icon
التغطية الحية

مساعي روسية لضم آلاف المقاتلين جنوب سوريا تمهيداً لانسحاب إيران

2018.07.27 | 17:07 دمشق

عرض عسكري لفصائل المعارضة في درعا (انترنت)
تلفزيون سوريا - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

دمّر سلاح الجو الروسي وصواريخ نظام الأسد مخيم اليرموك جنوبي دمشق، ليتوصّل النظام وروسيا في نيسان الماضي، إلى اتفاقية مع عناصر تنظيم الدولة في المخيم لنقلهم إلى بادية السويداء الشرقية، لتتعالى الأصوات المحذرة من خطورة هذا الاتفاق على محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، والتي تشهد منذ عام 2015 صراعاً ناعماً مع النظام.

وأظهرت الوقائع الميدانية خلال الأيام الماضية أحقية التحذيرات من اتفاق النظام والروس وتنظيم الدولة الذي هاجم مدينة السويداء وقرى وبلدات ريفها الشرقي والشمالي، بتسلل ما كان لينجح لولا أن فتحت قوات النظام الطريق له للوصول إلى هذه المناطق، ووقعت المجزرة الأكثر دموية بحق الأهالي يوم الأربعاء الماضي بحصيلة وصلت لأكثر من 270 قتيلا أغلبهم من المدنيين.

روسيا التي تحاول جاهدة تحقيق توازن ميداني في الجنوب السوري، لإرضاء إسرائيل التي ما زالت تؤكد على إنهاء الوجود الإيراني في سوريا كسقف أعلى لمطالبها، وعدم الوقوع بعداء واضح مع إيران

توضحت الصورة أكثر بالنسبة لأهالي السويداء الذين طردوا المحافظ وقائد الشرطة اللذين قدما لحضور تشييع القتلى، وربط الجميع ما حصل بزيارات الوفد الروسي ولقائهم وجهاء وشيوخ الدروز للتوصل إلى حل لملف المنشقين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية وملف "رجال الكرامة"، المجموعات العسكرية المحلية التي ازداد عددها بشكل ملحوظ بعد عام 2015، والتي انضم لهم الكثير من المنشقين والمتخلفين لتأمين نوع من الحماية للأهالي، عبر اتخاذهم موقف الحياد من المعارضة والنظام حسب تعبيرهم.

فروسيا التي تحاول جاهدة تحقيق توازن ميداني في الجنوب السوري، لإرضاء إسرائيل التي ما زالت تؤكد على إنهاء الوجود الإيراني في سوريا كسقف أعلى لمطالبها، وعدم الوقوع بعداء واضح مع إيران التي تعلم روسيا جيداً أن خروجها من سوريا سيكون مهمة شبه مستحيلة، وذلك بحكم النفوذ الإيراني العميق داخل نظام الأسد، وسيطرة الإيرانيين على مفاصل النظام عبر تجنيدها أعمدته الأمنية والعسكرية، فضلاً عن ضمّهم لعشرات الآلاف من الميليشيات المحلية من السوريين إلى جانب تشكيلاتها الطائفية القادمة من العراق ولبنان وباكستان وأفغانستان.

صفقة ذات جدول زمني لإنهاء التواجد الإيراني في سوريا، وذلك بداية بإبعاد الإيرانيين عن حدود إسرائيل مسافة 100 كم

وقدم وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ورئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال فاليري جيراسيموف، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يوم الإثنين الماضي، صفقة ذات جدول زمني لإنهاء التواجد الإيراني في سوريا، وذلك بداية بإبعاد الإيرانيين عن حدود إسرائيل مسافة 100 كم، في حين ستعمل روسيا على سحب جميع الصواريخ طويلة المدى من الإيرانيين في سوريا، وإغلاق جميع المصانع التي تصنع صواريخ دقيقة، بالإضافة لضمان إخراج جميع أنظمة الدفاع الجوي التي تحمي الأسلحة المذكورة أعلاه من سوريا، وإغلاق المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، وبين سوريا والعراق، لمنع تهريب الأسلحة الإيرانية، واستمرار الطيران الإسرائيلي بضرب أي هدف إيراني تراه مهدداً لأمنها القومي، حسب ما أورده موقع "The Times of Israel" نقلاً عن مسؤول إسرائيلي.

 

 

وتسارع روسيا الخطى لتأمين الفجوة التي سيخلفها انسحاب الميليشيات الإيرانية من سوريا، والتي تقدر أعدادهم بأكثر من 100 ألف مقاتل على أقل تقدير، وبذلك يمكن الربط بين الاتفاق الروسي الإسرائيلي وما حصل في السويداء من جهة، واتفاقات المصالحة والإبقاء على الفصائل في الجنوب السوري من محافظتي درعا والقنيطرة.

ومن بعد مجازر يوم الأربعاء الدامي وصلت الرسالة إلى أهالي السويداء، بأن دماءهم مهدورة في حال لم ينصاعوا لمطالب روسيا، بانخراط الـ 50 ألف منشق ومتخلف من أبنائها ضمن التشكيلات العسكرية المرتبطة بروسيا، مثل قوات النمر أو الفيلق الخامس الذي لم ينجح حتى الآن كما تريد روسيا، وقد تطرح روسيا على أهالي السويداء بأن يخدم هؤلاء المنشقين والمتخلفين في منطقتهم الممتدة من الحدود الأردنية حتى جنوب شرق دمشق، وذلك ضمن حدود الـ 100 كم المتفق عليها.

تسارع روسيا الخطى لتأمين الفجوة التي سيخلفها انسحاب الميليشيات الإيرانية من سوريا، والتي تقدر أعدادهم بأكثر من 100 ألف مقاتل على أقل تقدير

ولن يكون هذا الطرح الروسي لأبناء السويداء تعجيزياً، إذ إن الأمر لن يغير كثيراً من واقعهم الحالي حيث يتواجد النظام بمؤسساته المدنية والأمنية، بل ربما سيعزز من تسليحهم وسيطرتهم على جبل العرب للدفاع عنه بشكل أفضل وتجنب ألعاب النظام وروسيا المخابراتية كالتي قاموا بها يوم الأربعاء، فقد بات تنظيم الدولة على تخوم القرى الشرقية للسويداء، الأمر الذي قد يؤدي إلى استنزاف "قوات شيخ الكرامة" بالدفاع عن مناطقهم، في ظل تخاذل النظام في الدفاع كما أظهر بيان القوات الذي صدر اليوم.

فصائل من درعا والقنيطرة بدأت فعلياً القتال إلى جانب روسيا

روسيا عرابة اتفاقات المصالحة في سوريا، كانت أكثر جدية في اتفاقات الجنوب السوري الذي شهد إقبالاً واسعا نسبياً من قبل الفصائل العسكرية هناك، لقبول البقاء في المنطقة ورفض التهجير إلى إدلب والشمال السوري، بدأ الأمر بقبول فصيل شباب السنة بقيادة أحمد العودة ليضمن للروس سيطرتهم على شرق درعا وما فيه من مقاتلين من الجيش الحر يصل عددهم إلى قرابة 3000 مقاتل، ليحدث اتفاق مشابه بشكل مفاجئ في درعا البلد، مع عدد محدود من قيادات الجيش الحر التي وافقت على البقاء وعدم الخروج إلى إدلب، وذلك بعد ساعات قليلة من توصلهم مع الروس على اتفاق يقضي بتهجيرهم إلى الشمال السوري ودخول الحافلات في اليوم التالي.

