مع انقسامهم المتواصل.. ما الذي يجمعُ السوريين؟

2021.06.26 | 05:54 دمشق

5e7e9f32-c4ed-4bca-b67a-9d294500311e.jpg
+A
حجم الخط
-A

بعد أكثر من 10 سنوات على انطلاق الثورة السورية، قد يتبادر إلى الذهن تساؤل مشروع، ما الذي يجتمع حوله السوريون اليوم؟ أو لنقل ما الذي يجمعُ من آمن بهذه الثورة في التغيير؟ ما جامعُ من آمن منذ أول صرخة حرية وحتى الآن بإمكانية إعادة بناء البلد بروح وعافية جديدة رغم كل ما حل بها من دمار وخراب على جميع الأصعدة الإنسانية والاجتماعية والعمرانية؟

سؤال واجب بعد الحروب الافتراضية التي تخاض على وسائل التواصل الاجتماعي بين السوريين كل يومين أو ثلاثة، لا شك أن الثورة ولّدت حالة من الحرية لم تكن موجودة من قبل، وأتاحت مواقع "فيسبوك وتويتر ويوتيوب" مساحات لم تكن يوماً قبل الثورة متخيلة، فأعاد السوريون عبر 10 سنوات مضت تعريفهم للحرية، ومارسوا من المنافي وبلدان اللجوء والمغترب حقهم في إبداء آرائهم بشكل أوسع بكثير من الطبيعي.

في الوضع السوري لا يبدو الانقسام عادياً أو حتى بملامحه الصحية، بل هو أقرب لما يكون بحالة مرضية تحتاج إلى معالجة

 

انقسام أفقي وعامودي

الانقسام بين السوريين لا يمكن اختصاره أو تحديد ملامحه، فهم منقسمون في معظم الأشياء أو في كلها، وهي انقسامات ربما كانت لتكون صحية لو كانت الظروف أفضل، والحياة شبيهة بتلك التي تجري في أحد البلدان الأوروبية؛ انتخابات كل 4 سنوات، وحكومة تؤدي واجبها الدستوري، وإن فشلت أزيلت بالصناديق، الانقسام بين اليسار واليمين والوسط أو بين الحكومة والنقابات أو حركة احتجاجات ومظاهرات غاضبة بسبب ارتفاع نسب البطالة أو معدلات التضخم تبعتها حملات تخريب ممنهجة انتهت بإسقاط الحكومة وبدأت سلسلة من المحاكمات باتجاه وزرائها وسط رفض من مؤيديهم. ربما سيحمل مثل هذا الانقسام شيئاً من الإثارة لتلك الحياة الرتيبة المكررة التي لا توجد في أي بلد عربي.

في الوضع السوري لا يبدو الانقسام عادياً أو حتى بملامحه الصحية، بل هو أقرب لما يكون بحالة مرضية تحتاج إلى معالجة وأدوية، ومضادات اكتئاب، فنحن مثل "من يختلف على نوع الشامبو المضاد للقشرة رغم أن مستخدمه أصلع لا شعر لديه ولا قشرة"! اختلافات لا تؤدي إلا إلى مزيد من الانقسام، وهجمات هوائية وصراخ وشتائم في التعليقات والمنشورات والمقالات والمقاطع المصورة لأجل إثبات صحة ما نعتقد به وما نرى أنه الحقيقة الوحيدة الثابتة.

بعد العام الأول من الثورة بدأت صراعات الانقسام وما زالت قائمة، وكان الخطاب الطائفي الذي حاول نظام الأسد والإيرانيون والروس إشعاله في البلاد قد أخذ حيزاً واسعاً، وحقق ضجته الصاخبة، على الرغم من أن فكرة الثورة منذ لحظتها الأولى وحتى اليوم كانت وطنية تماماً، هدفها النبيل الأول هو إحداث التغيير وإسقاط النظام وإحقاق العدالة، مطلب واضح ووحيد.

وبعد الانقسام الطائفي، بدأت الانقسامات السياسية والعسكرية والإعلامية والثقافية والفنية والدينية، وأصبح للثورة مجالها الخاص، تدور في فلك آخر، بعيد عن معركتها مع النظام، أصبح للثورة مشاكلها الداخلية، وكأنها بلد بحدود ودستور وسيادة، لديها حرب مع جارتها (دولة النظام السوري)، ولها في الوقت ذاته معارك داخلية بين أبنائها، بالإضافة إلى من يخترقها وينشئ مشاريعه على أراضيها غير مبالٍ بها وبأبنائها وبمشروعها كله كـ "داعش والنصرة وقسد والدول الصديقة والمحتلة".

لقد شغل الانقسام السوريين مثلما شغلهم النظام وأكثر، تجاوزوا مبدأ التدافع الإنساني بين البشر، وراحوا لمصارعة طواحين الهواء، وضيعوا أوقاتهم في معارك جانبية غير مهمة أو لا تؤدي إلى أي نتائج تذكر سوى اتساع البين الواسع أصلاً.

