معارك إدلب ترسم النهايات

2019.06.08 | 00:06 دمشق

+A
حجم الخط
-A

لأول مرة تتشابك وتتصادم مصالح جميع الأطراف الإقليمية والدولية في بقعة جغرافية محدودة تمثل المعقل الأخير للجيش الحر، صحيح أن مناطق درع الفرات وغصن الزيتون تمثل مناطق سيطرة ونفوذ للجيش الحر، لكنها مناطق تخضع بالكامل للسيطرة التركية، في حين تمثل إدلب حالة من التلاؤم مع النفوذ التركي والتقاسم معه، لكن الجيش الحر والفصائل المتواجدة هنالك تمتلك قدراً من السلطة والحرية لا تمتلكها في مكان آخر.

صار معروفاً أن خلافاً روسياً تركياً حول إدلب أسس لاتفاق رخو حولها، أساس الاتفاق هو ضمان الأمن القومي التركي، والحفاظ على المنجزات التركية في كسر مشروع ميليشيا حزب العمال الكردستاني (فرع سوريا المسمى حزب الاتحاد الديمقراطي PYD) YPG في تغيير معالم شمال سوريا وتحويلها لمنصة لتهديد وحدة تركيا وأمنها القومي، وإبقائها لاعباً رئيسياً في مستقبل سوريا بحيث تضمن مصالحها القومية في أي تسوية سياسية، ولأن موضوع إدلب يطرح أيضاً مسألة تدفق اللاجئين مجدداً نحو أوروبا الأمر الذي جعل موضوع إدلب ورقة ضغط على أوروبا لتدعم الموقف التركي، وكذلك ولأن الولايات المتحدة تريد التفاوض مع تركيا بشأن منظومة S400 للدفاع الجوي وكسبها في الوقت نفسه ضد إيران، وإبعادها عن روسيا فإن الولايات المتحدة تبدي تحفظاً سياسياً للهجوم على إدلب، لكنها لا تقدم شيئاً ملموساً لدعم الصمود في وجه الهجوم الروسي وقوات النمر التابعة للنظام ومعها ميليشيا فيلق القدس، في ظل الضغط على الروس للعقد اتفاق يضمن المصالح الإسرائيلية والأمريكية في سوريا، يقوم بشكل رئيسي على إطلاق يد روسيا في سوريا مقابل لعب دور روسي في تحجيم الدور الإيراني لا في إنهائه، وذلك أن الجميع يدركون أن إنهاء الدور الإيراني غير ممكن بدون تغيير النظام ونشوء نظام ديمقراطي يعبر عن أكثرية السوريين.

ولأن إيران بحاجة شديدة لتركيا من أجل التخفيف من آثار الحصار والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كان ذلك حافزاً ليرى بعض المحللين أن إيران ترغب بعدم إغضاب تركيا وبالتالي امتنعت عن مشاركة ميليشياتها في الهجوم على إدلب

ولأن إيران بحاجة شديدة لتركيا من أجل التخفيف من آثار الحصار والعقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة الأمريكية، فقد كان ذلك حافزاً ليرى بعض المحللين أن إيران ترغب بعدم إغضاب تركيا وبالتالي امتنعت عن مشاركة ميليشياتها في الهجوم على إدلب، في حين أن روسيا تريد أن تحقق مكاسب على الأرض مستغلة عدم استيفاء تنفيذ اتفاق إدلب (اتفاق سوتشي) تماماً، وخصوصاً فيما بتعلق بهيئة تحرير الشام وفتح الطريقين E4 ,E5  الاستراتيجيين للنظام، وإبعاد ما تزعمه من أنه خطر استمرار القصف بالطائرات المسيرة من مناطق المعارضة لقاعدة حميميم الروسية، والضغط على تركيا في ظل الضغط الأمريكي المقابل بشأن منظومة الدفاع الجوي الروسية، وأيضاً لفرض شروطها على الأرض.

