icon
التغطية الحية

مسلسل "شتي يا بيروت".. بين مرارة اللاجئ السوري وتلميع السلطة في سوريا ولبنان

2022.01.24 | 07:25 دمشق

shty_ya_byrwt-_tlfzywn_swrya.jpg
مسلسل شتي يا بيروت (شاهد)
+A
حجم الخط
-A

بعد اندلاع الثورة السورية عام 2011، اضطر عدد كبير من السوريين إلى اللجوء لدول الجوار، هرباً من مجازر النظام وممارساته القمعية والقصف الممنهج الذي دمر مدنهم وبلداتهم وقراهم.

حياة أولئك اللاجئين السوريين في دول الجوار كانت مهمشة تماماً في الدراما السورية والمشتركة، بما في ذلك حياة من لجأ منهم إلى لبنان، الدولة التي شكلت الوجهة الأبرز للفنانين السوريين وخاصة في السنوات الأربع الأولى.

بقي الحال كما هو عليه حتى مجيء عام 2015، عندما عُرض مسلسل "غداً نلتقي" للكاتب إياد أبو الشامات والمخرج رامي حنا الذي سلط الضوء على معاناة اللاجئين السوريين في لبنان، فلاقى المسلسل إقبالاً كبيراً من قبل السوريين الموجودين هناك لكونه يجسد معاناتهم، لكن ذلك لم يكن كافياً لجذب شركات الإنتاج والمحطات العربية، التي لم تهتم بعدها  بإنتاج أو عرض أعمال أخرى تتناول حياة اللاجئين في دول الجوار؛ حتى جاء مسلسل "عبور" عام 2019، الذي استعرض جانباً من حياة اللاجئين السوريين في مخيمات الأردن، إلا أن العمل كان مخيباً للآمال؛ حيث غلب عليه الطابع الدعائي، للدول العربية المنتجة، بوصفها كانت تقدم مساعدات للاجئين، ولم يلق المسلسل  صدى يُذكر.

إلا أن موضوع اللاجئين السوريين في دول الجوار عاد ليأخذ منحى مختلفاً في الدراما العربية المشتركة خلال العام الماضي، مع ازدياد نشاط منصات العرض الرقمية الذي أسفر عن ازدياد عدد الأعمال الدرامية المشتركة، وبالأخص السورية اللبنانية.

فعلى الرغم من أن غالبية هذه الأعمال تهرب من الواقع قدر الإمكان، وتظهر فيها الشخصيات السورية مفصومة عن الواقع الحقيقي لحياة السوريين في الدول التي تحتضنها، ليتم تصويرهم على أنهم من فئة رجال الأعمال فاحشي الثراء أو أصحاب النفوذ والسلطة في لبنان. لكن من بين المسلسلات الكثيرة المشتركة، جاء مسلسل "شتي يا بيروت" الذي بدا أكثر نضجاً في نقل واقع اللاجئين السوريين في لبنان، رغم أنه مسلسل يتناسب إلى حد كبير مع المعايير التجارية في الدراما المشتركة، فيستعرض حياة الذوات ولا يخلو من الإثارة والجريمة.

مسلسل "شتي يا بيروت" من تأليف بلال شحادات، وأخرجه إيلي سمعان، وأدى أدوار البطولة فيه: عابد فهد، إلسا زغيب، إيهاب شعبان، لين غرة وزينة مكي. وهو يتمحور حول حكاية غير منطقية عن الثأر بين أبناء العم.

 

 

