icon
التغطية الحية

مع تسارع التطبيع.. هل ينجح الأردن في إعادة تعويم الأسد؟

2021.09.21 | 13:40 دمشق

رأس النظام بشار الأسد وملك الأردن عبد الله الثاني (أرشيفية)
إسطنبول - عبدالناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

يحاول الأردن جاهداً إعادة تعويم نظام الأسد عربياً ودولياً عبر مبادرة حملها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني إلى البيت الأبيض وعرضها على الرئيس الأميركي جو بايدن، تتضمن تقليص عقوبات واشنطن المفروضة على الأسد بما يخدم المصالح الأردنية.

يعاني الأردن من أزمات اقتصادية كثيرة ويعتقد مسؤولوه أن إعادة تأهيل الأسد عربياً بعد سيطرته على مساحات واسعة من سوريا بمساعدة روسية إيرانية من الممكن أن تساهم في إنقاذ المملكة الأردنية الغارقة اقتصادياً.

وفي إطار ذلك تبدو أن مقاربات الأردن السياسية سيكون لها انعكاساتها على الملف السوري محلياً وإقليمياً ودولياً أيضاً، عبر تطبيع متصاعد بعلاقات عمان مع نظام الأسد.

فهل تنجح المملكة الأردنية في إعادة تعويم نظام تسيطر موسكو وطهران على جميع قراراته مع اقتصاد تحيط به الأزمات من كل جانب؟

تطبيع أردني متسارع مع النظام في سوريا

واستكمالاً لمسار التطبيع الأردني مع نظام الأسد، زار وزير دفاع الأخير علي أيوب العاصمة عمان  في 19 أيلول 2021، لبحث الاستقرار على الحدود المشتركة، وذلك في أول زيارة من نوعها منذ قيام الثورة السورية قبل أكثر من 10 سنوات.

الجيش الأردني قال إن قائده اللواء يوسف الحنيطي التقى بوزير الدفاع في حكومة الأسد بشأن الوضع في درعا، ولبحث قضايا مثل مكافحة الإرهاب وتهريب المخدرات في المنطقة.

كذلك ذكر بيان للجيش الأردني أن المحادثات تأتي في إطار الاهتمام بتكثيف التنسيق المستقبلي حول جميع القضايا المشتركة.

وجاءت الزيارة غير المعلن عنها بعد نحو 3 أشهر من زيارة قام بها وزيرا النفط والكهرباء السوريان إلى العاصمة الأردنية، للبحث في سبل تعزيز التعاون بين الجانبين في مجال الطاقة، وكانت تلك أول زيارة لوفد حكومي من نظام الأسد إلى الأردن منذ آذار عام 2011.

كما أجرى وزير النفط بحكومة الأسد بسام طعمة زيارة إلى الأردن مجدداً في الثامن من أيلول الجاري، حيث اتفق مع وزراء الطاقة في الأردن ومصر ولبنان وسوريا على خريطة طريق لنقل الغاز المصري براً إلى لبنان الغارق في أسوأ أزماته الاقتصادية.

من جانبها، نقلت وكالة رويترز عن مصادر (لم يذكر اسمها) قولها إن "المحادثات العسكرية بين سوريا والأردن تناولت أيضاً ما شهدته الأشهر الأخيرة من زيادة كبيرة في تهريب المخدرات"، وهو ما يقول مسؤولون أردنيون إن "حزب الله" اللبناني يقف وراءها.

بدورهم، قال دبلوماسيون غربيون كبار إن الأردن و"إسرائيل" قلقان من توسع الوجود الإيراني من خلال اختراقها لوحدات قوات الأسد، وانتشار الفصائل المسلحة التي تمولها طهران والتي لها سيطرة الآن في جنوبي سوريا.

ومنذ سنوات تمكن "حزب الله" اللبناني من تعزيز وجوده في محافظة القنيطرة الواقعة على حدود درعا من الغرب، على طول مرتفعات الجولان التي تحتلها "إسرائيل".

