكرية كبيرة في أرياف حلب وإدلب، وعملت على هيكلية جديدة لها غاية عسكرية لتدريب الفصائل وتنظيمها، وسياسية تهدف إلى دمج الجبهة الوطنية للتحرير مع هيئة تحرير الشام، التي تتجاوب إلى حد كبير عبر المواقف الرسمية المباشرة وغير المباشرة.

يمكن تفسير استمرار الهدنة في إدلب، بالنظر إلى الحسابات الروسية المعقدة، فالأيام الأخيرة للمعركة قبل اتفاق الهدنة، تسببت بخسائر كبيرة جداً في صفوف قوات النظام نتيجة الضربات الجوية والمدفعية التركية، وعمليات الهجوم لفصائل المعارضة في محاور مدينة سراقب.

 

فخ التدخل الروسي في مناطق سيطرة "قسد"

أطلقت تركيا عملية نبع السلام في 9 تشرين الأول 2019، بعيد اتصال بين أردوغان وترامب الذي أعلن عن قراره بالانسحاب من سوريا، وتوقفت الاشتباكات في 17 تشرين الأول عندما اتفق أردوغان ونائب الرئيس الأميركي مايك بنس على انحساب وحدات حماية الشعب من الحدود التركية بعمق 30 كم.

حينها لم يعد أمام "قسد" خيار سوى طلب التدخل من روسيا ومن خلفها نظام الأسد، لتنتشر قوات الجانبين في مناطق متفرقة من حلب والرقة والحسكة، وتوصل أردوغان وبوتين في 22 تشرين الأول لاتفاق مماثل للاتفاق الأميركي.

وبناء على قرار ترامب بالانسحاب الذي حصل مؤقتاً وبنسبة محدودة، دخلت روسيا ساحة معركة جديدة لم تطأها قدمها من قبل، سعياً وراء مطامع كبيرة لا تقتصر على الثروات الباطنية والاستثمار في عشرات آلاف العناصر من "قسد".

عادت القوات الأميركية بالانتشار في الحسكة ودير الزور، في حين انتشرت القوات الروسية في نقاط عديدة أبرزها قاعدة صرين الجوية بريف مدينة عين العرب، والتي كانت أولى القواعد التي تخليها قوات التحالف، وأنشأت قاعدة جوية في القامشلي.

وعندما حاولت روسيا التوسع في محافظة الحسكة الغنية بالثروات الباطنية عبر الدوريات، أوقفت القوات الأميركية ذلك وظهرت مشاهد الصدامات براً وجواً.

الآن تصطف طوابير السيارات في كل المدن السورية في مناطق سيطرة النظام، وعادت حركة بيع النفط للنظام عبر القاطرجي، والتي لا تجد مصفاة تكرير قيد العمل لاستخراج المازوت والبنزين منها.

وتوقفت الدوريات الروسية المشتركة على الحدود السورية التركية، وأشارت أنقرة إلى أن موسكو لم تلتزم بتعهداتها بإبعاد وحدات حماية الشعب عن حدودها وفقت الاتفاق، ما يتيح الفرصة لتركيا باستكمال عملية نبع السلام في أي وقت تراه مناسباً.

الآن وبعد العودة الأميركية بحجة "تأمين النفط" والقضاء على تنظيم الدولة، توقفت وفود "الإدارة الذاتية" عن لقاء النظام للتباحث حول مستقبل سوريا بحسب الطرفين، لتخسر روسيا أيضاً المكاسب المترتبة على استقطاب "قسد" التي تسيطر على ثلث مساحة سوريا.

 

الصحراء السورية.. روسيا غير قادرة على ضبط خلايا تنظيم الدولة

استكملت خلايا تنظيم الدولة منذ مطلع العام الجاري، نشاطها في البادية السورية الواقعة بين تدمر شرقي حمص ومعدان شرقي الرقة والبوكمال والميادين شرقي دير الزور.

وأطلقت روسيا عملية عسكرية "الصحراء البيضاء" واستقدمت أرتالاً من ميليشيا "لواء القدس" و"الفيلق الخامس" وغيرها لتمشيط البادية، حيث قُتل في 18 آب الفائت ضابط روسي برتبة لواء، وخسرت قوات النظام ما لا يقل عن مئة قتيل في الاشتباكات الجارية.

ولا يبدو أن لروسيا القدرة على ضبط البادية السورية التي تعتبر الباحة الخلفية لمعظم المحافظات السورية، إذ يحتاج ذلك إلى تقنيات عسكرية متطورة تمتلكها قوات التحالف، بالإضافة إلى نشر آلاف العناصر في مئات النقاط العسكرية.

 

الحرس الثوري الإيراني حاضر وبقوة

خلال عملية "الصحراء البيضاء" حاولت روسيا دفع قوات النظام إلى مناطق قريبة من بادية البوكمال، معقل الميليشيات التابعة للحرس الثوري الإيراني، والتي تحرس الممر البري بين إيران وسوريا عبر العراق، حيث أنشأت هناك "قاعدة الإمام علي" وسيطرت على معبر البوكمال الحدودي.

