مستقبل السيطرة على الجولان يثير نقاشاً أميركياً إسرائيلياً

2021.07.13 | 07:06 دمشق

51f91fb2072fba43c278ace236d28da8.jpg
+A
حجم الخط
-A

عاشت الأوساط السياسية والأمنية الإسرائيلية في الأيام الأخيرة نقاشات جادة حول التسريبات الصادرة من واشنطن بشأن إعادة نظر إدارة الرئيس جو بايدن في اعتراف سلفه دونالد ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري المحتل.

مع العلم أن عدم توثيق الاعتراف الرسمي للولايات المتحدة بهضبة الجولان، باعتبارها خاضعة للسيادة الإسرائيلية، في معاهدة مشتركة، يجعل لكل إدارة أميركية الحق في تغيير سياسة سلفها، مما يجعل رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، يركز على مهمة واحدة حول هذا الموضوع، وهي الحفاظ على الوضع الراهن.

يتحدث الإسرائيليون أن نهج فريق بايدن في قضية مرتفعات الجولان يثير عددا من التساؤلات حول كيفية إدارة السياسة الأميركية في هذه المنطقة، وما يجب أن تفعله إسرائيل في ظل هذه الظروف، التي احتلت مرتفعات الجولان عام 1967، وبموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242، كان من المتوقع أن تنسحب من الأراضي، ولكن ليس من جميع الأراضي، بحيث تُترك في نهاية الأمر "بحدود آمنة ومعترف بها".

تتمسك إسرائيل بما تعتبره الموقف الأميركي الأهم فيما يتعلق بهضبة الجولان، ويتمثل في الرسالة الشهيرة من الرئيس جيرالد فورد عام 1975 إلى رئيس الوزراء إسحاق رابين، وجاء فيها أن الولايات المتحدة لم تتخذ موقفا نهائيا من قضية الحدود، وإذا اتخذت موقفا، فسيتم إعطاء وزن كبير لموقف إسرائيل بأن أي اتفاقية سلام مع سوريا يجب أن تستند لبقائها في مرتفعات الجولان.

بما أن إسرائيل لم ترسخ الاعتراف الأميركي الجديد بهضبة الجولان في معاهدة ثنائية، فهذا من الناحية النظرية حق شرعي لأي إدارة بتغيير سياستها

مما جعل رسالة فورد مهمة للغاية في السياسة الأميركية تجاه الجولان، أنها شكلت الأساس لسياسات الإدارات المستقبلية للولايات المتحدة، فقبيل مؤتمر السلام في مدريد عام 1991، كتب وزير الخارجية آنذاك جيمس بيكر رسالة لرئيس الوزراء إسحاق شامير، أعرب فيها عن قلق خاص بشأن مرتفعات الجولان، معلنا استمرار الولايات المتحدة بدعم الوعد الذي قطعه الرئيس فورد لرابين في 1 سبتمبر 1975، وهناك رسالة أميركية أخرى تؤكد رسالة فورد كتبت عام 1996 من وزير الخارجية وارن كريستوفر إلى رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

مع العلم أن الأميركيين بالنسبة للموقف من مرتفعات الجولان شكلوا تيارات متعددة، وبما أن إسرائيل لم ترسخ الاعتراف الأميركي الجديد بهضبة الجولان في معاهدة ثنائية، فهذا من الناحية النظرية حق شرعي لأي إدارة بتغيير سياستها، مع اعتراف جميعها بحق إسرائيل في حدود يمكن الدفاع عنها.

هذا النقاش الأميركي الإسرائيلي حول مستقبل السيادة والسيطرة على الجولان، يعيد إلى الأذهان آخر محادثات مباشرة بين سوريا وإسرائيل في عام 2000، وتعثرت بسبب الخلاف على مستقبل هضبة الجولان التي ضمتها إسرائيل في عام 1981 في تحرك لم يحظ باعتراف دولي، كما أجرتا محادثات غير مباشرة بوساطة تركية في 2009، لكنها توقفت عقب العدوان الإسرائيلي على غزة.

يتحدث "العسكريون "الإسرائيليون أنه لن تعود على الدولة أي فائدة أمنية من دون احتفاظها بهضبة الجولان، حتى إن الحل الذي شهده عام 2000، لم يكن مقنعا فقط، بل إن المتغيرات والتطورات على الصعيدين، الاستراتيجي والتكتيكي، منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، تجعل التنازل عن الجولان أمرا خطيرا بدرجة لا يتوقعها أحد، وفق الرؤية العسكرية الإسرائيلية.

وهناك الكثير ممن يزعمون أن تنازل إسرائيل عن هضبة الجولان، قد يحمل في طياته مخاطرة تكتيكية غير بسيطة، لكن المخاطر الاستراتيجية الحقيقية على إسرائيل تأتي أصلا من التنازلات الكبيرة التي ستقدمها في أي اتفاق سلام مع سوريا، وهي مخاطر لا تبدو مأمونة على المدى البعيد.

الفرضية الإسرائيلية حول أي اتفاق سلام مع سوريا تقول باختصار أن الترتيبات الأمنية التي يجب أن يتضمنها لابد أن يعمل على "جسر الهوة" بين مبدأ التنازل عن الجولان من جهة، ومن جهة أخرى إيجاد وضع ميداني، يمكن قوات الجيش الإسرائيلي من التعامل مع أي حرب قد تنشب بين لحظة وأخرى، ولكن كيف، لا أحد يعرف حتى اللحظة الإجابة الصحيحة!

