معابر إضافية لتقوية فيروس النظام القاتل!

2021.03.27 | 07:06 دمشق

16166754641935776344.jpg
+A
حجم الخط
-A

أثار إعلان روسيا الاتفاق مع تركيا على فتح ثلاثة معابر جديدة بين مناطق سيطرة النظام والمناطق الخاضعة للمعارضة جدلاً واسعاً في الأوساط الثورية، ورغم نفي أنقرة هذا الإعلان بشكل رسمي، إلا أن الكثيرين عبروا عن تخوفهم من هذه الخطوة ورفضهم لها، مبررين ذلك بأسباب عدة وجيهة.

استمرار التخوف مع وجود النفي التركي ليس سببه أن أنقرة تحدثت فقط عن عدم التوصل لاتفاق بعد مع الجانب الروسي، وبالتالي فإن ذلك يعني أن الفكرة ما زالت قائمة ويمكن أن تتحول إلى أمر واقع لاحقاً طالما أن التفاوض حولها يجري، بل والأهم أن السوريين باتوا أكثر ميلاً للاعتقاد، بحكم التجارب، أن هناك اتفاقات بين الجانبين الروسي والتركي لا يتم الإعلان عنها بشكل مباشر لكنها تأخذ طريقها إلى التطبيق تدريجياً بعد أن تبدأ على شكل تسريبات إعلامية أو بالونات اختبار.

والواقع فإن إمكانية أن يتوصل الطرفان إلى مثل هذا الاتفاق تبدو واردة جداً بالنظر إلى البيان الختامي الذي صدر عن اجتماع الدوحة الثلاثي قبل أكثر من أسبوع، والذي ضم وزراء خارجية كل من تركيا وروسيا بالإضافة إلى قطر، حيث ركز البيان على البعد الإنساني للقضية السورية، وضرورة العمل على مقاربة الملف من خلال هذه الحالة.

تحت الستار الإنساني الذي تعرضه روسيا يختبأ مسعى واضح نحو حصر المساعدات الإنسانية المخصصة لمناطق سيطرة المعارضة بمناطق سيطرة النظام

لكن ما الذي يثير القلق في افتتاح معابر يفترض أن الغاية منها في النهاية (إنسانية) وأن الهدف من وضعها في الخدمة هو تسهيل عملية التنقل بين مناطق سيطرتي النظام والمعارضة، وتسهيل عمليات التبادل التجاري، خاصة وأنه ليس هناك من يقول بضرورة الفصل بين المنطقتين اللتين يعيش فيهما بالنهاية مواطنون سوريون من حقهم الوصول إلى كل نقطة من الأرض السورية، كما أن التبادل التجاري بين الطرفين أمر قائم بالفعل من خلال عمليات التهريب الواسعة والمعابر غير الرسمية؟

لكن الحال أنه بينما لا يوجد من يعترض على ضرورة العمل من أجل تخفيف المعاناة التي يعيشها السوريون على طول مساحة البلاد وعرضها، إلا أن الخشية من استثمار هذه المعاناة بهدف تحقيق أهداف سياسية تصب في النهاية بصالح النظام هو ما يثير تحفظات ومخاوف الكثيرين، خاصة وأن الاستراتيجية الروسية باتت أكثر وضوحاً في هذا السياق، وقد عبر عن ذلك بوضوح أكبر هذه المرة المتحدث باسم قاعدة حميميم العسكرية الروسية خلال إعلانه عن اتفاق المعابر هذا، عندما قال إن هذه الخطوة يمكن أن تسهم في كسر الحواجز النفسية بين السوريين، وهو بذلك يقصد بين النظام والمعارضة لا بين المواطنين العاديين.

إلا أنه تحت الستار الإنساني الذي تعرضه روسيا يختبأ مسعى واضح نحو حصر المساعدات الإنسانية المخصصة لمناطق سيطرة المعارضة بمناطق سيطرة النظام، بعد أن تمكنت سابقاً من حصر دخولها من خلال منفذ حدودي واحد فقط هو معبر باب الهوى، وعليه فإنه لو تم تطبيق الخطوة الجديدة التي تريدها موسكو، فإن ذلك سيؤدي ليس فقط إلى تحكم كامل من قبل النظام بالمساعدات المخصصة لمناطق المعارضة، بل وإلى السطو عليها وسرقتها بكل تأكيد، وبالتالي الحصول بشكل مجاني على أداة ضغط جديدة لاستخدامها ضد المعارضة من أجل إجبارها على تقديم تنازلات.

الأمر الآخر الذي يتوقع أن يترتب على افتتاح مثل هذه المعابر، هو تحولها إلى متنفس للنظام يخفف من خلالها الضغط الخانق الذي يعاني منه من جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه، بعد أن سدت بوجهه معظم المنافذ الأخرى، وتم تضييق الباقي منها، وكان الجميع يطالب بمثل هذه الخطوة بل ويدعمها لولا اليقين الحاسم بأن النظام سيعمل على توظيف واردات مناطقه من تركيا في خدمة فساد أجهزته وكبار مسؤوليه ورجالاته، الذين سينتقلون على الفور للهيمنة على السوق الجديدة التي ستفتح أمامهم، وإضافة وسيلة أخرى جديدة يثري من خلالها تجار الحروب والأزمات الذين هم اليوم أعمدة النظام بل النظام ذاته، الأمر الذي لا ينعكس إيجابياً بأي حال على المواطن العادي.

كما ستوفر المعابر المشرعة كميات كبيرة من العملة الصعبة التي ستتدفق على سوق النظام وخزائنه قادمة من المناطق المحررة، فتسهم في إنعاشه، كما وتقدم خدمة سياسية كبيرة بالنسبة له ولحلفائه الساعين إلى رفع العقوبات عنه، بالقول إنه إذا كانت المعارضة والضحايا الذين تم فرض العقوبات من أجل إجبار النظام على تقديم تنازلات سياسية لهم، والإفراج عن معتقليهم أو الكشف عن مصيرهم، هم أول من يخرقون هذه العقوبات فلماذا الإصرار عليها إذاً؟!!

حل المأساة الإنسانية لا يتم بالالتفاف عليها وتجاهل سببها الرئيس وهو النظام

مرة أخرى نجد أنفسنا مضطرين إلى التأكيد على أن الأزمة الإنسانية الخانقة لا يعيشها السوريون في مناطق النظام فحسب، بل في كل أنحاء البلاد، وهذه الأزمة لا يمكن على الإطلاق حلها بدون إزالة أسبابها، والسبب الرئيسي لها هو النظام الذي تستميت روسيا من أجل إعادة تأهليه، رغم أنها تتباكى على السوريين وتتذرع بالعمل على التخفيف من معاناتهم الإنسانية، فكيف يمكن معالجة المرض بالإبقاء على الفيروس الذي تسبب به، لا بل وبتقويته وزيادة مناعته؟!

إن حل المأساة الإنسانية لا يتم بالالتفاف عليها وتجاهل سببها الرئيس وهو النظام، وهذا الحل واضح للجميع يبدأ عندما يتم تطبيق القرارات الدولية المتعلقة بسوريا، وهو وحده ما سيفتح الباب بحق من أجل وضع حد لهذه المأساة، وكل ما عدا ذلك هو تكريس لها وتضحية بما تبقى من سوريا والسوريين على مذبح النظام.