 

جيل الثورة

بعد انطلاق الثورة السورية، كانت هناك فئة واسعة من الشباب المستقل غير المحسوب على طرف دون آخر، لديه هدف وحيد هو إسقاط النظام، لا مشكلة في اليوم التالي، نفكر به حين يأتي.

هؤلاء الشباب أو "جيل الثورة" يمثلون نسبة عريضة من السوريين، فهم ليسوا علمانيين وليسوا إسلاميين، أبناء البلد وشعلتها، يوثقون أسماء الشهداء أو المعتقلين، أكثر مما يشغلهم شكل الدولة القادم، أو مواد دستورها.

خلقوا واقعهم السياسي من مظاهرات ولافتات ومعارك تحرير، وعبّروا عن أنفسهم بمنطق ثوري طُهراني أحياناً ورديء بأحيان أخرى.

لهم أحلامهم الخاصة وتطلعاتهم الجديدة التي لم يكتب عنها "جان جاك روسو" أو "جورج هيغل" ولم تشغل بال "كارل ماركس"، وبالتأكيد لم يسمع بها منظرو الجماعات الإسلامية بالعصور الماضية أو الجديدة.

كل تجارب "جيل الثورة" تستحق أن ينظر فيها، وكل أفكارهم كانت تستقى من واقعهم، انقسامهم دائماً في كيفية فضح النظام أكثر، وتعريته وكشفه وتوثيق ما يقوم به ضد الشعب.

ويوم خرجت داعش بسوادها وقفوا ضدها وكانوا أوائل ضحاياها وأكثرهم، وحين جاءوا بـ "قسد" حاربوا مشروعها وكانوا أوائل معتقليها، ولم تكن تجاوزات الفصائل وانتهاكاتها ضدهم سوى لأنهم أرادوا إعادة بوصلتها نحو الثورة السورية.

هؤلاء الشباب كثيرون مهما حاولوا تقليلهم، وموجودون مهما حاولوا إفناءهم، تجمعهم الثورة وأهدافها وأحلامها وشهداؤها ومعتقلوها جرحاها وأيتامها ونازحوها.

شباب الثورة همومهم مختلفة عن تلك التي تأخذ "الترند" كل فترة، حيث

تراهم بدل أن يدخلوا في كل سجال تافه، يشاركون نجاحات اللاجئين السوريين الفارّين من سلطة الأسد، ويحثون البقية على نجاح جديد، يفضحون من يؤيد النظام وأعوانه ويقعدون لهم في كل مرصد، يرفعون علم الثورة في كل مكان.

يقصون قصص الثورة ويعرفون العالم بها ولماذا قامت وعلى ماذا، ينشرون صور الشهداء ويذكروننا بهم، يتداولون سير المعتقلين لندعو لهم بالفرج وبالحرية لهم.

يحكون لأبنائهم قصة "الثورة السورية" وكيف أشعلها أطفال درعا ضد بشار الأسد، وكيف كانت أكثر ثورة شعبية مدنية في نقاط التظاهر بين أعظم الثورات في التاريخ رغم كل أخطائها وانكساراتها.

جيل الثورة ليس حزباً سياسياً ولا معارضة ولا جماعة مسلحة أو نشاطاً مدنياً ولا تجمعاً إعلامياً ولا قناة فضائية أو صحيفة أو حساب "فيسبوك" باسم مستعار

يستحضرون أمامهم بشكل مستمر أسماء كل أيقوناتهم التي ضحت لأجل البلد في سبيل إسقاط النظام مثل "عبد القادر الصالح وعبد الباسط الساروت ويوسف الجادر أبو فرات وحسين الهرموش ومي سكاف والأب باولو وغسان سلامة وحمزة الخطيب وياسر العبود وغياث مطر ورزان زيتونة وباسل شحادة وباسل خرطبيل الصفدي"، وآخرين لم نعرف أسماءهم أو تضحياتهم.

جيل الثورة ليس حزباً سياسياً ولا معارضة ولا جماعة مسلحة أو نشاطاً مدنياً ولا تجمعاً إعلامياً ولا قناة فضائية أو صحيفة أو حساب "فيسبوك" باسم مستعار، جيل الثورة هو الجيل الذي يدافع عنها ولا يسقط أبناءها ومناضليها لأخطائهم بل ينتقدها بعدالة ويدعو لتصحيحها والاعتذار إن استدعى الأمر ذلك.

ما قد يجمع السوريين هم هذه الفئة "جيل الثورة" الذين يجمعهم علمها وهتافاتها وشهداؤها وأحلامها، من آمنوا بأهدافها، وعملوا على تصويب أخطائها والدفع عنها، فقد انحرفت بوصلتها بما فيه الكفاية، ولعله من الواجب علينا أن نعيد عقدنا الاجتماعي حولها، ضد كل من يضرب بها وبأبنائها وبناتها وآبائها وأمهاتها والجيل الجديد، وهي فرصتنا الوحيدة، والتي إن ضاعت، لا أظنه قد يولد أمل قريب.