معارك وانتصارات كبرى وإمكانيات ضعيفة.. تحرير حاجز عندان

2021.08.04 | 06:33 دمشق

image.jpg
+A
حجم الخط
-A

الحديث عن المعارك الكبرى التي خاضها أبطال الجيش الحر، ليس مجرد تغنٍ بالماضي، أو نبش في الدفاتر العتيقة بحثاً من مجد تليد، كما يدعي البعض، بل إحياء لبطولات مازالت مستمرة، وماثلة أمامنا، واستنهاض لهمم قد أصابها بعض التعب، ودروس وعبر لأجيال التحقت بركب الثورة، ولم تحظَ بشرف المشاركة بتلك الملاحم.

كان صيف العام 2012، لاهباً حارقاً مرت أيامه ثقيلة على قوات النظام، التي انكوت بالحمم المشتعلة في صدور الأحرار التواقين للحرية والتحرر من العصابات التي اغتصبت سوريا لأكثر من أربعين عاماً، ومع نشوة الانتصارات بدخول الجيش الحر مدينة حلب، بعد توحد أغلب كتائبه ومجموعاته تحت راية لواء التوحيد، بقيادة الشهيد حجي مارع، والمعارك الضارية التي تدور رحاها في أحياء صلاح الدين والإذاعة وسيف الدولة والأحياء الشرقية، كان لبعض قادة المجموعات رأي آخر، بأن الأولوية لتنظيف الريف من الحواجز والقطعات العسكرية، التي تشكل تهديداً كبيراً على المنطقة وتعد خنجراً غادراً في خاصرة الثوار. 

كانت عين الأحرار على حاجز عندان، الذي تجمعت فيه فلول قوات النظام التي انسحبت من حواجز البلدات المجاورة (حاجز بيانون- حاجز آسيا- مخفر حريتان) بعد أن حررها الثوار في العشرين من شهر تموز، فأصبحت قلعة محصنة، معززة بالمدفعية والدبابات وراجمات الصواريخ، والذي لطالما قضت مضاجع سكان المنطقة بالقصف والتدمير والاعتقالات، وهنا لا أنسى التهديد الكبير الذي كان يحدق بكل من يتنقل بين ريفي حلب الشمالي والغربي، والعبور الإجباري بالقرب منه، فكان مرورنا حتماً في الليل، مع إطفاء الأنوار والعبور بأقصى سرعة تحت وابل كثيف من قصف النظام. 

في مثل هذه الأيام، وفي التاسع من شهر رمضان، الموافق التاسع والعشرين من شهر تموز 2012، تداعى قادة تلك المجموعات لاجتماع من أجل وضع خطة لتحرير الحاجز الذي كان يحتوي على ثماني دبابات، وست عربات ب م ب، وعدد من الراجمات والآليات، ورشاشات الدوشكا، وال 14.5.

قادة ثوريون من خلفيات مدنية، مشاركتهم في معارك تحرير الريف الشمالي أعطتهم خبرة عسكرية جيدة، اجتمعوا لمدة يومين في مقر قيادة كتيبة شهداء حريتان التي كان يقودها الحقوقي محمود إبراهيم، شارك معه في وضع الخطة كل من الشهيد محمد صطوف عبد السلام، الشهيد محمد أعور (أبو اصطيف)، محمد عرب علو، جهاد غزال.

في اليوم الثالث انضم إليهم كل قادة المجموعات المشاركة في المعركة، أذكر منهم قائد كتيبة "أحفاد عمر" الشهيد حج عمور أوسو، عبد اللطيف درويش، أحمد دخان، الشهيد أبو إبراهيم كفر بسين، أبو عمار الإمام ومجموعة من بيانون، اجتمعوا في مقر قيادة كتيبة الشهيد إبراهيم عفش في عندان، التي يقودها شقيقه أحمد عفش، لوضع اللمسات الأخيرة على الخطة المحكمة، واختاروا قائداً للعملية، هو قائد كتيبة المثنى بن حارثة، الملازم أول رفعت خليل (أبو النصر) ابن تمانعة الغاب، الذي يشهد لبطولاته كل ريف حلب الشمالي، هذه البطولات التي مازالت بقايا أرتال الدبابات التي دمرها مع مجموعة من الثوار، على الطريق الدولي حلب- غازي عينتاب، وفي أماكن أخرى، شواهد حية على ذلك، يساعده في قيادة المعركة الشهيد النقيب مالك عبد الحي، والمقدم المتقاعد عبد العزيز ماسو (أبو حسام).

تم توليف قبضات الاتصال اللاسلكي على تردد واحد، وتوزيع المجموعات على محاور القتال، ونشر مجموعات متخفية على المحاور المتوقعة لإمدادات النظام، وتوزيع المتوفر من السلاح والذخيرة والتي كانت قليلة جداً قياساً لحجم هذا الحاجز، وهنا أذكر خاطرة لأحد القادة عندما علم أن النية هي تحرير حاجز عندان، فقال مازحاً: "بهذه الأسلحة التي معنا تريدون تحرير الحاجز؟! هذا يحتاج قوات الناتو لتحريره".

أهم ما في الخطة كان سريتها، وتوقيتها مع أذان المغرب وقت إفطار الصائمين، وأغلب العناصر لم يكونوا يعلمون عند رفع الجاهزية قبل أيام استعداداً للمعركة إلى أين الوجهة، وتم إشاعة أن وجهة المعركة تحرير كتيبة الصواريخ في حندارات التي تبعد عن الحاجز نحو 8 كم، وقبل ساعة الصفر بقليل تم إرسال بعض المجموعات باتجاه الكتيبة للتمويه وخداع قوات النظام، وفعلاً استنفرت كتيبة الصواريخ استعداداً لصد الهجوم.

