مصير اللاجئين في السويد.. كرة يتقاذفها السياسيون

2020.07.11 | 23:42 دمشق

resized_2072c-2018-09-09t212750z_1190159915_rc149fa8ec10_rtrmadp_3_sweden-election.jpg
+A
حجم الخط
-A

أشعل اللاجئون والمهاجرون الحرب بين الأحزاب السويدية، وهي حرب قد تؤدي معركتها الدائرة اليوم بين هذه الأحزاب، بسبب هذا الملف، إلى انفراط تآلف الحكومة الحاكم، لهذا كان الخبر الأهم الذي تصدر أخبار السويد يوم الإثنين الماضي مؤلفاً من جملة واحدة، هي: انهيار المفاوضات حول سياسة الهجرة بين الأحزاب السياسية.

ولكي تتضح صورة الأزمة التي تتفاعل اليوم؛ لا بد من الإضاءة على الحزب الرئيسي الذي يقود معركة نسف سياسة الهجرة المعروفة في السويد، وهي السياسة التي شكلت الوجه الأكثر تعبيراً عن السويد في العالم، إنها سياسة الهجرة واللجوء، وإنه حزب "ديمقراطيي السويد".

لقد أسس هذا الحزب، حزب "ديمقراطيي السويد"، عام 1988. ولم يتمكن منذ تأسيسه من تجاوز حاجز 4% من أصوات الناخبين؛ ولذلك لم يتمكن من دخول البرلمان حتى انتخابات عام 2010، حين تمكن من الحصول على 5،7% من أصوات الناخبين؛ فشغل عشرين مقعداً في البرلمان السويدي، ثم حصل في الانتخابات التي تلتها على 49 مقعداً، ثم قفز في الانتخابات الأخيرة إلى 62 مقعداً.

إن هذا الحزب، حزب "ديمقراطيي السويد" (SD)، الذي هو حزب يميني متطرف يرتكز على فكر قومي معاد للأجانب، ويتعزز موقفه هذا بالمنظمات المتطرفة التي تدعمه وخصوصاً النازية منها. وعلى الرغم من أن هذا الحزب قد بدأ بمجموعة تحمل أفكاراً فاشية عنصرية، فإنه قد صار يحاول أن يكون حزباً منضبطاً بعد وصوله إلى البرلمان؛ فقد تحول في سياسته من حزب عنصري بشكل واضح إلى حزب يتحدث عن فصل الثقافات التي يجب ألّا تختلط فيما بينها؛ لأن التعددية الثقافية خطأ في منظوره، وستفضي- لابد- إلى أن تخلق مشكلات وتعارضات وصراعات لا يمكن التحكم بها والسيطرة عليها.

إن وقف الهجرة إلى السويد هو الهدف، وهو الركيزة الحقيقية لنشاطه، وهو منصة انطلاق هذا الحزب حسب ما يقول خبير السياسة الداخلية في الإذاعة السويدية. وكان قد أعلن الحزب عن ذلك بوضوح في حملته الإعلامية التي سبقت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، عندما رفع شعار: "خفض الهجرة إلى نسبة 90 في المئة".

ولقد أسفرت الانتخابات البرلمانية الأخيرة في السويد عن نتائج صادمة بمؤشراتها، فقد استطاع هذا الحزب "ديمقراطيي السويد" (SD)، أن يحصل على 62 مقعداً في البرلمان السويدي الذي تتألف مقاعده من 349 مقعداً، وأصبح بذلك الكتلة البرلمانية الثالثة بعد حزب "الاشتراكيين الديمقراطيين" الذي يحوز (101 مقعد) والذي يقود التحالف الحكومي الآن، وزعيمه- ستيفان لوفين- هو الذي يترأس الحكومة، ويشغل حزب المحافظين أو المعتدلين - وفق التسمية الجديدة – الموقع الثاني بحيازته 70 مقعداً.