ودخلت إيران وروسيا في الأيام الأخيرة، بسباق تجنيد، حيث انشق عناصر سوريون مرتبطون بميليشيات إيرانية والتحقوا بميليشيات روسية، في حين افتتح الحرس الثوري الإيراني معسكرات تجنيد وتدريب عبر الإغراءات المادية.

ويبلغ عدد الميليشيات المدعومة من إيران في سوريا نحو 50 تشكيلاً، وفق تحقيق سابق أعده موقع تلفزيون سوريا، وقد وصلت أعداد عناصرها خلال عام 2017 نحو 70 ألفاً، وتقدّر أعدادهم اليوم بأكثر من 100 ألف مسلح، باعتراف قائد "الحرس الثوري" الإيراني "محمد علي جعفري".

ورُسمت الخطوط الحمراء للوجود الإيراني في سوريا، في قمة القدس التي عُقدت في حزيران من العام 2019، وضمت مستشار الأمن القومي الأميركي السابق جون بولتون ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي مئير بن شابات وأمين عام مجلس الأمن القومي الروسي نيكولاي بيتروشيف.

وشدد حينها بولتون وبن شابات على ضرورة التنسيق لإخراج القوات الإيرانية من سوريا بالكامل، وهذا ما قد يتقاطع مع رغبة روسية بالاستفراد بالقرار والأرباح في سوريا.

ومنذ قمة القدس وما قبلها، تستمر الضربات الجوية الإسرائيلية على مواقع الميليشيات الإيرانية في سوريا، دون أي تدخل روسي، لأن موسكو لم تلتزم بتعهداتها بإخراج الحرس الثوري وميليشياته من سوريا، وفي الوقت نفسه ما زالت موسكو تعوّل على الحل العسكري ومشاركة هذه القوات الكثيرة في أي معارك قادمة، كما حصل عندما شاركت بقوة كاملة في معارك ريفي حلب الجنوبي والغربي ومعركة سراقب، والتي ساعدت روسيا والنظام على حسم معركة إدلب الأخيرة بسرعة عبر فتح خطوط الجبهة كاملة.

تحاول روسيا الاستفادة من الوجود الإيراني عسكرياً، وكذلك الإبقاء على هذه الورقة سياسياً ين يديها لآخر وقت ممكن، واستخدامها في أي تفاهم شامل في حال بدأ الحل السياسي الجدي والحقيقي في سوريا. لكن هذه الاستراتيجية لها ثمنها، حيث تستفيد طهران أيضاً في تثبيت نفوذها في كافة المجالات، ما سيصعب مهمة موسكو في إخراج إيران من سوريا ويحد من الهامش الروسي في صياغة حل سياسي مناسب لها، بالإضافة إلى فقدان عامل الاستقرار الذي تطمح إليه في مناطق سيطرة النظام، والذي تبدده الضربات الجوية الإسرائيلية كل حين.

آخر محاولات طهران في تثبيت نفوذ مقونن طويل الأمد في سوريا، كان بتوقيع اتفاقية عسكرية شاملة مع النظام في سوريا في تموز الفائت.

 

فوضى سلاح الميليشيات في كل المدن والقرى.. لا فيلق خامس ولا "دولة سورية"

فشلت روسيا في مشروع الفيلق الخامس الذي استحدثته بهدف تشكيل كيان عسكري منظّم ذو فعالية في المعارك ويكون رأس حربة في أي مواجهة مع الميليشيات الإيرانية.

وتؤكد عشرات الاقتتالات الداخلية في مناطق سيطرة النظام بين الميليشيات التابعة له، على عدم وجود أي إمكانية على ضبط هذا السلاح، الذي بات سلاحاً لحراسة مناطق النفوذ المحلية لقادة هذه الميليشيات، وعلى فشل موسكو في تصدير النظام على أنه "دولة" بقوام كامل.

هذه الاقتتالات سينتج عنها اصطفاف مصلحي بين روسيا وإيران، لكن الإيرانيين لديهم قدرة وصول أكبر للمجتمعات السورية، وسيكونون المستفيدين من حالة الفوضى هذه.

 

تعويم النظام وأحلام إعادة الإعمار تصطدم بقانون قيصر

كانت أولى الاستثمارات السياسية الروسية للسيطرة العسكرية في سوريا، في إعادة الإمارات فتح سفارتها في دمشق أواخر 2018، وسعت موسكو جاهدة إلى تعويم النظام في المجتمع الدولي على الأقل عبر البوابات الاقتصادية والأمنية.

في الـ 20 من كانون الأول 2019، وقّع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا، ما يمكنه من فرض عقوبات على نظام الأسد وجميع الدول الداعمة له وعلى رأسها روسيا وإيران، حيث تشمل العقوبات جميع مجالات الأعمال والطاقة والنقل الجوي، ما عدا الدعم الإنساني الدولي للمدنيين.

توالت دفعات العقوبات على بشار الأسد وزعماء نظامه وقادة ميليشياته، وتحولت أحلام موسكو في تعويم النظام إلى أوهام، وتعززت سياسة الولايات المتحدة في سوريا، بأن الحل العسكري في سوريا لا يمكن أن يحدث، وأن دماء 55 ألف قضوا تحت التعذيب وغيرهم عشرات الآلاف، لا يمكن أن يذهب سدى.

