مصاهرات المال والسلطة في سوريا.. نموذج: رحمون – مرعي

2022.02.09 | 05:52 دمشق

1113123213th3dth3d13.png
+A
حجم الخط
-A

كانت سوريا في الأيام القليلة الفائتة، زاخرة بمفارقات مُعبّرة. فرقعة الاحتجاجات تتسع في السويداء، وأصوات أكثر ترتفع من حواضن شعبية موالية للنظام، جراء رفع الدعم عن نحو 600 ألف أسرة سورية. فيما عناصر الأجهزة الأمنية تنجح في إلقاء القبض على صحفي موالٍ -تجرأ على نقد عبثية انفصال رأس هرم النظام عن واقع شعبه لينشغل بهموم الفن والفنانيين-، في الوقت ذاته الذي كانت فيه أجهزة النظام الأمنية، تفشل –أو لا تهتم أساساً- على مدى ثلاثة أشهر، بالتحرك حيال قضية اختطاف الطفل فواز القطيفان، قبل أن تتحول إلى قضية رأي عام. في أثناء كل ما سبق، وفي حين تفشل السلطة الحاكمة في أداء مهامها بتوفير الأمن وأدنى مقومات الحياة الكريمة للسوريين، كانت مصاهرة جديدة بين رجل في ذات السلطة، مكلّف –نظرياً- بأمن السوريين، وبين رجل أعمال يكافح لاستعادة مجد والده، تُعقد في أجواء باذخة مستفزة، حتى لأكثر السوريين موالاةً للأسد.

ليس بأمر جديد، أن تُعقد مصاهرات تحكم اقتصاد السوريين، وترهنه لقلّة حاكمة. بل تلك هي السمّة التي ميّزت حكم آل الأسد على مدى العقود الخمس الفائتة

قد يكون الحديث عن حفل المصاهرة بين محمد خالد رحمون، وزير داخلية الأسد، وبين رجل الأعمال السوري المقرّب من النظام، علي وهيب مرعي، والذي كلّف أكثر من مليار ليرة سورية –في أقل التقديرات-، مملاً للبعض. إذ أنه ليس بأمر جديد، أن تُعقد مصاهرات تحكم اقتصاد السوريين، وترهنه لقلّة حاكمة. بل تلك هي السمّة التي ميّزت حكم آل الأسد على مدى العقود الخمس الفائتة. وقد تكون تلك المصاهرة السلطوية الجديدة التي هي من المستوى الثاني أو حتى الثالث، داخل نخبة الأسد الحاكمة، من المصاهرات الهامشية مقارنة بمصاهرات المستوى الأول، وأشهرها، مصاهرة آل الأسد – آل مخلوف، التي شكلت كابوساً للسوريين على مدار عقدين من الزمن. فيما كابوس جديد مماثل، يخيّم هذه الأيام على حياة السوريين المعيشية، ويتمثل في مصاهرة آل الأسد – آل الأخرس.

إلا أن المفارقات التي رافقت المصاهرة السلطوية الأخيرة بين وزير داخلية الأسد وآل مرعي، تبدو مغرية للتعرّف إلى المزيد من التفاصيل التي تحكم أطرافها.

فـ "العريس" في المصاهرة الجديدة –علي- هو نجل "حوت طرطوس" الراحل، وهيب مرعي، والذي كان أحد أباطرة تجارة وصناعة الحديد طوال عقود في سوريا، كمكافأة له لانقلابه على رفعت الأسد، الذي كان مقرّباً منه في الثمانينيات، لصالح حافظ الأسد، الذي منحه حق احتكار استيراد الحديد من أوكرانيا، حينها. وارتبط وهيب مرعي بمصاهرات مع آل الأسد وآل شاليش، عزز من خلالها مكانته كأبرز رجل أعمال في طرطوس، وكان مخلصاً للنظام بصورة جعلته يكرّس معمل الحديد التابع له، لتصنيع البراميل المتفجرة خلال سنوات حرب النظام على السوريين في العقد الفائت.

