بات شراء زجاجة عطر أو عبوة شامبو أو مرطبات جسم أو كريمات الوجه رخيصة السعر، قد يؤدي إلى مخاطر كبيرة بعضها تسبب بحالات حروق أو اختناق، وجميعها من مصادر غير موثوقة في سوريا.
وبات من غير المعقول أن تجد شيئاً أصلياً في سوريا، وقد أدى إلى ذلك طول سنوات الحرب وغياب أي نوع من أنواع الرقابة مع وجود عصابات تزوير وتصنيع خارج إطار القانون، وخصوصاً في مناطق سيطرة النظام.
مؤخراً وفي واقعة مؤسفة تسلط الضوء على آثار الفساد في صناعة المنتجات الاستهلاكية، تعرضت 12 طالبة لحالات تخرش في الصدر وضيق في التنفس نتيجة لاستنشاق عطر ملوث داخل إحدى المدارس. الحادثة أثارت جدلاً واسعاً حول سلامة تركيبات العطور المنتشرة في الأسواق، خاصة العطور الرخيصة أو تلك التي تُصنع محلياً بطرق غير آمنة.
وبحسب تقرير لصحيفة تشرين التابعة للنظام السوري، فقد تم نقل الطالبات إلى المستشفى على وجه السرعة بعد أن شعرن بأعراض حادة تمثلت في تخرشات في الصدر، وسعال مستمر، وصعوبة في التنفس، عقب استخدام إحداهن عطراً في أحد الصفوف المدرسية. وأكد الأطباء أن الأعراض ناتجة عن استنشاق مركبات كيميائية مهيّجة للقصبات الهوائية والرئتين، موجودة في العطر.
والعطر الذي تسبب في الحادثة يحتوي على مواد كيميائية غير آمنة، مثل الكحول الصناعي والمذيبات الرديئة التي تُستخدم لتقليل تكاليف الإنتاج. بالإضافة إلى ذلك، تفتقر بعض المصانع المحلية غير المرخصة إلى معايير الجودة والسلامة، مما يسمح بدخول منتجات ملوثة أو خطيرة إلى الأسواق.
بيع على البسطات ومواقع التواصل
هذه الحادثة ليست الأولى، خصوصاً مع انتشار كثير من المنتجات المزورة، والتي تباع في جميع الأحوال في معظم أنحاء البلاد، حيث تعمل معامل غير مرخصة على تزوير كل أنواع البضائع التجميلية من عطور وكريمات للجسم والشعر وحتى مزيلات العرق وملطفات الجو وما إلى ذلك.
وقد زاد البيع على صفحات انستغرام أو مجموعات الفيس بوك والواتساب من زيادة تفشي المواد والمنتجات المزورة والتي يروج لها على أنها ماركات عالمية أصلية ولكنها مهربة لذلك هي رخيصة، وفي الحقيقة هي مقلدة ومعبأة محلياً ويكتب عليها أنها مصنوعة في فرنسا أو الصين أو الهند أو فيتنام.
ورغم أن بعض التجار يستغلون الفتيات في الترويج لمنتجاتهم عبر صفحات على فيس بوك أو انستغرام وسط غياب لأي من مظاهر الرقابة الحقيقية، وخضوع جميع أنواع التجارات في سوريا لبازار الفساد والرشاوي من قبل أجهزة أمن وشرطة النظام السوري.
ورصد موقع تلفزيون سوريا، كثيرا من الحالات التي تعرضت إلى حروق أو حساسية أو سعلة مفرطة نتيجة لاستخدام مواد تجميلية وعطور مغشوشة وغير مستوفية لمعايير التصنيع الآمنة للاستخدام.
وقالت سمر إبراهيم إنها كانت تستخدم كريم أساس على أنه من ماركة إكس فاكتور، لتكتشف أنه مغشوش، بسبب الحساسية التي تعرضت لها بعد دقائق من استعماله، ورغم أن معظم الماركات الموجودة في سوريا هي مقلدة طبق الأصل، إلا أنها لا تسبب حساسية لأنها مصنوعة في الصين أو الهند، ولكن ما يحصل اليوم هو وجود ورشات تصنع من دون رقابة وتضع مواد تضر البشرة.
وأضافت إبراهيم لموقع تلفزيون سوريا، أن السعر الذي دفعته مقابل الكريم أغلى من السعر الذي تدفعه عادة بحجة أنه أصلي ونخب أول، فإذا به نخب عاشر ويضر.
ودعت السوريات إلى عدم الشراء من البسطات أو حسابات الانستغرام من دون التأكد جدياً من التعليقات والمستخدمين أن المنتج أصلي فعلياً أو ليس مغشوشاً على الأقل.
ولفتت إلى أنه على سبيل المثال سعر عبوة شامبو أوليفا التي تعد جيدة لا تقل عن 50 ألف ليرة، والأنواع المستوردة الممتازة لا تقل عن 150 ألف ليرة، أما كريم الأساس الجيد بـ 150 ألف ليرة، والمسكرة بـ 100 ألف والمناكير (طلاء الأظافر) بـ 30 ألف ليرة، أما ما يقل عن هذه الأسعار فقد تكون مزورة أو نخبا ثالثا أو رابعا.
كيف نعرف المنتج الأصلي؟
وفي سياق ذلك، قالت خبيرة التجميل صباح محمد، إن "المكياج الأصلي يحتوي على مكونات آمنة عالية الجودة تم اختبارها بدقة من قبل صيادلة ومخبريين لضمان سلامة المستخدم، أما المكياج التقليد، فيحتوي غالباً على مواد ضارة وغير آمنة قد تسبب أضراراً بالجلد مثل التهيج والحساسية والحكة، أما بالنسبة لكريمات الشعر أو الشامبو فيسبب المنتج غير الأصلي زيادة تساقط الشعر وظهور القشرة أو التقصف".
