معارضة تستجدي الأنظمة!

2019.01.09 | 00:01 دمشق

+A
حجم الخط
-A

إن مخاطبة نظام حكم بشكل أخلاقي أو وجداني يشبه تعلق الغريق بالقشة التي يدرك تماماً أنها لن تنقذه، وما تمسكه بها إلا أمل كاذب بالنجاة.

وإلى الأمل الكاذب مالت "هيئة التفاوض" السورية المعارضة، وعليه عوّلت، لمّا أعلنت إفلاسها وخلوّ وفاضها إلا من مناشدة واستجداء الأنظمة العربية لكي تمنَّ على الشعب السوري الذبيح بالتعاطف، وتوصد أبواب عواصمها و"جامعتها" في وجه سفاح العصر الذي أوغل في الدم حتى صار رمزاً لسفكه.

"الهيئة" التي فقدت قيمتها ومكانتها في الداخل قبل الخارج، لم يعد من عمل لها إلا إصدار البيانات التي انطوى آخرها -بعد اجتماع الهيئة في الرياض 4-6 من الشهر الجاري- على هزيمتين منكرتين، كان الأولى إخفاؤهما أو المكابرة ومواصلة العمل الممكن المجدي أو الصمت الذي هو خير من الكلام في هكذا مقام.

أما أولى الكارثتين فكانت "مناشدة" الأنظمة العربية لتحدَّ من جنوحها إلى التطبيع المتسارع مع نظام الأسد

أما أولى الكارثتين فكانت "مناشدة" الأنظمة العربية لتحدَّ من جنوحها إلى التطبيع المتسارع مع نظام الأسد، وهو ما تم الرد عليه عملياً بتكثيف المساعي الرسمية وغير الرسمية لتدوير النظام وتسريع تأهيله، فمن فتح السفارات إلى إعادة عمل الخطوط الجوية وصولاً إلى توجيه منصات إعلامية لتروّج للمشروع وتهوّن من تبعاته وتجعله بحكم المقبول حين تمامه.

ومن ضرورات التطبيع والتلميع، إظهار المعارضة بمؤسساتها العسكرية والسياسية وحتى الإغاثية والإنسانية وكأنها شبكة إرهابية متعددة الأغراض، وهذا ما تقوم به وسائل إعلام يُوحى إليها من دهاليز المخابرات، وكان يكفي "الهيئة" فشلها وخجلتها في قضية ترحيل السوريين من الجزائر مؤخراً لتعلم أن سياسة الاستجداء لا تعود إلا بالمذلة والهوان، وهو ما تجسد أيضاً بقول رئيس الهيئة، نصر الحريري، إن "الهيئة تحترم القرار السيادي للدول التي تتحرك في النهاية وفقًا لمصلحتها ومقتضيات الواقع"!، معبراً بذلك عن "احترامه" لقرار الإمارات والبحرين بفتح سفارتيهما، و"احترامه" لزيارة البشير إلى سفاح العصر، وكذلك "احترامه" لكل ما سيأتي من خذلان وإتجار بدم من يُفترض أن يمثلهم في المحافل العربية والدولية!.

أما الكارثة الثانية فتجلت بدعوة "هيئة التفاوض" إلى اجتثاث "هيئة تحرير الشام" و"التنظيمات الإرهابية" كافة من سوريا، مكتشفة أن هذه التنظيمات "تعمل ضد مصالح السوريين وتطلعات ثورتهم"!.

وتأتي هذه الدعوة وذلك الاكتشاف في الوقت الذي تتمدد فيه "تحرير الشام" وتهدد آخر ملاذ للثوار وآخر أمل لأربعة ملايين إنسان ما زالوا يعضون على الجرح مصابرين.

أما الكارثة الثانية فتجلت بدعوة "هيئة التفاوض" إلى اجتثاث "هيئة تحرير الشام" و"التنظيمات الإرهابية" كافة من سوريا

وكأنه ليست من مهام المعارضة السياسية، التي تقول بإصرار إنها تمثل السوريين وحدها، أن تتكفل بحشد الدعم السياسي والمالي والعسكري لفرقها المقاتلة وحلفائها على الأرض، فإن لم يكن هذا عملها في هكذا ظرف، فهل ينتظر منها المقاتلون والمرابطون الدعاء مثلاً!..

إن الذي أسقط الشرعية عن نظام بشار الأسد الدموي، لا يمكن له أن يعطيها لأشباهه، فالذين تناشدهم "الهيئة" و"تحترم" قراراتهم، معظمهم والغون في الدم، دكتاتوريون، قتلة، متآمرون على حرية شعوبهم، وإمعاناً منهم في إذلال "الهيئة" ما عادوا يستقبلون وفودها ولو على مستوى معاون وزير!.

وفي هكذا حال، فإن المكابرة والمصابرة، وإعلان الانحياز إلى الحريات والمنادين بها هنا وهناك، إن لم ينتج حلولاً أو تُجنى منه فوائد، فإنه يستر الوجه ويؤسس لثقافة رفض يمكن أن تتجذر وتصبح جزءاً من الوعي لا ينفصل عن الواقع لدى هذا الجيل أو من بعده.

فما معنى أن تمثل الثورة في سوريا، وتتجاهل انتفاضة السودان ولو بكلمة؟.

وما معنى أن تناشد رئيساً مُقعداً وقاعداً غصباً وتزويراً على صدر "شعبه"؟.

وما معنى أن تطالب الناس بالانتصار لقتيلك، وتنسى قتيلهم أو تتناساه؟.

وما معنى أن تكون.. إن كنت مجرد كتيبة استجداء؟!.