مسلّمات الحالة السورية وطريق الخلاص

2022.12.06 | 10:24 دمشق

الثورة في أخطر مراحلها
+A
حجم الخط
-A

السوريون، كيفما كانوا أو توزعوا أو تموضعوا جغرافياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو دينياً أو ثقافياً أو سياسياً، تجمعهم مسلّمات وحقائق تتجاوز خلافاتهم واختلافاتهم في المواقف والتصنيفات تجاه ما حدث لهم ولبلدهم خلال العقد المنصرم. يجمعهم الآن حقيقة اكتشاف مرضهم شبه المزمن؛ وتشخيص المرض يعني نصف الشفاء؛ فليتحوّل هذا التشخيص إلى حقائق خريطة طريق تُوْصِل إلى الخلاص والشفاء التام.

أزمة وطن وهوية وانتماء

 لم يتعرض شعب لأزمة وطن وانتماء وهوية كما تعرض السوري؛ فلم يكن الانتماء للوطن إلا شعاراً خلبياً تاجرت به منظومة استبداد ابتزّت وقهرت وسحقت "المواطن السوري"، حيث لم يعد يشعر أن لديه وطن، بل سلطة إبادية ألغت الوطن؛ وجعلته بتصرف قوة غاشمة تتحكّم بمصير  البلاد والعباد ولقمة العيش؛ تُذلُّ وتعتقل وتشرِّد لمجرَّد المطالبة بعيش وحقوق يحميها القانون، لا عيش مبنيا على الانتماء المالي أو الطائفي. الآن، على أي ضفة يوجد مَن بقي حياً من السوريين داخلاً أو خارجاً، موالياً أم معارضا، يدرك أن ذلك كان أحد تجليات المرض السوري، الذي لابد الشفاء منه.

المصير الواحد

في التموضع الجغرافي ضمن هذه الـ ١٨٥ ألف كيلومتر مربع، اتضح أن هناك اشتراكاً في المصير؛ فابن الساحل السوري لا يختلف مصيره عن ابن الجزيرة السورية؛ فكلاهما تحت سيطرة قوى أمر واقع محمية بقوى خارجية، وبسلطة استبداد جلبتها. لا ينقذ الأول من الفقر والذل علويّته، ولا ينقذ الثاني أو يجرّمه كرديته أو سنيته؛ ولا ينجي الدرزي أو الشامي أو الإدلبي أو الحمصي، من حياة أقرب إلى الموت ومخدرات نظام الاستبداد والملالي، طائفتهم أو أقلويتهم أو أكثريتهم. ما ينقذ الجميع هو يقينيتهم بمصيرهم الواحد وروحهم الواحدة.

سلطات الأمر الواقع

وفي الجغرافيا أيضاً، يدرك الجميع أن "سوريا الأسد" ذهبت إلى غير رجعة؛ وما يُسمى "مناطق نظام" و"مناطق قسد" و"مناطق معارضة" أو ما شابه، ليست إلا حالات مرضيّة مؤقتة لا حياة لها؛ ولّدها أمر واقع لمصالح قوى خارجية تدخلت في القضية السورية، ولا مصير لها إلا الزوال. سلطات الأمر الواقع في تلك البؤر تعمل على إبقاء الوضع الحالي، لأنها تعتاش عليه؛ والسوري السوري بات يعرف أن كل هذه المناطق ملك للسوريين ودولتهم الواحدة؛ والوطن ليس فقط جغرافيا وأرضاً وذكريات وعواطف وأرواحاً، وإنما حق وقانون يحترم ويحمي هذا الحق.

مِن بين "سلطات الأمر الواقع" المعارضة الرسمية؛ والتي ينقم عليها بشدة جمهور الثورة؛ ويهزأ منها مَن هو خارجها. هذه سعت وفشلت- ولأسباب كثيرة- في تمثيل طموحات ثورة السوريين؛ وهي ليست أكثر من سلطة أمر واقع ضعيفة. لا هي ولا منظومة الاستبداد الأسدية تملك شيئاً من أمرها. وربما في جزء كبير منها ومن المولاة، مغلقة الدماغ أو المغلوبة على أمرها،  المستفيد الأساس من حال الموات والفوضى والضياع القائم؛ أما الغالبية فهم رهائن ومساجين محكومين بالخوف والقهر والفقر. وهذا جزء أساسي من الحقائق المشتركة المكوّنة لخريطة الخلاص السورية، حيث القرار والأرض في النهاية لأهل الوطن على أي ضفة كانوا.

