icon
التغطية الحية

مروراً بليبيا.. هجرة كثيفة للسوريين من دمشق إلى أوروبا

2022.09.19 | 16:30 دمشق

هجرة السوريين
سوريون يسلكون طرقاً ووجهات متعدّدة للهجرة إلى أوروبا (الأناضول)
دمشق - خاص
+A
حجم الخط
-A

تشهد مناطق سيطرة النظام السوري هجرة كثيفة، عبر طريقٍ جديد ينطلق من مطار دمشق إلى مطار بنغازي في ليبيا، ثم من مدينة بنغازي إلى العاصمة الليبية طرابلس، ومنها ينطلقون عبر قوارب مطاطية أو خشبية أو بواخر شحن إلى إيطاليا، ثم إلى إحدى دول أوروبا الغربية، وغالباً ألمانيا أو هولندا.

وبحسب مفوضية اللاجئين، فإنّ 6 جثث تعود لسوريين بينهم 3 أطفال عُثر عليها، يوم الإثنين الفائت، في قارب هجرة غير شرعية وصل إلى سواحل صقلية في إيطاليا، مشيرةً إلى أن أكثر من 1200 شخص لقوا حتفهم أو صاروا في عداد المفقودين هذا العام، خلال عبورهم البحر المتوسط باتجاه أوروبا.

أبو ناجي (65 عاماً) ودّع زوجته وابنته في برزة بالعاصمة دمشق متجهاً إلى ليبيا، منذ ستة أيام تقريباً، لكنّ مصيره غير معروف منذ أن انقطعت أخباره في اليوم الرابع من مغادرته منزله. وتخشى زوجته أن يكون قد لقي حتفه في البحر وهي غير قادرة حالياً على فعل أي شيء غير متابعة أخبار القوارب التي تغرق ومشاهدة مقاطع الفيديو خوفاً من أن يكون زوجها أحد الضحايا.

تقول أم ناجي، إنها ودّعت ابنها ناجي (30 عاماً)، منذ شهرين، لكن نحو طريق مختلف يبدأ من دمشق إلى تركيا ومن تركيا إلى اليونان ثم إلى ألمانيا، وتؤكد أن سبب إصرار زوجها على الهجرة هو فقدانه الأمل بأن يحصل على عمل يعيل أسرته الصغيرة، حيث كان يعمل في "سوبر ماركت" طوال أيام الأسبوع ومن غيرِ عطل براتب 350 ألف ليرة شهرياً، لا يسد احتياجاتهم أبداً.

اضطر أبو ناجي إلى بيع المنزل الذي ورثه عن والده بنحو 150 مليون ليرة سوريّة، وباع أغلب أثاث المنزل ليستطيع تأمين تكاليف سفر ابنه ثم سفره هو، وترك ما تبقّى من المبلغ مع زوجته وابنتهما للعيش به في منزلٍ استأجره لهما في منطقة التضامن جنوبي دمشق.

كلفة سفر الابن ناجي وصلت إلى 15 ألف دولار، أما كلفة سفر والده فلا تكاد تصل إلى 7 آلاف دولار، بما مجموعه نحو 100 مليون ليرة سوريّة، وفقاً لأم ناجي.

فشل التجربة

يعدّ الطريق عبر ليبيا هو الأرخص حالياً، وتتراوح كلفته للمهاجر خارجاً من دمشق إلى الدولة التي يقصدها في أوروبا، ما بين 6500 – 7000 دولار، لكن فارس (اسم مستعار) يقول إنّ تلك التكاليف قد تتضاعف في أي لحظة.

حاول فارس بداية فصل الصيف، الهجرة عبر مهرب وصفه بالـ"قوي" في إشارة إلى أنّه مضمون، ووصل بالفعل إلى طرابلس الليبية في الموعد المحدّد، وكانت كلفة السفر من دمشق إلى بنغازي ثم طرابلس بين 1800 -2200 دولار، لكن ما حدث هو تأخّر موعد القوارب نحو أوروبا نتيجة تشديد خفر السواحل.

استأجر المهرب منزلاً سكن فيه كل من يكفلهم، وبقوا فيه أكثر من أسبوعين، وخلالهما اضطر المهاجرون على الإنفاق من المبلغ المرصود للهجرة واضطروا لطلب حوالات من ذويهم وأقربائهم في دمشق.

جاء موعد ركوب القارب، وفور إبحاره بدأ الرصاص ينهمر حول ركّابه المهاجرين، ما دفعهم للعودة إلى الشاطئ بأمر من خفر السواحل الليبية، التي اعتقلتهم جميعاً وهم 28 شخصاً بينهم أطفال ونساء وكبار سن.

يروي فارس أحداث الاعتقال قائلاً: إنّه أسوأ من أي شيء يمكن أن يتخيله أحد، الظروف غير إنسانية، وتبيّن أن السجن تسيطر عليه ميليشيات قبلية، مشيراً إلى أن السيطرة في العاصمة الليبية طرابلس تختلف من منطقة لأخرى، وكل منطقة تديرها ميليشيا قبلية معينة.

الخروج من السجن مكلف، وكلفته تتراوح بين 500 و2000 دولار تبعاً لوضع الشخص وعمره وجنسيته. استطاع فراس أن يدفع 700 دولار ليخرج، وبعدها توجه إلى مدينة بنغازي واستأجر منزلاً ريثما يرتب أمور عودته إلى دمشق، وهذا ما حدث بالفعل.

الفشل لا يردع

رغم القصص الفاشلة التي انتهت إما بالموت أو الفقدان أو العودة إلى دمشق، فإن أغلب الشبّان يخططون للهجرة عبر ليبيا لأنه الطريق الأرخص، حيث لا يحتاج المهاجر أن يعبر دولة حدودية بشكل خطر وغير شرعي للخروج من سوريا مثل الدخول إلى تركيا، كل ما عليه هو صعود الطائرة من مطار دمشق بشكل شرعي والهبوط في مطار بنغازي.

وسبق أن أعلنت "أجنحة الشام للطيران"، في شهر أيلول من العام الفائت، تسيير رحلتين جويتين أسبوعياً من مطار دمشق إلى مطار بنغازي الدولي وبالعكس، وهو ما شجّع السوريين إلى الهجرة عبر هذا الطريق.

طرق هجرة أخرى

رغم أن طريق ليبيا هو الأرخص، لكنه ليس الوجهة الوحيدة التي تنتهي بأوروبا، فما تزال تركيا تشهد هجرة مكثّفة من سوريا، وسط تشديد حرس الحدود التركي، إضافةً إلى طرق تزوير جوازات السفر والتأشيرات وهي مكلفة جداً، قد تصل كلفتها إلى 18 و20 ألف دولار، تبعاً للبلد المقصد، لكن لا يحتاج المهاجر وفق هذه الطريقة للمخاطرة في البحر.

وما تزال هناك أفواج من المهاجرين يتجهون إلى الإمارات ومصر والسودان، كما ظهرت سلطنة عمان كوجهة جديدة مؤخراً، وتختلف هذه الوجهات عن غيرها بأنها لا تنتهي في أوروبا ولا تقدّم برنامجاً لدعم اللاجئين مالياً أو مادياً، والقصد منها البحث عن عمل، وقد يحتاج المتجه إلى تلك الوجهات إلى رأسمال كبير ليبدأ عمله الخاص، أو مبلغ مالي جيّد ليؤمن مسكنه ومعيشته في الأشهر الأولى، لحين الحصول على عمل إن وجد.

وبحسب بعض المقبلين على الهجرة، فإنّ كلفة استصدار جواز السفر المستعجل (خلال ساعات فقط) وصلت إلى 800 ألف ليرة سورية، علماً أن سعره الرسمي المحدّد هو 500 ألف ليرة سورية، مشيرين إلى الإقبال الكثيف على الهجرة إلى أوروبا، بالتزامن مع اقتراب فصل الشتاء، حيث يُصبح السفر عبر البحر أكثر خطورة.

يشار إلى أنّ الدافع الأكبر لهجرة السوريين هو الانهيار المتسارع للاقتصاد، حيث تجاوز سعر صرف الليرة السورية الـ4500 للدولار الواحد، في وقت ارتفعت فيه الأسعار بشكل غير مسبوق، وسط تدني الرواتب وتعطل الأعمال لأسباب تتعلق بضعف الإقبال وصعوبة الإنتاج، نتيجة انعدام الكهرباء أو عدم توفّر المازوت والغاز، مع ارتفاع الضرائب والرسوم وتسلّط دوريات التموين والمالية والجمارك والمحافظة على أصحاب المحال والتجّار.

اقرأ أيضاً.. "الهجرة من مناطق سيطرة النظام السوري" في دراسة شاملة لمركز حرمون