اقرأ أيضاً: قيصر وقانونه.. القصة الكاملة وبالتفصيل (تسلسل زمني)

وبعد أيام من توقيع القانون، سجلت الليرة السورية رقماً قياسياً تجاوز عتبة الـ 3 آلاف ليرة سورية، ليعصر الفقر والجوع ملايين السوريين بسبب ارتفاع الأسعار الجنوني. وعجز النظام عن تقديم أي شيء أو على الأقل ضبط حالة الفساد المستشرية في كل مؤسساته.

 

طوابير الخبز والوقود مجدداً.. أين أموال ونفط روسيا؟

كانت طوابير المحروقات والخبز هذا العام مضاعفة عن سابقاتها من السنوات الماضية، وتخبّطت حكومة النظام وهي تحاول كل يوم إصدار قوانين جديدة عبر "بطاقات ذكية" وحصص لا تكفي ربع الاحتياجات للعائلة السورية.

يبرر النظام فقدان المحروقات بسبب أعمال الصيانة في مصفاة بانياس، وروسيا غير قادرة على تزويد النظام بجزء يسير من الـ 9.37 مليون برميل نفط الذي تنتجه يومياً.

 

 

ويبدو أن قانون قيصر وتعقيدات الصراع الروسي الإيراني الناعم في سوريا، لا تسمح لموسكو بضخ عملات أجنبية تحسن سعر صرف الليرة السورية، وتساعد النظام على تأمين أدنى مقومات العيش للسوريين.

وسابقاً، كانت العقوبات الاقتصادية على النظام تحدّ من آليات تسديد عمليات الشراء كالقمح وغيرها من المواد الأولية التجارية والصناعية، إلا أن صرامة قانون قيصر ورغم أنه لا يستهدف مثل هذه التعاملات بين النظام والبنوك، أصبح مخيفاً للكثير من الشركات المصدرة والبنوك الوسيطة، حتى الروسية والإيرانية منها.

 

فشل عمليات الالتفاف على مبادئ الحل السياسي الثابتة

استغلت موسكو عودة علاقاتها مع تركيا لإطلاق مسار أستانا ليكون بديلاً عن مسار جنيف للحل السياسي في سوريا، واستفادت منه عسكرياً ضمن اتفاق خفض التصعيد الذي سمح لها بقضم المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة والاستفراد بها واحدة تلو الأخرى.

ومن سوتشي إلى اللجنة الدستورية السورية، لم تكسب موسكو ما تطمح إليه من حل سياسي وفق رؤيتها، ففي كل مرة كان لا بد من العودة إلى القرار الأممي 2254.

وجدد المبعوث الأميركي الخاص بالملف السوري جيمس جيفري، في زيارته للحسكة في الـ 20 من شهر أيلول المنصرم، التأكيد على دعم بلاده للحل السياسي في سوريا حسب القرار الدولي 2245، وأوصى الأحزاب الكردية المتفاوضة بضرورة التنسيق بين الأكراد والمعارضة السورية لتدعيم وتقوية جبهة المعارضة ضد النظام في سوريا.

اقرأ أيضاً: المعارضة السورية واستحقاقات الوقت بدل الضائع في معركة السياسة

وفي اليوم التالي، خرج يوم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف على شاشة العربية، ليعلن عن "انتهاء المواجهة العسكرية بين النظام والمعارضة في سوريا".

وجدد دعوة موسكو لتركيا بمكافحة ما وصفها بـ"الجماعات الإرهابية" في إدلب، وأكد أن المذكرة الروسية التركية سارية المفعول بالكامل، بالرغم من فشل اللقاءات الأخيرة التي شهدتها العاصمة أنقرة، وأن روسيا أوقفت الدوريات الروسية التركية المشتركة على الطريق الدولي (M4).

وفي هذا السياق أشار لافروف إلى أن سيطرة "تحرير الشام" بدأت تتقلص في إدلب، في حين أن "النقطة الساخنة الثانية هي منطقة الجانب الشرقي لنهر الفرات حيث يوجد هناك العسكريون الأميركيون الناشطون في المنطقة بصورة غير قانونية مع "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد)، ويلعبون مع الأكراد بطريقة غير مسؤولة".

اقرأ أيضاً: زيارة جيفري وتصريحات لافروف.. تأسيس قواعد لحل سياسي جدي في سوريا

وأكدت مصادر خاصة لتلفزيون سوريا بأن الجولة المرتقبة هذا الشهر للجنة الدستورية السورية، لن تُعقد وأن موسكو تعطل مسار اللجنة عبر وفد النظام الذي أضاع الجولة الأخيرة في مناقشة "المبادئ الوطنية".

وأشارت المصادر إلى الرغبة الروسية في تعطيل مسارات الحل السياسي حالياً، لعدم تمكنها من التملص من المرجعية الصلبة للمفاوضات بهذا الشأن وهو قرار مجلس الأمن 2254 الذي ينص على انتقال سياسي شامل في سوريا تديره "هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية".