icon
التغطية الحية

مصير إدلب.. هل ستبقى للثوار ليحيوا فيها ثورتهم كل عام؟

2020.03.16 | 17:24 دمشق

2020-03-15t144704z_372237029_rc2ekf938db3_rtrmadp_3_syria-security-turkey-russia.jpg
+A
حجم الخط
-A

تسارعت الأحداث الميدانية في شمال غرب سوريا بشكل مطّرد منذ أن تابعت قوات النظام بدعم روسي هجومها على جنوب شرق إدلب وسيطرت على كامل الجزء الواقع شرقي الطريق الدولي حلب – دمشق M5، وتجاوزته غرباً بعدة كيلومترات، لتتدخل تركيا بإرسال التعزيزات الكبيرة دون منع هذا التساقط السريع للمنطقة بيد النظام.

ومع بدء الضربات الجوية والمدفعية المكثفة من قبل الجيش التركي وإطلاق عملية درع الربيع في 27 شباط الفائت وعدم قدرة النظام على احراز مزيد من التقدم، وانتقال المعارضة بدعم عسكري تركي من الدفاع إلى الهجوم؛ كانت نهاية هذه التطورات غامضة لعدم قدرة الفصائل إحكام سيطرتها على مدينة سراقب وخسارة النظام لمئات العناصر والآليات الثقيلة واختباء قواته من الطائرات التركية المسيرة التي لم تفارق سماء المنطقة.

ومع انتهاء المهلة التي وضعتها تركيا بنهاية شباط الفائت، لينسحب النظام إلى حدود اتفاق سوتشي، تم الإعلان عن قمة بين أردوغان وبوتين ووفدي البلدين في موسكو في الخامس من آذار بعد أن كانت غير مؤكدة، واتفق الطرفان على وقف لإطلاق النار وتسيير دوريات مشتركة على الطريق الدولي حلب – اللاذقية الواقع تحت سيطرة المعارضة، وإشراف تركيا على 6 كم شماله وروسيا على 6 كم جنوبه، ما يترك منطقة جبل الزواية في حالة حصار دون تحديد مصيرها ما إذا سيكون هنالك انسحاب للفصائل منها.

وخرج الطرفان باتفاق لا يلبي مطالب تركيا بانسحاب النظام إلى حدود سوتشي، ولا أحلام روسيا بالسيطرة على كامل إدلب والأرياف المحيطة بها.

وفي المؤتمر الختامي للقمة التركية الروسية، أوضح وزيرا خارجية البلدين بأن تسييرالدوريات المشتركة سيكون في الـ 15 من آذار الجاري، وهو تاريخ ذكرى انطلاقة الثورة السورية عام 2011.

ربما حاولت روسيا تحديد هذا الموعد لبدء الدوريات المشتركة، لتصدّر الاتفاق مع تركيا على أنه نصر رمزي وأن آذار هذا العام سيكون الأخير الذي يحيي فيه ثوار إدلب ذكرى انطلاق الثورة السورية، في حين ترى تركيا عكس ذلك تماماً وأنها حمت بجهودها العسكرية والدبلوماسية آخر قلاع الثورة من السقوط بيد النظام.

واستبق مئات الثوار الغاضبين موعد تسيير الدورية المشتركة التركية الروسية الأولى، ليعتصموا منذ يوم الجمعة الفائت قرب بلدة النيرب التي تعتبر أولى البلدات الخاضعة للمعارضة على الطريق M4 دون مشاركة كل الفعاليات الثورية في الاعتصام لتضارب الآراء حول صحة ذلك، حيث يتخوّف الرافضون من أن تكون هذه الخطوة ولوجود عناصر ومقربين من هيئة تحرير الشام، حجة لخرق الاتفاق، في حين يرى المنظمون أنها محقة لمنع دخول أي قوات معادية إلى إدلب ولو كانت بدوريات مشتركة.

وعلى الرغم من تهجير أكثر من مليون شخص من مدنهم وقراهم، أحيى الثوار في شمال غرب سوريا الذكرى التاسعة لاندلاع الثورة السورية، مؤكدين على مطالبهم في إسقاط النظام، ولم تساعد مهرجانات الثورة وحالة وقف إطلاق النار الأهالي من إيقاف التفكير في مصير إدلب الضبابي.

ويرى المحلل السياسي والباحث في العلاقات الدولية الدكتور علي باكير أن اتفاق وقف إطلاق النارالقائم في إدلب "هشّ ومؤقت"، وذلك لأن نظام الأسد لا يلتزم بأي اتفاق دولي أو إقليمي ثنائي أو متعدد الأطراف، ويلتقي ذلك مع الرغبة الروسية في سيطرة الأسد على كامل الأراضي السورية، ما يتعارض مع المصلحة التركية في إبقاء الستاتيكو قائماً ومنع الأسد من تهجير المدنيين باتجاه حدودها.

