مطلوب قبر لهذا اللاجئ

2018.12.07 | 23:12 دمشق

+A
حجم الخط
-A

هل يصير القبر حلماً للسوريين في دول اللجوء؟ هل صار لزاماً على اللاجئ أن يعمل على تأمين قبره خلال حياته، حتى يضمن لجسده مأوى يحتضنه بعد وفاته؟. 

ومن نكد الدنيا علينا وعلى بلادنا سوريا، أنه في أوقات مختلفة من تاريخها الحديث، حصل الكثير من الإخوة اللاجئين العرب، على قبور خاصة بهم ضمن مقابر السوريين بسهولة، ودونما أي تدقيق أو تمييز أو عنصرية.

ومع انقلاب الزمن علينا، ألا تستحق جثة السوري نفس المعاملة في الأمكنة الأخرى؟ هل يمكن للمنظمات الدولية أن تتواصل مع النظام السوري، لتأمين إعادة جثة اللاجئ المتوفى لدفنه في سوريا؟ وهل من الممكن أن يرفض النظام مثل هذا الطلب الإنساني؟ وارد جداً أن يرفض، فالذين أخافوه وهم أحياء سوف يخيفونه وهم أموات.

هذه الأسئلة المؤرقة وأسئلة أخرى، صارت تعصف برأس أيّ سوري يعاني خطر الموت، أو يكاد يموت، أو مات أحد معارفه في بلدان اللجوء عموماً، ولبنان خصوصاً.

يوماً بعد آخر تتكاثر المصائب في الغربة على اللاجئين السوريين وكأن مصيبة جديدة كانت تنقصهم، ويبدو أن آخر هذه المصائب مشكلة تأمين قبر لمن يموت من النازحين بعيداً عن بلاده.

يصعب على مَنْ لم يستطع تأمين حياته أن ينجح في تأمين موته. موتى بلا مقابر، نهاية تعيسة لرحلة لجوء تعيسة. وكأن القبر في نهاية حياة اللاجئ يصير من الكماليات والرفاهيات التي لا تحلم بها إلا طبقة معينة.

يُقال، نقلاً عن مصادر إعلامية مطلعة، أن طفلاً توفي بعد ولادته بأيام قليلة، واضطر المشيعون أن يفتحوا قبراً آخر ليدفنوه فيه، مع جثة صاحب القبر القديم.

أقارب الميت يصير هاجسهم: أين سندفن الجثمان؟

مأساة جديدة، غرباء في دول اللجوء، غرباء في مقابرها، لا دول اللجوء ساعدتهم على حياة محترمة، ولا ساعدتهم على موت ودفن يليق بخاتمة إنسان. عندما يصير الموت عبئاً كبيراً يُضاف لأعباء النزوح واللجوء الكثيرة، وعندما يصير الدفن كارثة على المحبين والأقارب، وعندما يصير القبر حلماً لجثة بعيدة عن بلادها.. هذا هو حال اللاجئ السوري وقصته مع الموت بعيداً عن بلاده.

قيل قديماً "إكرام الميت دفنه" ويبدو أن اللاجئ السوري الآن يعاني من فقدان هذا الكرم بحق جثته.

وأما حديثاً فقد قال محمود درويش حول جثته المفترضة في قصيدته المشهورة "الجدارية":

متران من هذا التراب سيكفيان الآن، لي مترٌ و75 سنتيمتراً، والباقي لزهرٍ فوضوي اللون يشربني على مهل..

يصعب على مَنْ لم يستطع تأمين حياته أن ينجح في تأمين موته. موتى بلا مقابر، نهاية تعيسة لرحلة لجوء تعيسة

وأمنية محمود درويش في مترين من هذه الأرض تضم جثته، سوف تصير الآن حلماً صعباً بالنسبة للاجئ السوري.

وبخصوص مدافن السوريين المنتشرة في العالم حيثما لجؤوا في سنوات الحرب، أوصلتهم إلى نتيجة ما كانت في البال والخاطر، وهي: لا كرامة لقبرٍ إلا في وطنه.

منذ فترة وفي شمال ألمانيا في مدينة "نورتهايم"، وبحسب فيديو بثته وسلائل الإعلام، ثمّة عنصريون دنسوا قبوراً لمسلمين، وذلك برسم رموز نازية وعنصرية عليها. ولا يزال هذا الاعتداء على قبور المسلمين مجهول الفاعل.

أما في لبنان، فللسوريين مع القبور والدفن والمدافن حكايات وحكايات مؤلمة. امرأة تموت ولا يتم تأمين قبر لجثتها إلا بعد يومين، طفل يموت وتظل جثته دون قبر لثلاثة أيام، حتى تم تأمين قطعة أرض وذلك بشرائها من تبرعات البعض في عكار وجعلها مقبرة للسوريين.

بدأت مشاكل السوريين مع الموت في لبنان عندما أصدرت عدة بلديات قرارات بمنع دفن السوريين في مقابرها، متذرعة بضيق مساحة هذه المقابر، وأن بعضها مخصص للعائلات معينة فقط. وكأنه لم يكفِ السوريين ما مر بهم من عذابات في حياتهم في بلاد الشتات حتى بدأت المشاكل تواجههم في مماتهم أيضاً. السوريون في لبنان لا يستطيعوا أن يجدوا قبراً يضم رفاة موتاهم إلا بشق الأنفس.

حاول السوريون مراراً إيجاد حلول لهذه المعضلة، لكن للأسف لم يستطيعوا. ولعل أول هذه الأسباب هو الثمن المرتفع للقبور، ثمن لا يستطيع اللاجئ السوري تأمينه بسهولة.

حاولت الهيئة العامة لشؤون اللاجئين السوريين إيجاد بعض الحلول، لكن حتى هذه الحلول كانت مكلفة جداً، بالإضافة لصعوبات كبيرة واجهتهم، منها بُعْدُ المقبرة الذي يشكل عائقاً أمام مَن يتوفى في مناطق أخرى غير عكار، يضاف إلى ما سبق، طبيعة أرضها الوعرة، وصعوبة الوصول إليها بشق الأنفس، لدرجة أن أحد الذين شاركوا بتشييع جنازة ميت قال في لقاءٍ معه، ساخراً: أعتقد أن منكر ونكير لا يستطيعان الوصول للقبر وتوجيه الأسئلة للميت في بداية حسابه، بسبب وعورة طريق المقبرة، وفعلاً.. شر البلية ما يضحك.

تم تأمين ثمن هذه المقبرة من قبل الهيئة العامة لشؤون اللاجئين، من خلال تبرعات شخصية وفردية. والآن، في لبنان، يحاول السوريون إيجاد مقابر أخرى في مناطق ثانية، لأنه لا يوجد سوى هذه المقبرة حالياً، والتي تقع قرب الحدود السورية.

القبور أصبحت حلماً بعيد المنال للموتى من لاجئينا هذه الأيام.

الحكومة اللبنانية تتعامل مع مثل هذه القضايا الإنسانية بعدم الاكتراث ولا مبالاة، وكأن الموضوع لا يهمها أو يشغلها، ويُخيل للمتابع أن هذا الشيء طبيعي جداً، فالحكومة اللبنانية لا تهتم لحال اللاجئين السوريين الأحياء، فهل سوف تهتم لحال اللاجئين وهم موتى؟

وأيضاً، عدم انتباه المنظمات الدولية الإنسانية، لمثل هذه المآسي الإنسانية، هل هناك ما يبرره؟

 

كلمات مفتاحية