مع أن الفكرة قامت أساسا على مبدأين مركزيين: أولهما جعل الجولان منطقة منزوعة من السلاح، فرغم أن إسرائيل قد تنسحب من الجولان، رغم أن ذلك يبدو مستبعدا، وتعيد نشر قواتها العسكرية خارج الهضبة، إلا أنها ستبدو مصرة على مبدأ أن تكون الهضبة منزوعة من السلاح بصورة كلية ونهائية، كما تبتعد القوات العسكرية السورية بعيدا عنها، بحيث تقترب من حدود دمشق العاصمة، إن تطلب الأمر.

يقوم المبدأ الثاني على تفعيل قوة الردع الإسرائيلية، من خلال احتفاظها في أي اتفاق سلام مع سوريا بقاعدة استخبارية أمنية في جبل الشيخ، وتكون قادرة على تشخيص أي "اختراق" سوري لاتفاق السلام، وحسب النظرية التي تم صياغتها آنذاك، فإن إسرائيل في اللحظة التي تشخص فيها فعليا تحركا عسكريا للجيش السوري باتجاه الغرب، أو أن سوريا فعلا متأهبة لإمكانية اندلاع حرب مفاجئة مع إسرائيل، ستكون القوات الإسرائيلية قادرة على التحرك سريعا تجاه الشرق، حتى تصل إلى قلب هضبة الجولان "منزوعة السلاح".

وفي حين أن القوات الإسرائيلية ستكون على بعد 20 كيلومترا، من خط الحدود القائم حاليا في أعماق الحولة، وجنوب طبريا، فإن القوات السورية ستكون على بعد 60-80 كيلومترا، من ذات الخط الحدودي، وفي مثل هذه الحالة الافتراضية، ستلتقي القوات الإسرائيلية مع نظيرتها السورية في المنطقة الحدودية الحالية، إلى الشرق من "خط الصواريخ".

اللافت أن هذا الحل الافتراضي الإسرائيلي تحيط به العديد من جوانب الضعف، بنظر الإسرائيليين أنفسهم، لعل أهمها أنه يحمل فرضيات خطيرة، لأنه حين تندلع أي حرب، ستبدأ في وضع توجد فيه قوات كلا الجانبين في المكان الذي يجب أن تتموضع فيه، والتجربة التاريخية لإسرائيل مع مصر تشير إلى أن هذه الفرضية غير واقعية ميدانيا، فمن الطبيعي الافتراض أنه مع مرور الزمن سيجري خرق هنا وخرق هناك للاتفاق، سواء بالنسبة لإدخال أسلحة للمنطقة المنزوعة السلاح في الهضبة، أو في أمكنة إخفائها.

وبعكس ما هو عليه الحال فيما يتعلق بالدبابات والمدفعية، التي يمكن اكتشافها بسهولة، فإنه من الصعب تعقب أسلحة أخرى أقل ثقلا، مثل القذائف المضادة للدبابات، وصواريخ مضادة للطائرات، وقذائف صاروخية قصيرة المدى.

كما أن هذه الفرضية تقوم على تقدير موقف، أن إسرائيل سيكون لها قاعدة استخبارية في جبل الشيخ، بحيث تمنح الجيش الإسرائيلي القدرة على تشخيص أي تحرك "مريب" للقوات السورية في الوقت الملائم، وأهمية الوقت الملائم تعني ضمنيا توفر الرد بصورة فعالة، مع أن هذا الافتراض يقوم فعليا على أن لإسرائيل اليوم سيطرة أمنية استخبارية جيدة بالقياس لما هو عليه الحال لدى السوريين، ويمكن لها الاحتفاظ بهذه القاعدة حتى بعد أن يتم الانسحاب فعليا من هضبة الجولان.

إدارة بايدن الحالية، وخلال ولايتها الأولى، ربما تقدم على سحب الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري

تقوم هذه الفرضية الإسرائيلية على أن لديها اليوم قدرة أمنية واستخبارية على عدد كبير من المركبات والعناصر، وتمتلك تغطية ميدانية واسعة، رغم أنه لا مجال للحديث عن هذه القدرات الأمنية من دون وجود قواعد أمنية منتشرة في أنحاء هضبة الجولان، وحسب ما أثير النقاش حوله في عام 2000، فقد كان من اللازم إقامة محطة إنذار واحدة فقط في جبل الشيخ، واليوم بعد مرور أكثر من عشرين عاما، توجد لإسرائيل قاعدتين كبيرتين، تمنحانها القدرة على الإشراف الكامل على ما يحدث في جزء كبير من الأراضي السورية.

الخلاصة أن إدارة بايدن الحالية، وخلال ولايتها الأولى، ربما تقدم على سحب الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان السوري، لكن في حال نجحت في ولاية ثانية، وفي حال حصل تغير جوهري في المنطقة عموما، وداخل سوريا وإسرائيل خصوصا، ربما يكون المجال متاحا لطرح أنواع أخرى من الحلول المقترحة الخاصة بالجولان.

أول هذه الحلول استئجار هضبة الجولان من قبل إسرائيل لفترة طويلة قد تمتد مئة عام، وثانيها إيجاد حل من السيادة المشتركة على هضبة الجولان، وثالثها إيجاد حل إقليمي، وبناء عليه تحصل سوريا من إسرائيل على جزء من هضبة الجولان، كما حصل مع الأردن بالنسبة لأراضي وادي عربة في اتفاق السلام، لكن اليوم، وحتى كتابة هذه السطور، لا يبدو أن أياً من هذه الحلول بادياً في الأفق المنظور.