لكن، وبالرغم من غياب المنطقية عن الحكاية الأصلية، إلا أن الظرف العام الذي احتضن الحكاية  عكس كثيرا من جوانب الواقع، لينجح المسلسل بالعديد من اللحظات بتسليط الضوء على أحوال اللاجئين ومعاناتهم في لبنان، من خلال الظرف الذي تعيش فيه شخصية "عبد الله"، التي يؤديها عابد فهد، وهو لاجئ سوري يعمل بالتهريب، بعد أن وفد إلى لبنان بطريقة غير شرعية هرباً من الثأر؛ فعدم امتلاكه لأوراق ثبوتية وإقامة نظامية تجعله يمر بالعديد من المواقف التي تعكس هامشاً من معاناة اللاجئين السوريين في لبنان؛ منها عدم تمكنه من إصدار شهادة ميلاد لابنه "أيوب" الذي ماتت أمه في أثناء الولادة على الحدود، وكذلك عدم قدرته على إيجاد مدرسة أو مركز خاص للعناية بابنه الذي يعاني من متلازمة داون، فهذا الظرف يشبه إلى حد كبير المعاناة التي يعيشها عدد كبير من السوريين في لبنان، الذين يسعون طوال الوقت لتأمين أبسط حقوق أبنائهم من دون جدوى، بما فيها حق التعليم الأساسي.

لا يعكس مسلسل "شتي يا بيروت" مشكلات السوريين في لبنان وحسب، وإنما يسلط الضوء أيضاً على الضغوطات التي تتعرض لها الفئات الأكثر هشاشة من المجتمع اللبناني

ويبدو الأمر أكثر ألماً في لحظات الذروة التي نجد فيها بطل المسلسل يقف عاجزاً عن اتخاذ أي إجراء بسيط لحماية ابنه، كما هو الحال في المشهد الذي يقف فيه أمام مركز الشرطة بعد أن يعلم باختطاف ابنه، لكنه لا يدخل للإبلاغ عن الجريمة بسبب خوفه من العواقب، فهو يدرك كما يدرك كل السوريين أن الأمر الوحيد الذي سيهتم به رجال الشرطة فور دخوله إلى المخفر هو أوراق الإقامة التي لا يملكها، ويخشى أن ذلك قد يؤدي لترحيله أو حبسه.

لا يعكس مسلسل "شتي يا بيروت" مشكلات السوريين في لبنان وحسب، وإنما يسلط الضوء أيضاً على الضغوطات التي تتعرض لها الفئات الأكثر هشاشة من المجتمع اللبناني، بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية، من خلال شخصية البطلة "أماني" التي تؤدي دورها إلسا زغيب، وشقيقتها "نور" التي تؤديها زينة مكي، والتي تلجأ للعمل في الدعارة لتحمل تكاليف علاج والدها المريض المصاب بسرطان في الدماغ، فعلى الرغم من عملها في القطاع الطبي، إلا أنها تجد نفسها مضطرة لبيع جسدها لتحمل تكاليف العلاج في المشفى التي تعمل به. كما أن المسلسل يواكب العديد من المشكلات الآنية التي تعاني منها المنطقة كأزمة المحروقات وتهريبها بين لبنان وسوريا؛ رغم هشاشة الحكاية الأصلية وضعفها ورداءة الأداء فيما يتعلق بالعائلة السورية التي يهرب منها "عبد الله".

إلا أن المشكلة التي تتعلق بمواكبة القضايا الراهنة، تتعلق بالتوجه العام الذي يحكمها؛ حيث تحيط بها بعض المشاهد التي تعكس خطاباً يلمع صورة السلطة الحاكمة، سواء في سوريا أو لبنان.

ففي سوريا يتم تصوير العصابات والمافيات داخل السجون السورية على أنها المسؤولة عن تصفية المساجين في محاولة لتبرئة النظام من هذه التهمة. فيصوّر المسلسل عملية تصفية والد "عبد الله" من قبل مجموعة من المساجين المدفوعين من قبل "مناع"، بينما تتعاون الأجهزة الأمنية مع "عبد الله" لمساعدته على كشف الحقيقة ومعرفة هوية قاتل والده، رغم جرمه السابق!

أما في لبنان، فعندما تقع "نور" في حب أحد أبناء المسؤولين اللبنانيين ويتم تسريب فيديو إباحي لها، يقدم ابن المسؤول على خطبتها أمام وسائل الإعلام والظهور بصورة المدافع عنها، في محاولة لتقديم صورة مثالية عن أبناء الطبقة السياسية في لبنان، وكأن المسلسل يودّ مخاطبة الجمهور اللبناني بالقول: "إن هؤلاء السياسيين يستحقون أن يُمنحوا فرصة أخرى، ولا حاجة للثورة ضدهم"!