فشل كل سلطات الأمر الواقع

يُضاف إلى كل تلك المسلمات والحقائق المشتركة، أن السوريين بدأوا يدركون أن هناك في الشمال الشرقي لبلدهم مَن يضع يده على نفط سوريا ومياهها وزراعتها. وما في تلك المنطقة من مكان للسوريين إلا لعصابة هزيلة تحتمي بالتناقضات الدولية لتساهم بنهاية سوريا التي نريد. بات السوريون يدركون أن منظومة الاستبداد الأسدية قد سرقت مقدّرات البلد لعقود؛ وهي الآن تنشر الفقر والابتزاز والمخدرات  والذل. وفي الجانب الآخر، وبصورة مَسِخَة، تعمل حكومتا الإنقاذ والمؤقتة بلا حول ولا قوة ولا صلاحية، يتحكم بمصيرها أمراء فصائل يكللهم الجهل والبلطجية. كل تلك السلطات لا تكترث، والمتدخلون تعنيهم مصالحهم، والسوري أينما كان هو آخر همّهم. ولو بقي الحال هكذا لسنوات، لا اكتراث؛ وسوريا إلى نهاية.

جوهر الصراع ونهاية سلطات الأمر الواقع

من جانب آخر، وغاية في الأهمية، لا بد أن نضع في أذهاننا كبداية أن الصراع في سوريا ليس كما أرادته منظومة الاستبداد والإبادة بين معارضة ونظام، أو مؤامرة كونية؛ وليس بين ضفة سوريةٍ وأخرى، كما سعت المنظومة عبر بثّها الفتنة وتكريس الطائفية في سوريا؛ بل صراع بين شعب سوري واحد المصير، ومنظومة إجرامية تستبد بالجميع لعقود.

مَن سَخِر أو عادى ثورة السوريين، ومَن سرّه لاحقاً تعثُّر ثورة السوريين بات متيقناً مِن خلال ما يعيشه يومياً أن تلك الثورة كانت أكثر من ضرورة، رغم كل ما يعتريها من مواجع وخيبات ومؤامرات من أهلها ومن الخارج. وهكذا، هي تتحوّل إلى حالة جامعة لا بد واصلة إلى أهدافها يوماً. فالموات الحاصل ما من خلاص منه إلا بالتخلُّص من سلطات الأمر الواقع الرازحة على صدور الجميع. "دولة الأسد" كسلطة أمر واقع تبدو أقوى تلك العصابات المتحكمة بسوريا عبر تمثيلها الرسمي؛ إلا أنها فعلياً الأضعف بحكم ارتباط بقائها بالاحتلال؛ والاحتلال لا يدوم. ونعلم أن قضية سوريا ليست كقضية فلسطين.

خلاص الرهائن وانهيار منظومة الإبادة

          ها هو العدو الحقيقي المعيق للانعتاق واضحٌ للجميع، على أي ضفة كانوا؛ وما بقي إلا التحرك؛ وهذا يستلزم تظافر جهود الجميع، أكانوا في الداخل أم في الخارج. تكون البداية من مؤسسة المعارضة الرسمية القائمة اسمياً "الائتلاف"، والتي لا يمكن ولا يجوز أن تكون حكراً أو ملكاً لمجموعة؛ إنها للسوريين جميعاً؛ فمَن  خَرَجَ منها (وكان في قيادتها) ليس معذوراً، إن أدار ظهره، فهو لا يديره للفاسدين فيها بل للقضية ككل؛ ومن هنا ليس معذوراً. لا بد لأفراد ومجموعات من هذه المؤسسة ذاتها من الانتفاض على ما هو قائم، وتخليصها من هذا الموات. وعلى ما يُسمى جمهور الثورة أن ينظم نفسه في تخطيط وتواصل ووقفات لإسماع الصوت.

أما ملايين الخارج، فعليهم تنظيم أنفسهم قليلا، كلّ في مجاله، ليكونوا حالة الدعم  وبنية المستقبل السوري الواعد في كل الميادين؛ ففي النهاية سوريا هي الوطن الأصل، وموطنهم الحالي قاعدة دعم. في الداخل غير مطلوب مسيرات أومواجهات ممن ما زال مجبراً أن يكون تحت مظلة ابتزاز منظومة القهر، التي تأخذ مَن حولها رهائن ؛ يكفي عدم التعاون أو الانخراط مع تلك المنظومة وما تريده؛ ولتكن إدارتهم ومحافظتهم على بقائهم فقط؛ وستقع هذه المنظومة من ذات نفسها، إذا ما أُدير الظهر لها؛ فهي في حالة انهيار اقتصادي تام، وإلى زوال حتمي.

 من جانب آخر؛ والرسالة للعالم ولكل من يعنيه الأمر، المسألة ليست كما يُشاع أن لا بديل لبشار الأسد؛ سوريا فيها مليون قائد، وما من واحد منهم يريد أن يكون بموقع بشار الأسد. سوريا تحتاج سورياً يرى الوطن للجميع، والقانون مقدساً، وكرامة الإنسان والحق والواجب فوق كل اعتبار. وأموال سوريا، التي نُهبت لعقود، لا بد تعاد، ليعاد بناء الوطن والإنسان؛ والسوري ليس بحاجة إلى مشروع مارشال؛ خيراتها وأموالها المخزَّنة في بنوك بعض الدول تبنيها وتعزها. وشرط ذلك كله، والأمر الطبيعي حسب القانون الدولي وحق تقرير المصير، لا وجود لقوى احتلال على هذه الأرض.