مبادرة أردنية لإنقاذ الأسد

زيارة وزير دفاع الأسد للأردن متصلة إلى حد ما، بسيطرة قوات النظام على مدينة درعا بعد حملة قصف ممنهجة تبعها اتفاق رعته روسيا خلال الشهر الجاري، حالت دون حملة عسكرية شاملة على المدينة التي يقطنها عشرات آلاف المدنيين.

وهذا الخيار السياسي بتطبيع أكبر للعلاقات بين الطرفين الذي اتخذته الأردن لصالح نظام الأسد يأتي بعد نحو 4 أسابيع من لقاء جمع الملك عبد الله الثاني بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو، اقترح خلاله الأخير أهمية تطبيع علاقات المملكة مع دمشق.

وسبقت القمة الروسية الأردنية، لقاء جمع الرئيس الأميركي مع الملك الأردني والتي عرض خلالها الأخير على بايدن أن تنضم واشنطن إلى فريق عمل يسعى للاتفاق على خريطة طريق للحل في سوريا، وفق صحيفة "واشنطن بوست".

وأوضحت الصحيفة أن الملك عبد الله دعا بايدن إلى الانضمام إلى الفريق الذي يضم روسيا وإسرائيل والأردن ودولاً أخرى بهدف الاتفاق على خريطة طريق للحل في سوريا "تضمن استعادة سيادتها ووحدتها".

وبحسب الصحيفة، يتطلب تطبيق هذه الخريطة تعاون الولايات المتحدة وروسيا ورئيس النظام بشار الأسد. مشيرة إلى أن الرئيس الأميركي لم يعط الملك الأردني أيّ جوابٍ على ذلك الطلب، ولم يلتزم بهذا الاقتراح بعد، واعتبرت أنّ رد بايدن هذا من شأنه اتخاذ قرارات مثيرة للجدل للتعاون مع كل من روسيا والنظام.

كما يرتبط بمشروع خط الغاز العربي الذي يبدأ من مصر إلى الأردن مروراً بسوريا ثم لبنان، ومن المرجح أنه سيعطي كمية من الغاز لنظام الأسد ويساعده في تحقيق راحة اقتصادية جزئية برضا أميركي.

تحولات الأردن.. من الثورة إلى النظام

اشتعلت شرارة الثورة في آذار 2011 ضد نظام الأسد بمدينة درعا المتاخمة للحدود الأردنية، وتسبب العنف الممنهج الذي سلكه النظام ضد المتظاهرين السوريين بإشعال حرب لم تنته إلى اليوم، وأدت زيادة وتيرة العنف من قبل جيش النظام وميليشياته إلى هرب مئات آلاف المدنيين بحياتهم نحو الأردن.

ويستضيف الأردن نحو 1.3 مليون لاجئ سوري حسب الأرقام الحكومية، وتطلب دعماً مستمراً من الأمم المتحدة ودول العالم لمساندتها في هذا الملف.

ولسنوات اتهم نظام الأسد عمّان بـ "تدريب وتسليح المقاتلين وتسهيل عبور الجهاديين"، لتصل إلى القطيعة في العلاقات الرسمية، وصلت إلى حد طرد سفير نظام الأسد السابق في عمان بهجت سليمان في عام 2014.

وخرج الملك عبد الله الثاني، في مقابلة مع صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية عام 2017، يدعو ضمنياً إلى تنحي بشار الأسد، قائلاً إن "المنطق يقتضي بأن شخصاً ارتبط بسفك دماء شعبه من الأرجح أن يخرج من المشهد".

وبالفعل ظل الأردن على مدى سنوات مسانداً لفصائل المعارضة السورية، والتي سيطرت على جنوبي سوريا، إلى أن تغير الموقف الأردني بشكل كامل مع سيطرة قوات الأسد مجدداً على المنطقة عام 2018، خلال حملة عسكرية تلقت فيها دعماً من سلاح الجو الروسي وميليشيات إيرانية ولبنانية.

وفي انقلاب لموقف الملك من نظام الأسد قال في مقابلة مع مع شبكة "CNN" الأميركية، في 25 تموز 2021، "هناك استمرارية لبشار الأسد في الحكم، والنظام ما زال قائماً، ولذلك علينا أن نكون ناضجين في تفكيرنا، هل نبحث عن تغيير النظام أم تغيير السلوك؟".