لكن مكانة آل مرعي بدأت تذوي بوفاة كبيرهم –وهيب- عام 2017، بالتزامن مع صعود وجوه غير معروفة في قطاع الأعمال السوري، لتكون واجهات جديدة لرجال السلطة. وكافح –علي- للحفاظ على "إقطاعيات" والده الممنوحة من الأسد الأب، عبثاً. فتجارة وصناعة الحديد، آلت جزئياً إلى سامر فوز ومحمد حمشو، على حساب آل مرعي وأيمن جابر –الأخير، زعيم ميليشيا مغاوير الصحراء سابقاً، والذي أقصاه النظام من المشهد الاقتصادي قبل عامين-. وحجزت سلطات النظام على أموال ورثة وهيب مرعي، في أيلول 2020، ومنعتهم من السفر، في سياق حرب بشار الأسد وزوجته على شركاء رامي مخلوف والمقرّبين منه. وفي تشرين الأول 2020، أقصى النظام، علي وهيب مرعي، من موقعه كنائب رئيس لغرفة تجارة وصناعة طرطوس، لصالح الوجه الجديد الصاعد، مازن حمّاد.

لكن، يبقى لورثة آل مرعي، مجموعة ضخمة من الأصول ومصادر الأموال، التي تضمها "مجموعة الوهيب الاقتصادية"، ومن بينها منتجع هوليدي بيتش في طرطوس، الذي شهد حفل زفاف –علي مرعي-. دون أن ننسى أسطول النقل البحري الضخم التابع للعائلة.

تتأتى مفارقة هذه المصاهرة الجديدة في أنها جاءت في توقيت تتفاقم فيه مظاهر فشل "الدولة" في سوريا

ومن غير الواضح بعد، من يرمم مكانته، بالمصاهرة مع من؟ محمد رحمون، وزير الداخلية، الذي مثّل نقله إلى هذا الموقع، عام 2018، تخفيضاً لمكانته على شكل مكافأة نهاية الخدمة، بعد أن كان أحد رموز المخابرات الجوية -أقوى وأشرس أجهزة المخابرات التابعة للنظام-، أم علي مرعي، الذي كان والده متربعاً على عرش أثرياء طرطوس، قبل 4 سنوات فقط؟ لكن، من الواضح أن الرجلين، قررا تعزيز أسهمهما داخل نخبة النظام الحاكمة، عبر هذه المصاهرة، في خطوة من المرجح أن علي مرعي يراهن من خلالها على تجديد أوراق اعتماده لدى النظام، كأحد واجهات الأعمال المُخلصة، التي يمكن الاتكال عليها في غسيل الأموال، والتهرب من العقوبات الدولية.

وكما أشرنا أعلاه، تتأتى مفارقة هذه المصاهرة الجديدة في أنها جاءت في توقيت تتفاقم فيه مظاهر فشل "الدولة" في سوريا. فحادثة خطف الطفل فواز القطيفان، التي تطلبت تدخلاً روسياً –وفق بعض المصادر المحلية-، ليست المؤشر الوحيد لحالة الفشل الأمني للنظام. فسوريا التي يقود "شرطتها"، "جلاد الغوطة"، ورئيس "فرع الموت" فيها سابقاً –فرع المخابرات الجوية بحرستا-، وأحد المتورطين في تجارب استخدام الأسلحة الكيميائية بعد العام 2011.. سوريا تلك، تحتل المرتبة الأولى عربياً، والتاسعة عالمياً، بارتفاع معدل الجريمة، وفق مصادر دولية متخصصة. ودمشق، التي لـ محمد رحمون، مكتب قرب ساحتها الرمزية الشهيرة –المرجة-، تحتل المرتبة الثانية بارتفاع معدل الجريمة في آسيا، بعد العاصمة الأفغانية، وفق أرقام عام 2021.

هذا الفشل في تحقيق الأمن الجماعي للسوريين، في مواجهة ازدياد معدلات الجريمة والسرقة والخطف، في الوقت الذي يمكن فيه إلقاء القبض على صحفي انتقد رأس النظام، في أقل من 48 ساعة.. يمثّل وجهاً من وجوه متعددة للفشل في أداء "الدولة" السورية، تفاقمت بصورة قد تكون غير مسبوقة، في الآونة الأخيرة.

وهكذا تتعزز مجدداً، لكن بصورة أكبر هذه المرة، تلك الثلاثية ذاتها التي فجرت الأوضاع عام 2011، وفق كثير من الخبراء. سياسات نيوليبرالية لا تراعي المصالح الاقتصادية لغالبية السوريين، ومصاهرات بين رجال أعمال ورجال سلطة تفاقم الفساد والمحسوبية وارتهان الاقتصاد لصالح أقلية من أصحاب المصالح، بالتزامن مع فشل في توفير الحد الأدنى من مقومات المعيشة للغالبية العظمى من السوريين.. ويبقى السؤال: متى تنفجر الأوضاع في سوريا، مجدداً؟ وكيف سيكون شكل الانفجار الجديد؟