أجرت منظمة المجلس النرويجي للاجئين مسحاً شمل 4106 نازحين في شمال غربي سوريا وذلك حول خططهم المستقبلية، كما تحدثت المنظمة إلى مئات الأسر التي عادت إلى بيوتها بعد سنين من النزوح.
في مخيمات النازحين بشمال غربي سوريا، لم يذكر سوى ثمانية في المئة فقط من الأشخاص الذين شملهم المسح بأن لديهم خطط للعودة إلى مناطقهم الأصلية خلال الشهور الثلاثة المقبلة، بيد أن الدمار الذي شمل مناطق واسعة وعدم توفر المدخرات ونقص الخدمات الأساسية وعدم وجود فرص عمل كلها اعتبرت من الأمور التي تعوق أمر عودتهم.
يعتبر شمال غربي سوريا من أشد المناطق السورية كثافة بالسكان، إذ يؤوي قرابة 3.4 ملايين نازح، معظمهم يعيشون في مخيمات مؤقتة.
وحول ذلك تقول كاثرين آخيلز، وهي مديرة قسم المناصرة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا لدى منظمة المجلس النرويجي للاجئين، والتي زارت سوريا في مطلع هذا الشهر: "أخبرنا السوريون الذين تحدثنا إليهم بأنهم يتوقون إلى العودة إلى بيوتهم، بيد أن تلك الرغبة بالعودة تقف أمامها حقيقة مرة في المدن والبلدات السورية، لأن من عادوا لتفقد بيوتهم صدمتهم مشاهد الأبنية التي سويت بالأرض، والأحياء التي مسحت عن بكرة أبيها، والبيوت المتفحمة، والنقص الشديد في فرص العمل، وأغلب هؤلاء عاشوا في مخيمات النزوح في ظل ظروف مريعة طوال سنين لكنهم يفضلون البقاء فيها خلال الوقت الراهن. وبما أن مئات المدن والبلدات ليست على استعداد لعودة النازحين بأعداد كبيرة، لذا لامفر من دعم السوريين الراغبين بالعودة، والأهم من ذلك هو أنه يجب تمكينهم في الحصول على معلومات دقيقة حول الأوضاع السائدة في مناطقهم مع حصولهم على الدعم حتى يتخذوا قرارات مطلعة حيال أمر عودتهم".
في مدينة حمص، تحدث المجلس النرويجي للاجئين إلى الأسر التي عادت بعد سنوات من النزوح، فذكرت معظمها بأنها اضطرت إلى العودة من لبنان، في حين ذكرت أسر أخرى بأنها خططت للعودة إلى إدلب بعد أن أدركت بأنه لا يوجد خدمات دائمة في منطقتها، وشهدت حالة ارتفاع الأسعار في الأسواق المحلية ضمن المناطق التي عادت إليها. ناهيك عن انتشار ظاهرة انقطاع الكهرباء، إذ إن بعض المناطق لا تصلها الكهرباء إلا لمدة تعادل 45 دقيقة كل ثماني ساعات، وهذا ما يضر بعملية التدفئة ويؤثر سلباً على إنتاجية المشاريع التجارية.
ماتزال مسألة الإسكان في كبرى المحافظات وعلى رأسها حلب وحمص وريف دمشق من أكبر التحديات التي تواجه العائدين، إذ تحتاج معظم الأسر إلى عمليات إصلاح لبيوتها حتى تتمكن من الإقامة فيها، ولقد ذكر تسعة أشخاص من بين كل عشرة شملهم المسح بأن بيوتهم إما دمرت بشكل كامل أو أصبحت غير صالحة للسكن.
وفي حالات أخرى راقبها المجلس النرويجي للاجئين، وصلت الأسر إلى بيوتها لتكتشف بأن أسراً أخرى تقيم فيها، ما يعني بأنه يتوجب على تلك الأسر أن ترحل لتبحث عن سكن بديل، ومع زيادة أعداد العائدين، من المرجح لبدلات الإيجار أن ترتفع، مما قد يخلق خطر جديداً يتمثل بموجة نزوح أخرى وسط ارتفاع نسبة البطالة وغير ذلك من الأزمات الاقتصادية.
عاد ثائر، 35 عاماً، إلى بيته المدمر في حمص، بعد عقد أمضاه برفقة أسرته في تركيا، وذكر للمجلس النرويجي للاجئين بأنهم عادوا إلى بيتهم وجيرانهم وأرضهم، غير أن ما حرق قلوبهم هو رؤية بيتهم بهذا الوضع، لأنه يحتاج لمبلغ يتراوح ما بين ثلاثين حتى أربعين مليون ليرة سورية، أو ما يعادل ثلاثة آلاف دولار، حتى يتم إصلاحه، كما سيتطلب الأمر وقتاً طويلاً حتى يحصلوا تلك الأموال، لاسيما في ظل عدم وجود أي دخل للأسرة، ويضيف: "إننا بحاجة لفرص عمل، فلقد عملت في مجال البناء، وجلبت معي عدة العمل على أمل توفر فرص عمل هنا، لكني لم أعثر على أي فرصة عمل في هذا المجال حتى الآن".
يدعم المجلس النرويجي للاجئين مجتمعات النازحين والعائدين بمساعدات قانونية، وبالمأوى والتعليم، وبمبالغ نقدية تصرف بصورة أساسية على التدفئة والغذاء والدواء، كما أسست هذه المنظمة مكاتب للمساعدة على الجانب السوري من الحدود مع لبنان وذلك لتأمين المشورة القانونية للأشخاص الذين يقطعون الحدود عائدين إلى بلدهم.
ويحث المجلس النرويجي للاجئين المجتمع الدولي على ضمان أن يعنى الدعم في هذه المرحلة الحرجة من الاستجابة بالمستقبل، وأن يتجاوز المساعدات التي تنقذ أرواح الناس في مختلف أنحاء سوريا، كما يجب أن تشتمل البرامج القائمة على التخطيط على دعم طويل الأمد يضم عمليات إصلاح البيوت، والمدارس والمشافي، إلى جانب تسهيل عملية الحصول على المواد الأساسية مثل الكهرباء والمياه النظيفة والغذاء، ويعتمد كل ذلك أيضاً على الدعم القانوني الذي يتيح للناس الحصول على وثائق الهوية وضمان قدرتهم على المطالبة بحقوق ملكية دورهم وأراضيهم وعقاراتهم، بما أن ذلك يعتبر جزءاً مهماً من عملية إعادة البناء.
في الوقت الذي يلوح أمل جديد أمام السوريين، قد يتسبب الخلط بين تغير الظروف وبين توفر حالة أمان كاملة بظهور خطر العودة المبكرة إلى المناطق التي هدمت فيها المنازل واختفت الخدمات، ومن المستحيل العثور على عمل فيها، ولم تتم إزالة الركام الذي خلفه النزاع فيها بشكل آمن حتى الآن.
تعلق آخيلز على ذلك بالقول: "أمامنا فسحة من الأمل لضمان تقديم المساعدات بشكل دائم الآن وبطرق تسمح بعودة الناس إلى بيوتهم في نهاية المطاف، ولهذا ينبغي على الجهات المانحة الدولية أن تزيد من دعمها لتمكن السوريين من الوقوف على أقدامهم وإعادة بناء حياتهم بعد سنوات من النزاع والنزوح".