قبل يوم من المعركة قام اثنان من صف الضباط المنشقين من الحاجز نفسه قبل أسبوع، وهما الرقيب أول عبد القادر نصرة، من الغوطة الشرقية، والرقيب المجند عدنان طحان الحريري، من مدينة الصنمين، بصيانة وإصلاح ناقلة الجند ب م ب، المعطلة، التي كان قد غنمها الثوار أثناء تحرير حاجز بيانون، وزجها في المعركة، وكانت السلاح الثقيل الوحيد بين أيدي الثوار. 

مع صيحة الله أكبر لأذان مغرب تلك الليلة المباركة، تفاجأ عناصر الحاجز وضباطه، بتساقط قذائف الهاون التي أحكم دقة تصويبها، الرامي الماهر الشهيد حمودي الحجي، الملقب حمودي زكية، حيث حقق إصابات دقيقة على مقر القيادة، خلقت حالة كبيرة من الخوف والهلع والإرباك بين صفوفهم، غير مدركين ماذا يجري من حولهم.

بدأ تسلل عناصر الجيش الحر من جميع المحاور حسب الخطة الموضوعة، ودارت رحى معركة طاحنة، كان رأس الحربة في الاقتحام مجموعة من أبناء بلدة بيانون الأبطال، استشهد أربعة منهم، هم محمود عطية (أبو الروض)، والإخوة الثلاثة هلال محمد هلال، جمال محمد هلال، راكان محمد هلال.

استمر الاقتحام حتى منتصف الليل، ورغم التعب والإنهاك الذي أصاب المقاتلين، استطاعوا الوصول إلى السواتر الترابية المحيطة بالحاجز وتجاوزها، ومع تقهقر قوات النظام استطاع أحد أسود حيان، الشهيد يوسف قمطي، الوصول إلى إحدى دبابات العدو، وقتل السائق والرامي، ملقياً بهما خارجها، ساعده بذلك البطل إبراهيم جدوع من عندان، ثم تراجعا بها إلى الخلف، ومن موقعهما الجديد بدأ الاثنان قصف مقر القيادة، كذلك فعل البطل موفق عبيد كعكوره، الذي اغتنم عربة ب م ب، فاشتعلت النيران بمبنى القيادة، وتبدد الظلام، مما ساعد الثوار على رؤية الأهداف، وسهولة الاقتحام.

في هذه الأثناء ظن قائد الحاجز أن انشقاقاً حصل بين صفوف قواته، مما زاد حالة الإرباك والخوف، وانهيار المعنويات، فأمر بالتراجع باتجاه الخلف إلى مطعم السمرلاند، واستمرت المقاومة حتى بزوغ الفجر، وبعد أن يئس قائد الحاجز من وصول أي مؤازرات، إضافة إلى مقتل عدد كبير من عناصره وتكبده خسائر كبيرة، انهار الحاجز، وقرر الفرار تاركاً خلفه جثث ضباطه وجنوده، ودباباته التي غنمها الثوار، وكعادة كل قادة تشكيلات النظام يكون لديهم مسبقا عربة مدرعة ب م ب، مجهزة وسريعة للهرب، كذلك فعل قائد الحاجز ومعه بعض ضباطه وجنوده باتجاه حاجز بلليرمون، مخلفاً عدداً كبيراً من القتلى والأسرى.

وهنا يستحضرني سرعة وصول أحد شرعيي جبهة النصرة آنذاك، أبو عبد الله الجزائري، وهم الذين لم يشاركوا في المعركة على الإطلاق، يفتي بقتل الأسرى، فجُوبه برد عنيف من الحاج أحمد دخان، والحاج محمود جعلوك، والشهيد أحمد شاهين أبو عمر، قائلين له: "ليس من شيمنا وديننا أن نقتلهم بعد أن أعطيناهم الأمان"، وطردوه من المكان شر طردة.

كان من بين الأسرى اثنان من محافظة السويداء تم تسليمهم لذويهم، واثنان طلبا أن ينضما للجيش الحر، أحداهما استشهد فيما بعد، هو الشهيد محمد حبط من مدينة حماة.

في هذه الملحمة الكبرى التي كان تحرير الحاجز أشبه بالمعجزة، لابد من تسليط الضوء على الشهداء المنسيين الذي لم يتطرق الإعلام لذكر الكثير منهم، الذين ضحوا بدمائهم الطاهرة لتكون منارة للأجيال، أذكر منهم الشهيد مالك الإمام، الشهيد صلاح عبد السلام، الشهيد عمر جعلوك، والرائد الطيار محمد عبد القادر الضاحي (أبو احمد)، ابن محافظة درعا، الذي انشق من مطار منغ العسكري بعد أن كلفه النظام المجرم بقصف القرى المجاورة، فرمى قنابله وصواريخه في الأراضي الزراعية، وانحاز لنصرة أهله وانضم إلى كتيبة المثنى بن حارثة، وارتقى شهيداً في تلك المعركة ووري الثرى في مدينة الشهداء تل رفعت.

بعد تحرير الحاجز تعرضت مدينة عندان لقصف جوي ومدفعي غير مسبوق، وهدد اللواء أديب سلامة رئيس فرع المخابرات الجوية، الشيخ يوسف الجانودي بقصف المدينة بالسلاح الكيماوي إن لم يعيدوا الدبابات وعربات ب م ب التي غنمها الثوار من الحاجز، وكانت 6 دبابات، و4 ب م ب، وكثير من الآليات، فكان الرد رفضاً قاطعاً لذلك المطلب من قبل الثوار، مستمرين في درب النضال والكفاح من أجل الحرية والكرامة، واستخدام تلك الأسلحة في معارك العز والشرف، التي ستكون إحداها محور مقالي القادم.

كلمات مفتاحية