وأضافت محمد لموقع تلفزيون سوريا، أن المكياج الأصلي يتميز بتغليف متين ومصمم بدقة مع طباعة واضحة وتصميم متقن، في حين يكون تغليف المكياج التقليد رديئاً وغالباً يحتوي على أخطاء طباعية أو تصميمات غير دقيقة.
ولفتت إلى أن سعر المكياج الأصلي يأتي بسعر مرتفع يعكس جودة المنتج، في حين أن المكياج التقليد يُباع بأسعار منخفضة لجذب المستهلكين، وهذا صار شائعاً في سوريا على كل المنتجات التي تشمل المسكرة ومرطبات الجسم وكريمات الأساس والكحلة والحمرة وحتى طلاء الأظافر.
ودعت خبيرة التجميل إلى عدم شراء كريم الوقاية من أشعة الشمس إلا من مصادر موثوقة، فقد انقطعت هذه المنتجات من السوق لفترة تجاوزت 8 أشهر، مع قلة الاستيراد، ما جعل مثل هذه المنتجات عرضة للتزوير بشكل كبير وكانت أضرارها على البشرة سيئة جداً.
فروق بالأسعار
وقال منير الصافي أحد تجار مواد التجميل بدمشق، إنه يعمل في هذه المهنة منذ 15 عاماً، ويشتري البضاعة من جهات موثوقة تستورد كل هذه المنتجات وفقاً للمعايير النظامية، إلا أن بعض التجار يأتون إليه بصفقات رخيصة تضمن 3 أضعاف الربح على الأقل مقارنة بتلك الاعتيادية التي يكون الربح فيها أحياناً لا يتجاوز الـ 50 في المئة.
وأضاف الصافي لموقع تلفزيون سوريا، أن مثل هذه الصفقات لا أقبل بها حفاظاً على سمعة المنتج التي أبيعه، رغم أن المستوردين أو المصنعين يؤكدون أنها أصلية ونخب ثان أو ثالث يعني غير مضرة على الأقل.
وبيّن الصافي أن "هناك فروقاً كبيرة بالأسعار بين المنتجات الأصلية والمزوّرة، ما يجذب المستهلكين الذين لن يستطيعوا اقتناء الأصلية لسعرها الباهظ والمتضاعف منذ 10 سنوات، ككل البضائع الأخرى، فضلاً عن فقدانها وتوقف الاستيراد والتصدير من وإلى أوروبا وغيرها من الأماكن المشهورة باحتراف تصنيعها".
ولفت إلى أن التزوير بات متقناً لدرجة كبيرة، فالشكل يزداد تشابهاً مع المنتجات الأصلية كل يوم، حتى اللصاقات الليزرية تم تزويرها، لخداع المستهلك الذي لايملك خبرة كبيرة بتمييز البضاعة المقلّدة، إضافة إلى إغرائه بالسعر المنخفض غالباً مقارنة بالسعر الأصلي.
وتسببت هذه المشكلات في تشوش بالأسواق السورية، ما قدم فرصة كبيرة لأصحاب البضائع الأصلية للتحكّم بالأسعار، بحجة محدودية الكميات وزيادة الطلب على المنتجات، أو صعوبة تأمينها.
عطور مغشوشة
ويعد تزوير العطور أسهل من تزوير منتجات التجميل، لأن أي شخص قادر على تركيب عطر من خلال خلط الزيت العطري مع الكحول والقليل من المثبت وصبغة لونية.
وتنتشر بسطات بيع العطور على الطرقات، وبالطبع ليس جميعها مغشوشا، إلا أنها غير موثوقة، أو لا تحمل كثيرا من زيت العطر بحيث لا تبقى أكثر من ربع ساعة بأحسن الأحوال، على عكس العطور الأصلية التي تستمر لساعات أو أيام أحياناً.
وقال الحاج أبو محمد، أحد العاملين في مجال بيع العطور بدمشق، إن عائلته تعمل في المهنة منذ عشرات السنين، وجميع الزيوت التي لديهم مستوردة من فرنسا، ولذلك حققوا شهرة وثقة لدى المستهلك.
وبيّن أبو محمد لموقع تلفزيون سوريا، أن الفساد في صناعة العطور لا يقتصر فقط على استخدام مواد رديئة، بل يشمل أيضاً بيع منتجات مقلدة تحمل أسماء ماركات عالمية بأسعار مرتفعة، والتلاعب بالمكونات عبر إضافة مواد كيميائية غير معتمدة وغير مختبرة.
وشدد على أن هناك خطورة كبيرة من التعرض للعطور الملوثة خصوصاً بالنسبة لمن يعانون من الحساسية التنفسية أو الربو، ما قد يسبب حالات اختناق أو التهابات في الجهاز التنفسي أو سعلة مستمرة.
وأكّد على أنه لا يوجد عبوة عطر جيدة تحت 150 ألف ليرة بالنسبة لـ 50 مل، أما العطورات التي تباع بـ 30 ألف و50 ألف فهذه بالغالب غير جيدة، خصوصاً عندما تعلم أن سعر عبوة العطر الجيدة بالنسبة للماركات العالمية تبدأ من 20 دولاراً على الأقل، ولذلك فالعطر الآمن الممتاز لا يقل سعره عن نصف مليون إلى مليون ليرة، والماركات العالمية الأصلية موجودة تستورد عبر لبنان والأردن.