مطرودون من جحيم النظام وجنة المعارضة

2020.12.09 | 23:40 دمشق

2018_8_11_19_55_49_173.jpg
+A
حجم الخط
-A

أطرف ما يمكن العثور عليه في تصريحات من أرسلهم نظام الأسد للاجتماع مع هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، في سياق جلسات اللجنة الدستورية الأخيرة، أن بعض هؤلاء خلال نقاش مسألة عودة اللاجئين، وحيال تساؤل وفد المعارضة وبعض أعضاء وفد المجتمع المدني عن الضمانات اللازمة لعودة المطلوبين للفروع الأمنية وللمحاكم، ردوا بالقول: "أنه يمكن للاجئين السياسيين أن يبقوا خارج البلاد وأن يعود الأشخاص غير المطلوبين"!

الطرافة هنا لا تعني أننا سنذهب فوراً إلى الابتسامة أو الضحك أو القهقهة، بل تعني وفي سياق قراءة الخطاب الأسدي ذي الديمومة القهرية، أن ثمة حيثيات كثيرة ما برحت تحضر في نقاش الأسديين مع "أعداء الوطن"! وهم عموم الشعب السوري وليس المعارضين السياسيين فقط، فتستدعي ممن يتابعون تكتيكات النظام وطرق التفافه على القضايا الرئيسية، التوقف عند جوهر الرؤية التي ينطلق منها، ليذهب إلى نقاش تفاصيل قضايا فرعية مُختلقة مثل قصة "الثوابت الوطنية"، وغيرها!

هنا يمكن تذكر أن بشار الأسد ذاته، منذ خطابه الشهير في مجلة الشعب، بُعيد انطلاق المظاهرات في درعا، وحتى خطابه الأخير أمام رجال الدين في دمشق، مروراً بعشرات اللقاءات الصحفية، لم يكن يرى أن الحدث الذي يجري في الشوارع السورية يستحق التعاطي معه بجدية، بل كان مجرد مؤامرة ستفشل! فيعبر عن ثقته بنظامه ونجاحه في مواجهتها بالضحك مرة، وبالدعوة للصمود مرة، وبالتفلسف جيئة وذهاباً، بطائل وبلا طائل، مرات ومرات!

يتحول جميع عناصر المشهد السوري إلى تفصيل هنا وتفصيل هناك، وصولاً إلى اعتبار المعارضين السياسيين أيضاً مجرد تفاصيل يمكن تجاوزها، مقابل أن يكسب الأسد اللعبة كلها

بثينة شعبان التي كانت قد سبقت رأس النظام بالظهور على الشاشات لتتحدث عن الأمر، ووعدت السوريين بالأعطيات، وأشارت إلى أن ثمة مؤامرة طائفية تحركها أياد خارجية، لم تتوقف عن فعل الأشياء ذاتها، دون إحساس بأن الهبل الذي تمارسه (وبحسب توصيف المؤيدين لا المعارضين) يستحق المراجعة، طالما أنه يؤدي الغرض منه؛ فالقصة لا تستحق، طالما أن مصالحها بين مكتبها وبيتها تجري كما هو معتاد!

وبدوره لم يقصر وليد المعلم في أداء دوره، فقد وعد بإغراق الخصوم بالتفاصيل، فظل يهذي بها، ويُضحك الحضور في مؤتمراته الصحفية، حتى مماته قبل أيام!

 لقد توحدت أحاديث هؤلاء ومن معهم جميعاً، فظلت مساراتها طيلة الأعوام الماضية، وحتى يومنا هذا، تُسهب بالتفاصيل وتفاصيلها!

وفي السياق، يتحول جميع عناصر المشهد السوري إلى تفصيل هنا وتفصيل هناك، وصولاً إلى اعتبار المعارضين السياسيين أيضاً مجرد تفاصيل يمكن تجاوزها، مقابل أن يكسب الأسد اللعبة كلها، فيعود من يعود إلى حضن الوطن المفصل على قياس حكمه، ليعيشوا مثلما كانوا قبل الثورة، وعليهم لكي يجري ذلك بالسلاسة المطلوبة، وبالضرورة، أن ينسوا مذابحه، والمآسي التي خلفها قمعه الدموي للثائرين!

الجوهر الذي ينطلق منه النظام بكل أركانه في كل ما يتم النقاش حوله وفيه، يتلخص بعبارة واحدة هي "بقاء الأسد"!

وبالنظر إلى صقل دول حليفة كروسيا وإيران رؤاها التفاوضية على رفض تغيير النظام بالقوة، ورؤاها العسكرية عبر الاستماتة بالدفاع عنه، حتى لو أدى ذلك إلى القيام بالإبادات والتهجير، فإن "المعارضات" السورية ذاتها سيتم فرزها وفق معايير هذا الجوهر ذاته، وبدلاً من أن يتم العمل على توحيدها، فإن كلا الحليفين لا يمانعان أن يتم تقسيم المقسم، وأن تجري عمليات "مبازرة" طويلة الأمد، يمكن خلالها تليين الرؤوس الصلبة، وتنخيل البقية.

حيث لن يبقى في النهاية في المواجهة سوى قلة من السوريين يرفضون العودة، لأنهم يمتلكون أجندات خارجية وتسيطر عليهم مخابرات الدول الراعية لهم (بحسب أجندة الإعلام الأسدي وبعض المعارضة للأسف) بينما سيكون الباب مفتوحاً أمام كل من يقبل ببقاء الحال كما هو، حتى وإن كان الثمن تأثيم الشهداء، ونسيان الضحايا، وعدم المطالبة بالحقوق، وشطب رد المظالم من ميكانزمات التفكير!

مشكلة المعارضات السورية، لم تكن يوماً ما في تفرقها وعدم توحدها، فالشعب يريد إسقاط النظام، وهي تتبعه منذ تاريخ إعلانه في شوارع المدن السورية، وهي تستطيع أن تبقى متفرقة سياسياً، لكنها موحدة على الشعار الأساسي، غير أنها وبموجب قوى الضغط الإقليمية والدولية التي تولت دعمها واستخدامها في آن معاً، ترهلت وأمست ملحقة بمشاريع الحل، بعد أن تبدى حضورها على الأرض فارغاً وهزيلاً، بعد سلسلة طويلة من الانتكاسات الميدانية والسياسية، أمام الفصائل المتطرفة والمتحاربة، وأمام جيل كامل من الشباب الثائر الذي تشكل وعيه على ضرورة تدمير جوهر الأسدية ذاته.

ورغم أنه بات مبعثراً بين الداخل والخارج، وبين فشل المشاريع السياسية وكذلك المدنية على الأرض، إلا أنه بات موحداً أكثر من أي وقت مضى على فكرة تقول بضرورة تنحية المعارضة الحالية ولاسيما منها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، بعد أن أثبت هذا الأخير ليس فقط عجزه البنيوي عن مواجهة النظام وحلفائه سياسياً، بل عدم قدرته على التجدد، وأيضاً عدم احتضانه للشباب الثائر في مؤسساته التي يستعمر مواقعها القيادية جيل من الشيوخ، لا يقبلون أن يزاحمهم عليها أحد!

مصيبة هذه المعارضات أنها وفي سياق كامل من ممارساتها تحاكي العقلية الأسدية ذاتها، فهي (وعلى سبيل المثال لا الحصر) تتعاطى بخفة مع مطالب كل الفئات الشعبية التي تندد بتصرفاتها، فكل ما يحدث ويجري هو تفاصيل غير ذات أهمية، يمكن لأصحابها الانتظار حتى يتمكن القادة من كسب معاركهم، الصغيرة منها قبل الكبيرة!