يعود مصير اللاجئين ومأساتهم ومصير عائلاتهم التي تنتظر لم الشمل؛ ليصبح سلعة في بازار السياسة وألاعيبها مرة أخرى

وفي تفاصيل المعركة الدائرة- اليوم- حول ملف الهجرة، وهي معركة تتصاعد حرارتها منذرة بانقلاب في سياسة السويد حيال اللاجئين أو المهاجرين، إذ تظهر المواقف بشأن هذه السياسة تناقضات كبيرة بين هذه الأحزاب ما يجعل من الصعب جداً التقريب بينها، والأصعب التوفيق بينها، فحزب "ديمقراطيي السويد" يطالب بوقف اللجوء أو الهجرة تماماً؛ أي ألّا  تستقبل السويد أي لاجئ أبداً، بل يذهب باتجاه المطالبة بإعادة اللاجئين إلى بلادهم، بينما يواجهه في الضفة الأخرى حزب البيئة "الخضر" وحزب اليسار السويدي اللذان يطالبان بانفتاح أكبر على استقبال اللاجئين والمهاجرين، وبين هذين الرأيين تتراوح المواقف من مطالب بالإبقاء على سياسة اللجوء الحالية كالحزب الاشتراكي الديمقراطي، أكبر الأحزاب السويدية (101 ) مقعد، إلى المطالب بتخفيض عدد اللاجئين والمهاجرين بنسبة 70 في المئة؛ أي قبول ما بين 5 آلاف إلى ثمانية آلاف حالة لجوء سنوياً، وهو المطلب الذي يرفع لواءه "حزب المحافظين وحزب المسيحيين الديمقراطيين" مستندين في ذلك إلى أن هذا المعدل ينسجم مع النسب التي تستقبلها الدول الأوروبية الأخرى.

أما في المواقف المعلنة حتى اليوم، فإن حزب "ديمقراطيي السويد" يجد نفسه وحيداً فيما يتبناه من مواقف؛ لذلك فهو يميل إلى الموافقة على رأي حزبي المحافظين والمسيحيين الديمقراطيين بتخفيض عدد اللاجئين بنسبة 70 في المئة، لكنه يطالب مقابل ذلك بتبني مواقف متشددة في شروط لم الشمل، وإلى إلغاء حق الإقامة الدائمة بشكل دائم.

ومقابل تشدد حزب ديمقراطيي السويد يبرز تشدد معاكس من حزبي البيئة واليسار، فقد أعلنت الناطقة باسم حزب البيئة: أن الذهاب إلى اتفاق وفق الأفكار المطروحة قد يؤدي إلى سياسة سيئة بشكل لا يصدق تجاه اللاجئين، سياسة غير إنسانية وتؤثر على الأشخاص الهاربين، إضافة إلى أنها تقوض اندماج الأشخاص الذين يتلقون الحماية في السويد، وعلى هذا إن حزب البيئة يهدد بالانسحاب من الحكومة في حال الذهاب إلى إقرار مثل هذه القوانين.

وضمن هذه التعقيدات كلها، يبدو أن الحزب الأكبر في السويد "الديمقراطي الاشتراكي" الذي يقود الائتلاف الحكومي الحالي في موقف بالغ الصعوبة؛ فهو يحاول مسك العصا من المنتصف؛ كي لا ينفرط التحالف الحكومي القائم، ويبدي استعداده للتفاوض حول تحديد عدد حالات اللجوء والهجرة مع الإبقاء على باقي القوانين، لكن هذا سيضعه في مواجهة حليفيه الأساسيين: حزبي البيئة واليسار.

إذاً، وباختصار: لن تتمكن اللجنة البرلمانية المكلفة بإنجاز رؤية متفق عليها بين مختلف الأحزاب حول سياسة الهجرة من إنجاز مهمتها في 23 من الشهر الجاري. وهذا يعني: أن هذا الملف سينتقل إلى الدورة البرلمانية القادمة المقررة في منتصف شهر أغسطس القادم، مع كل المقترحات المقدمة من جميع الأحزاب للتصويت عليها بشكل منفصل.

وهكذا يعود مصير اللاجئين ومأساتهم ومصير عائلاتهم التي تنتظر لم الشمل؛ ليصبح سلعة في بازار السياسة وألاعيبها مرة أخرى، ومرة أخرى يفتح تصاعد اليمين المتطرف في أوروبا الباب أمام قلق كبير حول مصير مئات آلاف اللاجئين الجدد، وأضعاف هذا العدد من اللاجئين القدامى. الأمر الذي يبرر طرح السؤال الأهم مجدداً ودائماً:

إلى أين تتجه البشرية في ألفيتها الثالثة؟