icon
التغطية الحية

مصابات الحرب في إدلب.. المأساة أكبر من فقدان جزء من الجسد

2021.01.02 | 04:50 دمشق

imageonline-co-logoadded_9.jpg
إدلب - نهى الحسن
+A
حجم الخط
-A

فقدت الأربعينية مها العلي الأمل بالعيش في وضع طبيعي، بعد أن فقدت ساقيها بـقصف استهدف مدينتها أريحا، لكن مأساة مها لم تقف هنا، فما إن مضى على إصابتها سوى بضعة أشهر حتى تخلى عنها زوجها وتزوج بإمرأة أخرى.

حالة مها الصحية واحدة من بين آلاف النساء السوريات في الشمال السوري اللواتي فقدن ذراعاً أو يداً أو قدماً أو ساقاً خلال الحرب الدائرة، وتعيش هؤلاء النسوة معاناة كبيرة لكون البتر هو أصعب أنواع الإصابات والإعاقات التي سترافق صاحبها مدى الحياة ، ومعظم النساء المصابات لا يستطعن تركيب أطراف صناعية بسبب غلائها، وضعف الإمكانات الطبية في المنطقة، ومحدودية الدعم الذي تقدمه المنظمات والهيئات والمراكز المعنية بمصابي الحرب، فيعيش أكثرهن ما تبقى من حياتهن ملازمين لكرسيهن المتحرك وسط إهمال وحالة صحية ونفسية يرثى لها.

وضمت مناطق شمال غربي سوريا القسم الأكبر من مصابات ومصابي الحرب، كنتيجة طبيعية للقصف المتواصل منذ سنوات من قبل قوات النظام وحليفه الروسي.

الأرملة فاطمة الأحمد من قرية كنصفرة أم لثلاثة أطفال أكبرهم فتاة في السابعة من عمرها، كانت ضحية لقصف بالصواريخ من طائرات النظام تسبب بإصابتها بشلل نصفي، لتصبح عاجزة وهي في بداية العقد الثالث من عمرها.

 تقول الأحمد لموقع تلفزيون سوريا: ألقت طائرة حربية عدة صواريخ في حينا وتسببت بإصابات بالغة لعدد من المدنيين، وأنا كنت منهم.. فقدت الوعي إثر الضربة، وحين استيقظت وجدت نفسي بالمستشفى.

تتابع بغصة تكاد تخنقها والدموع تغطي وجنتيها: سمعت الطبيب يقول لعائلتي أنني أصبت بشلل نصفي.. اسودت الدنيا في عيني في تلك اللحظة، وتبددت أحلامي، فقد كنت أرغب بتربية أطفالي، ورعايتهم والاهتمام بشؤونهم، وتأمين جميع متطلباتهم لتعويضهم عن والدهم الذي استشهد في الحرب أيضا منذ نحو ثلاث سنوات، لكنني أصبحت ضحية تحتاج لمن يقدم لها الرعاية".

 

سعاد مخنوق.. عندما تتسبب شظية بفقدان ذراع وعين ومستقبل دراسي

أما الشابة سعاد مخنوق (17 عاماً) فأصيبت أثناء عودتها من مدرستها بشظية من إحدى القذائف التي كانت تستهدف مدينتها كفرنبل بشكل شبه يومي، فبترت ذراعها اليمنى، وفقئت إحدى عينيها.

من حينها تركت سعاد المدرسة بعد الصدمة القاسية التي تلقتها، على الرغم من أنها كانت متفوقة في دراستها. وأصبحت تعاني من العديد من المشـكلات والأمراض النفسية، وهي إلى اليوم تحاول الحصول على طرف صناعي جيد لكن دون جدوى.

 

الإصرار وعاطفة الأم يغلبان الإصابة

بعض مصابات الحرب يحاولن التأقلم مع إعاقتهن ومعايشة الواقع الذي فرض عليهن، متحديات بعزيمتهن القوية وإصرارهن جميع العوائق والعثرات التي تقف أمام أحلامهن وطموحهن.

