"طوال سنوات مضت كنت أعتقد أننا نعيش أصعب مواسم رمضان حتى جاء العام الحالي وسط مأساة الزلزال والغلاء بظروف لم أشهدها طوال عمري الذي فاق الخمسين"، بهذه العبارة يجيب العم أبو محمد من اللاذقية عن أحواله وعائلته في رمضان.
ويستطرد أبو محمد الذي يعمل في متجر لبيع الخضار حديثه عن رمضان وما تبقى من عاداته قائلاً: "في كل عام نستقبل الشهر الفضيل بالزينة والموائد، قائمة حاجات رمضان تجّهز قبل أسبوع بما تتضمنه مع لحوم وحلويات، اليوم بتنا أمام هم انتقاء الطبخة التي تناسب دخلنا، حرمنا من تنوع المائدة هذا العام ومن عزائم الشهر الكريم، والأقسى من هذا أن أعمال الخير ومساعدة الفقراء تراجعت بشكل كبير."
فاقم الزلزال الذي باغت أهالي اللاذقية قبل نحو شهر من رمضان من معاناة الأهالي، ومنهم أبو سليم الذي يقضي أول رمضان من عمره في مركز إيواء مؤقت بمدينة جبلة.
وحول أجواء رمضان يقول الرجل الأربعيني في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" إن الزلزال والغلاء أثقلا كاهل الأهالي وأفقدهم بهجة رمضان، موضحا أنه بعد مرور أكثر من شهرين على الكارثة لا تزال عشرات العائلات مشتتة في مراكز الإيواء دون فرج قريب يلوح في الأفق.
وفي هذا الصدد أوضح الناشط الإعلامي في مدينة جبلة أبو يوسف جبلاوي لموقع "تلفزيون سوريا" أن نحو 70 عائلة في مدينة جبلة لا تزال تقيم في مراكز إيواء مؤقتة والبعض الآخر عند أقربائه في رمضان.
وأوضح جبلاوي أن عدداً كبيراً من منازل الأهالي بات بحاجة لعمليات ترميم وتكاليف مادية باهظة ترافقت مع الغلاء الفاحش في رمضان ما خلق استياء واسعاً في العموم.
رمضان قاسٍ
من جانبه يروي محمود (37 عاماً) وهو قصاب يعمل في مدينة جبلة جنوبي اللاذقية تفاصيل عن مظاهر لم تكن مألوفة في سنوات رمضان السابقة.
ويوضح محمود في حديث خاص لموقع "تلفزيون سوريا" أن بيع اللحوم هذا العام شبه متوقف رغم أن الشهر الكريم كان يشكل موسم خير للبائعين، مضيفاً:" كنت أذبح يومياً خاروفا أو أكثر في رمضان بحكم موقع محلي في السوق لكن اليوم بالكاد أذبح مرة في الأسبوع، ومعظم البيع للمطاعم أما الناس فقد عزفوا عن الشراء بعد أن تجاوز سعر الكيلو 75 ألف ليرة".
وتابع: "البعض يأتي على خجل يشتري بكميات قليلة 5 آلاف أو ما شابه.. لم نكن معتادين على هذا الأمر في رمضان".
وأردف: "الأسعار فاجأتنا هذا العام أيضاً، معروكة رمضان التقليدية تضاعف سعرها، عرق السوس والخرنوب أصبح شيئاً لا يمكن تفويته على المائدة.. البائعون باتوا يضعون سعر الأوقية على منتجاتهم بدل الكيلو أما الأجبان ولوازم السحور باتت تباع بالملعقة والغرامات. هذا أمر قاسٍ على شعب تعود الكرم والسخاء لاسيما في رمضان".
وسط مدينة جبلة عند قلعتها الأثرية ينتشر عشرات البائعين الجوالين على الأرصفة يبيعون حاجات رمضان من مشروبات وكعك وخبز وخضار، ووسط ذلك الزحام على جانب الطريق الآخر يكاد لا يوجد إلا عدد محدود من زائري محال الألبسة على غير العادة رغم اقتراب العيد.
ويرى بسام وهو صاحب متجر في السوق الطويل بجبلة أن تأمين الطعام بات الهم الأكبر للأهالي والملابس الجديدة من الكماليات.
وأوضح الرجل الثلاثيني في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" أن كسوة العيد لطفل صغير باتت لا تقل عن 100 ألف، ما خلق حالة ركود كبيرة في السوق وسط ضعف الدخل وانشغال الناس بهم الطعام.
أين ذهبت المساعدات؟
ورغم كثرة المساعدات الإنسانية التي وصلت إلى الساحل السوري عقب كارثة الزلزال إلا أنها غابت عن معظم بيوت أهالي اللاذقية كما يوضح الناشط الإعلامي في المدينة أحمد لاذقاني.
وأكد الناشط في حديث لموقع "تلفزيون سوريا" أن معظم عمليات التوزيع شهدت قبل رمضان فوضى كبيرة وتوزيعا في مناطق غير متضررة بينما القسم الأكبر من هذه المساعدات تباع على الأرصفة وبعضها منتهي الصلاحية لاسيما تلك التي وصلت من العراق.
وبحسب لاذقاني فإنه في أعوام سابقة كانت "جمعية البر والخدمات الاجتماعية" التي يشرف عليها نخبة من أهالي اللاذقية يجمعون ما تيسر لهم من أهل الخير لمساعدة المحتاجين خاصة في هذا الشهر الفضيل لكن ارتفاع الأسعار بشكل كبير خفض من مكونات هذه المساعدات وحجمها.
وأكد الناشط أن كلفة أقل سلة باتت لا تقل عن 75 ألف ليرة وتحوي بالكاد مكونات لاتكفي لأكثر من أسبوع.
الأسعار تضاعفت
وفي جولة على أسعار السوق في اللاذقية شهدت معظم المواد الأساسية والمشروبات الرمضانية التقليدية ارتفاعاً في أسعارها زاد على 100% مقارنة بالعام الماضي.
ويباع ليتر السوس والخرنوب المفضل لأهالي اللاذقية بسعر 6 آلاف ليرة، بينما يتراوح سعر كيلو التمور بحسب جودتها بين 30 و50 ألف ليرة.
وسجل سعر قرص المعروك 7 آلاف ليرة، في حين طالت الزيادة أيضاً أسعار الأجبان والألبان وهي أساس وجبات السحور. وبلغ سعر كيلو اللبن 4500 ليرة وعبوة اللبن أقل من كيلو سعر 4000 ليرة وكيلو اللبنة 15 ألف ليرة وكيلو الجبنة "الشلل" 33 ألف ليرة.