ويختلف هذا الاتفاق عن سابقاته بمتغير واحد هو الوجود العسكري الكبير للجيش التركي، والذي كان المسبب الأكبر في قبول الروس بهذا الاتفاق، حيث تعرّضت قوات النظام لخسائر كبيرة، دفعت الأسد وروسيا وإيران لإعادة الحسابات والتخوف من الاستنزاف، بعد أن أصبح من الصعب جداً بالنسبة لها استئناف العمليات العسكرية ونجاحها خلال وقت قصير.

وبحسب باكير، استفادت تركيا من اتفاق موسكو حول إدلب، بوقف القصف ضد المدنيين وكسب الوقت لتحسين وضعها على الأرض ومحاولة دفع العملية السياسية قدماً إلى الأمام، منوّهاً أن الطرف الآخر بدوره يحتاج إلى هذا الوقت أيضاً لإعادة تنظيم صفوفه.

وحول احتمالات خرق حلف النظام وروسيا وإيران للاتفاق واستكمال العمليات العسكرية، فأشار باكير إلى تخوفات روسية، من أن تقوم تركيا بتحويل المنطقة التي تسيطر عليها في إدلب إلى منطقة آمنة لا يحكمها الاتفاق مع روسيا".

ويشارك الدكتور باكير هذا الرأي، الأستاذ في العلاقات الدولي الدكتور سمير صالحة، الذي نوّه إلى أن اتفاق إدلب الأخير تم بناء على اتفاقات أستانا وسوتشي السابقة وتحت سقفها، وما زال النظام يعيش تناقضاَ من ناحية أنه طلب من روسيا وإيران التدخل وفي الوقت نفسه يؤكد على أن الاتفاقات التي لا تخدم مصالحة بالحل العسكري، لا تعنيه وهو غير ملزم بها، ليترك الطريق مفتوحاً أمام خرق هذه الاتفاقيات بدفع روسي.

ومن الجهة المقابلة، فإن تركيا لم تتطرق إلى مطلب انسحاب النظام نحو حدود سوتشي، ما يؤكد وجود اتفاقات غير معلنة لأنها تحتاج إلى مزيد من النقاش، وهذا أيضاً يترك الباب مفتوحاً لعودة المعارك.

وحول طبيعة هذه الاتفاقيات التركية الروسية في شمال غرب سوريا من الناحية القانونية الدولية، أوضح باكير بأنها مبنية على أساس موازين القوى والمصالح المشتركة وهي في الوقت نفسه غير متفلتة من الاتفاقات الدولية بدليل أنها تتضمن إشارة إلى قرار مجلس الأمن 2254 وكذلك في إطار مكمل لاتفاق جنيف بشأن سوريا وهذه اتفاقات وقعت عليها روسيا في مجلس الأمن.

وعلى الرغم من ذلك ليس من الصعب على روسيا خرقها، وهو ما تفعله بالفعل دوماً، "لكنها تعتبر الإطار الذي من المفترض أنه يشكل حدود اللعبة النهائية للجميع"، بحسب وصف الدكتور باكير.

ولفت الدكتور صالحة إلى أن هذه التفاهمات "هي اتفاقيات سياسية عسكرية أمنية مؤقتة تأخذ بعين الاعتبار الحالة الظرفية أكثر من أن تدخل بالشق القانوني وهي ربما تكون فرصة لفتح الطريق أمام اتفاقات قانونية حقيقية بين السوريين أنفسهم.. وإذا لم تتم هذه الخطوة فستبقى هذه الاتفاقيات موضع نقاش وتعديل".

الآن تركيا دخلت في المواجهة عسكرياً، وحصلت الفصائل على وقت جيد لترتيب صفوفها من رأس الهرم حيث استقال القائد العام للجبهة الوطنية العقيد فضل الله الحجي دون شفافية في الأسباب وراء الإعلان حيث اعتبر البعض أنها مطلب في القيادة العامة ومصادر لموقع تلفزيون سوريا قالت إنها بسبب فشل القيادة في إدارة المعارك الأخيرة وأبرزها سراقب. أما الهدنة فاحتمالات انهيارها قائمة لوجود مسببات لدى كل طرف، وهنا أصبح من السهل توقّع مصير إدلب، عبر استبعاد نجاح أي هجوم عسكري للنظام وروسيا، وزيادة احتمال أن تحقق تركيا والفصائل تقدماً مفيداً وواسعاً ليكون اختباراً لمدى جدية تركيا في إعادة النظام إلى ما خلف نقاط المراقبة التركية التي ما زالت في مكانها حتى الآن.

وفي حال انهيار الهدنة وفشل الطرفان في تحقيق أي تقدم بري ودخولهما في مواجهة استنزاف كون تركيا أيضاً لم تنجح في الحصول على باتريوت لكنها قد تحصل على ما هو دون ذلك بحسب تصريحات المسؤوليين الأميركيين؛ فبالتالي أسوء السيناريوهات في إدلب هو ترسيم دائم لخريطة السيطرة الحالية، والحفاظ على ما تبقى من إدلب لسنوات طويلة تهيّء لتطبيق حقيقي لقرارات مجلس الأمن وعلى رأسها القرار 2254 الذي يضمن عدداً من مستحقات الثوار السوريين.

كلمات مفتاحية