بات "أحمد العودة" الآن قائداً للفصائل التي قبلت البقاء في الجنوب، لتشكيل قوة محلية من هذه الفصائل تتبع لروسيا بشكل مباشر

الظاهرة امتدت بشكل متسارع إلى ريف درعا الغربي والشمالي ومحافظة القنيطرة، في حين رفض المئات فقط من المقاتلين البقاء وتسوية أوضاعهم مع النظام والروس، وفضّلوا التهجير مع عائلاتهم، وبهذا أصبح الروس يمتلكون أكثر من 10 آلاف مقاتل من الفصائل التي قبلت بالمصالحة، في المنطقة الأكثر أهمية للروس في ملف إنهاء التواجد الإيراني.

وبحسب معلومات حصل عليها موقع تلفزيون سوريا من مصادر عسكرية في الجنوب السوري، بات "أحمد العودة" الآن قائداً للفصائل التي قبلت البقاء في الجنوب، لتشكيل قوة محلية من هذه الفصائل تتبع لروسيا بشكل مباشر، وتبسط سيطرتها على المنطقة الممتدة من شرق السويداء وحتى شمال درعا قرب بلدة إزرع وصولاً إلى القنيطرة على حدود إسرائيل.

وأكدت المصادر مشاركة عدد من الفصائل بالقتال ضد تنظيم الدولة في حوض اليرموك، بتغطية من طيران الروس ومدفعية النظام، في حين تم سحب قوات النظام وقوات "النمر"، لتجهيز أنفسهم للذهاب إلى جبهات جبل التركمان في ريف اللاذقية لشن هجوم على إدلب والأرياف المحيطة بها.

وأفاد مراسل تلفزيون سوريا بانسحاب قوات النظام وحواجزه من كامل أحياء درعا البلد التي كانت قد دخلت إليها بعد اتفاق التسوية في مدينة درعا، وعودتها إلى أحياء درعا المحطة والأفرع الامنية بها.

وفي حال الانتهاء من تشكيل الجسم العسكري الجديد المكون من الفصائل التي بقيت في الجنوب السوري، سيتم فتح باب التطوع للمتخلفين وللشبان والرجال ممن في عمر الخدمة الإلزامية، ليخدموا في هذا التشكيل والبقاء في المنطقة، تفادياً لقيام النظام بسوقهم للخدمة الإلزامية ودفعهم إلى جبهات القتال في إدلب أو مكان آخر من سوريا، بعيداً عن قراهم ومدنهم.

وسيمثل وجود هذا التشكيل العسكري من الفصائل صمام أمان للمنطقة من امتداد النفوذ الإيراني فيها حسب الرؤية الروسية

وحتى الآن لا يبدو واضحاً طبيعة العلاقة التي ستربط هذا التشكيل بقوات النظام المتواجدة أساساً في عشرات الثكنات العسكرية الواقعة في جنوب دمشق وشمال درعا والقنيطرة.

وسيمثل وجود هذا التشكيل العسكري من الفصائل صمام أمان للمنطقة من امتداد النفوذ الإيراني فيها حسب الرؤية الروسية، في حال لم تتمكن روسيا من الإيفاء بوعودها لإسرائيل، وسيمنح هذا العدد الذي قد يصل إلى عشرات الآلاف من المقاتلين الذين بقوا في الجنوب السوري، إلى جانب العدد الذي سيتم تطويعه من الشبان المتخلفين عن الخدمة الإلزامية؛ سيمنح الروس خزاناً بشرياً كبيراً من المقاتلين لسد الحاجة الميدانية في الجنوب السوري ومنطقة الـ 100 كم عن إسرائيل، في حين سيستمر سحب قوات النظام من الجنوب السوري إلى مواقع أخرى لسد الفجوة في الأعداد التي سيخلفها انسحاب الميليشيات الإيرانية من سوريا، في حال حصل ذلك.

وحتى اللحظة تبقى السيناريوهات جميعها مفتوحة حول مصير الجنوب السوري ومصير التواجد الإيراني في سوريا، إلا أنه مع مرور الوقت تتوضّح الصورة أكثر في الجنوب، والتي هي انعكاس حقيقي للتفاهمات الروسية الإيرانية الإسرائيلية.