كما أشاد العاهل الأردني (أحد أبرز حلفاء الولايات المتحدة بالمنطقة) بالرئيس الروسي بوتين في أثناء زيارته لموسكو في آب الماضي، وبالدور الذي لعبته القوات الروسية في سوريا على تحويل دفة الحرب، مما مكّن قوات الأسد من السيطرة على مساحات كبيرة كان قد سيطر عليها النظام، رغم الجرائم التي اتهمت موسكو بارتكابها بحق المدنيين السوريين.

ما إمكانية تمكن الأردن من تعويم الأسد؟

ويعتقد الباحث السياسي السوري د. عبد الرحمن الحاج، أن "زيارة وزير دفاع الأسد إلى الأردن تتعلق بالتنسيق العسكري لاستكمال السيطرة على الجنوب والتعاون بتوفير الاستقرار وتأمين خط الغاز". 

وقال الحاج في تصريحات لموقع "تلفزيون سوريا" إن الأمر "لو يتعلق بالمخدرات والتهديدات الأمنية لكان الاجتماع مع رؤساء الأجهزة الأمنية وليس مع وزارة الدفاع".

وأضاف "يبدو أن الأردن أصبح يتعامل مع وجود الميليشيات الإيرانية على مقربة من الحدود الأردنية  على أنها واقع يجب القبول به والتعامل معه بإيجابية إذا ما أراد الأردن تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية في هذا الوقت". 

ولفت الأكاديمي السوري إلى أنه "بعد قضية الأمير حمزة وانكشاف مخطط الانقلاب تغيرت مقاربة الملك عبد الله، هنالك أزمة اقتصادية عاصفة في الأردن جعلت للانقلاب أرضية اجتماعية ويوجد تراجع في الدور الإقليمي بسبب سياسات دونالد ترامب وبعض الدول العربية مع إسرائيل بحيث تم تهميش الأردن وإضعاف دوره بالملف الفلسطيني وهو أساس الدور الإقليمي لعمان".
وأكمل الحاج أن كل ذلك "دفع الملك عبد الله لإعادة حساباته وقرر أنه لا بد من إعادة موضعة الأردن في المنطقة وإعادة تعريف دوره،  وبهذه الطريقة يظن العاهل الأردني أن  إعادة تعويم الأسد في سوريا سيكون بوابة مزدوجة لعودة الروح للاقتصاد الأردني وللعب دور إقليمي جديد". 

وأشار أيضاً إلى أن "الأردن يبدو أنه يتشارك مع إدارة بايدن في قضية الاقتصاد والمخاوف من نتائج تطبيق قانون قيصر على جيران سوريا وبشكل خاص لبنان والأردن والخوف يأتي من أن هذا التطبيق الصارم قد يؤدي إلى انهيار الدولتين أو إنهاكهما، لكنها تتحفظ على الشق السياسي لهذا أعطت واشنطن لعمان ضوءاً أخضرَ بخصوص مشروع الغاز العربي وتخفيف بعض القيود فقط".

ويرى الحاج أن "الملك الأردني روج في الولايات المتحدة خلال جميع لقاءاته ضرورة تعويم بشار الأسد لكنه لم يلق آذاناً مصغية في هذا الخصوص".

وحول إمكانية تطبيع الأردن مع الأسد سياسياً، أكّد عبد الرحمن الحاج أنّ التطبيع السياسي مع نظام الأسد سيتأخر لأنه بحاجة إلى موافقة الإدارة الأميركية ولا أعتقد أنهم الآن جاهزون للموافقة على ذلك، لهذا فإن التطبيع سيبقى محدوداً في ثلاثة مجالات (أمني، وعسكري، واقتصادي)".

وشدد الباحث على أن "الأردن لا يستطيع التحرك منفرداً، فهو بحاجة لإقناع الولايات المتحدة الحليف الدولي الأساسي وإلى توافق إقليمي وهما لم يوجدا بعد".