فريدة الصطوف (45 عاماً) من معرة النعمان، بترت قدمها في إحدى غارات الطيران الحربي على المدينة، وأصيب زوجها إصابة بالغة في عموده الفقري فأصبح عاجزاً من حينها، إلا أن فريدة لم تيئس من إعاقتها وإصابتها، بل أصرت على مواجهتها بالعمل والجهد الدؤوب، بعد أن استطاعت الحصول على طرف صناعي من إحدى الجمعيات الخيرية، وعلى الرغم من أن نوعية الطرف رديئة، ويسبب لها كثيرا من الآلام، إلا أنها راحت تعمل بالخياطة وبيع الألبسة المستعملة لتكون المعيلة والأم والزوجة.

 

 

 

تقول فريدة لموقع تلفزيون سوريا: بعد إصابتي وعجز زوجي كان لا بد من تأمين عمل أستطيع من خلاله الإنفاق على عائلتي، لم أبحث عن عمل بسبب يقيني بأنني لن أجد، فأرباب العمل ينظرون إلى المصابين نظرة شفقة، وأنهم لن يستطيعوا أن يكونوا عضواً منتجاً في الحياة، لذلك فضلت الاعتماد على نفسي والعمل، فرحت أعمل بمهنة الخياطة التي كنت قد تعلمتها في وقت سابق في أحد مراكز تمكين المرأة، بالإضافة لبيع الألبسة المستعملة، وأستطيع ولله الحمد الإنفاق على عائلتي دون انتظار المساعدة من الآخرين.

 

سعر الطرف الرخيص قرابة الـ 1000 دولار أميركي

وأوضح وائل الشيخ وهو فني أطراف صناعية في مدينة إدلب لموقع تلفزيون سوريا أنه وفي الآونة الأخيرة تراجع نشاط الجمعيات الخيرية التي تُعنى بالمصابين والجرحى في مناطق الشمال السوري، جراء شح التمويل والتكاليف المرتفعة التي يستلزمها العلاج الطويل، كما تعتبر مسألة شراء الطرف الصناعي معضلة، حيث تبلغ كلفة تركيب الطرف الواحد بين (800 - 1500) دولار أميركي، أما الطرف الذكي فقد تصل كلفته إلى حوالي 50 ألف دولار أميركي لذلك يحتاج مصابو الحرب لتأمين الأطراف.

ولا تقف معاناة مصابات الحرب عند مجرد الشعور بالألم، حيث تتسبب أيضاً في مشكلات نفسية واجتماعية عند الكثيرات اللواتي أصبن بحالات اكتئاب.

المرشدة الاجتماعية منى الكامل، تتحدث عن الآثار النفسية لإصابات الحرب فتقول: "الإعاقة تجعل صاحبها مع حاجته للعون الخارجي يشعر بالخيبة والإحباط والدونية، كما يعاني صاحبها من الأمراض النفسية كاضطراب ما بعد الصدمة والاكتئاب والقلق نتيجة الشعور بالخسارة لفقدان عضو من الجسد".

وتنصح المرشدة الإجتماعية بضرورة تقديم برامج إرشاد ودعم نفسي للأشخاص الذين تعرضوا للإعاقة، والعمل على توفير فرص عمل وتنمية المهارات المختلفة لديهم وتطويرها وتحويلها إلى مرحلة الإنتاج.

وتطالب مصابات الحرب والجمعيات الإنسانية بتقديم الدعم اللازم لهن، وفي ظل هذه الظروف الصعبة والقاسية على ملايين السوريين في الشمال السوري؛ إلا أنهن الشريحة الأضعف في المجتمع، ولا تقف تبعات الإصابة عند فقدان جزء من الجسد وإنما ارتدادات ذلك كبيرة على مستوى الأسرة والأطفال، والمأساة النفسية المترافقة مع الإصابة تجعل منها مضاعفة التأثير والألم.