لا أستبعد أن الهجوم على إدلب قد يكون مدعوماً من دول عربية معنية بإضعاف النفوذ التركي وحتى بموافقة أمريكية ودعم إسرائيلي في إطار التحضير لاتفاق أمريكي-إسرائيلي/عربي- روسي، وهو قد يفسر أكثر استبعاد إيران (وليس ابتعادها) عن المشاركة في معارك إدلب الجارية، إذ ما من شك أن إيران لديها رغبة أن تكون القوة الأساس التي يعتمد عليها على الأرض في أي معارك لاستعادة نفوذ النظام، فذلك يتيح لها مزيدا من النفوذ والتأثير في مستقبل هذه البلاد.

المعارك الضارية التي تحدث في إدلب لا يبدو أنها ستكون محدودة، ولا يبدو أن لها جدولا زمنيا، ولأنها معركة تتقاطع فيها وتتضارب مصالح جميع الفاعلين الدوليين والإقليميين، فمن البديهي أنها ستكون معارك مفتوحة بلا نهاية، وإذا ما استمرت على قاعدة لا غالب ولا مغلوب، وكر وفر، فإنها ستهدد اتفاق سوتشي دون أن تسقطه، وستسمح بمرونة أكبر لاختبار مسار جديد طرفاه الرئيسان هما اللاعبان الكبيران: الولايات المتحدة وروسيا.

لا يمكن التنبؤ بما يمكن أن تؤول إليه معارك إدلب قريباً، ولكن يمكن القول إن هذه المعارك ستسمح بجعل تنظيم هيئة تحرير الشام في وضع أفضل سياسياً واجتماعياً مع ازدياد الحاجة له وللمقاتلين الإسلاميين، وفي الوقت عينه ستزداد أهمية فصائل الجيش الحر التي لم تخضع لسيطرة قوة إقليمية، مما يجعلها قوة صاعدة خصوصاً في جبهة الجنوب.

ستبقى إذا المعارك في إدلب مفتوحة وبلا نهاية في المدى المنظور، بانتظار تسوية سياسية شاملة. وحتى ذلك الوقت ستتحول إدلب إلى مركز توتر دائم، وسيتعين على النازحين والقرى من أهلنا في الجبهات الاستعداد لذلك

كذلك لن يطول الأمر حتى يتدخل الإيرانيون ربما بفتح جبهات جديدة من الريف الشرقي لإدلب وحلب، وهو أمر لن يمنح المعركة وضعاً أفضل، فالمسألة لا تتعلق فقط بكفاءة المقاتلين الشيعة ولا بوحشيتهم وفظاعة الجرائم التي يرتكبونها حيثما حلوا، إنما بطبيعة الأرض التي يقاتلون فيها وكونها جبهات مفتوحة من الظهر ومدعومة بقوة إقليمية وتحظى بدعم اجتماعي واسع، الأمر الذي سيجعل أي معارك جديدة هي معارك مفتوحة، معارك كر وفر، تجعل المنطقة عديمة الاستقرار، لكنها لن تخرجها من قبضة فصائل المعارضة.

ستبقى إذا المعارك في إدلب مفتوحة وبلا نهاية في المدى المنظور، بانتظار تسوية سياسية شاملة. وحتى ذلك الوقت ستتحول إدلب إلى مركز توتر دائم، وسيتعين على النازحين والقرى من أهلنا في الجبهات الاستعداد لذلك، كما سيكون على المنظمات المدنية تكثيف عملها لدعم السكان في هذه المناطق المنكوبة، ويبقى شيء أكيد في ظل ما يجري هو أن عودة النظام إلى إدلب مستحيلة، ومع الزمن ستتفكك عرى اتفاق سوتشي الذي استنفذ أغراضه ويُدفن مع أول ملمح لاتفاق تسوية تكون تركيا والولايات المتحدة طرفيين رئيسين فيه، وستكون نهاية معارك إدلب فقط عند عقد تلك التسوية.